ملكة الوعي والالتفات وسط زخم الحياة (5)

من تراب الطريق (982)

ملكة الوعي والالتفات وسط زخم الحياة (5)

نشر بجريدة المال الاثنين 23/11/2020

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

قد لا نكون مغالين أو مجازفين إذا تصورنا أن الأرض وحدها لم تعد كافية لتطوير البشر.. ذلك التطور العاجز الذي يعيد عموم البشر إلى الخمول ثم إلى الفناء التام.. فمن يعتنون بدراسة الفضاء ومراقبة ما يجرى فيه وإمعان الدقة في القرب من كواكبه والتعرف على حقائق مما فيه، يفتحون آفاقًا واعدة لما يمكن أن ينتفع به البشر في الأرض أو في الفضاء.. يسعون بجهودهم لخير الناس وتحسينًا لمداركهم، وترقيةً لعقولهم وتقويةً لعزائمهم واستقامةً لسلوكهم.. وإذا نجحوا في اجتذاب الناس إلى مسعاهم ربما انتقلت البشرية بجهودهم من حاضرها وماضيها إلى مستقبل زاهر واعد.. متين القواعد.. خالٍ من الأنانية وما يتبعها من مكر وادعاء وكذب وخبث وطمع وجشع وكبرياء وغطرسة، واتسع بدل ذلك عقلهم وإنسانيتهم بانسجامهم مع عالم أو عوالم الفضاء الفسيح العظيم !

لقد اعتدنا وسبقنا من سبقنا من الآدميين ـ على ما لا حصر له من اللغات لآلاف بل مئات الآلاف من السنين.. دون أن نحفل بالانحصار والخصوصية لكل لغة بل لكل لهجة من لغة وما فيها من زيادة أو نقص عن غيرها في المعنى العام أو الخاص، فضلاً عن السعة أو الضيق في الأداء والحسن أو القبح في النبرة والصوت.. لأن البشر فيما يبدو ـ بدأوا بداياتهم متناثرة ساذجة الأداء والمعاني لمئات الآلاف من الأعوام لكي يصلوا إلى ما عرف بالحضارات وتاريخها القديم المتداول بعضه اليوم.. وقد زيد عليه تاريخهم المتوسط ثم تاريخهم الحديث دون تغيير كبير في الأسس القديمة التي مازالت تعمل عملها في الأسر والجماعات، وفي السحن والألوان والأجناس.. ولم يستطع العلم الوضعي والتعليم المتقدم أن يغيرا حتى اليوم من الأسس القديمة، برغم توالى التغييرات بغير انقطاع في العادات والسلوكيات والأذواق.. ذلك لانكباب البشر منذ وجدوا حتى اليوم على الأرض.. لا يرون غير ما يرون فيها، ولا يسعون إلا هنا وهناك على سطحها وبحارها ومحيطها، ويحبون كما ولدوا عليها أن يموتوا ويدفنوا فيها وأن تبقى بقاياهم وآثارهم أثرًا باقيًا على صفحاتها.. ربما نجم هذا التعلق عما سبق أن حدث لغيرنا مما انقرض من أنواع الأحياء الماضين.. كما قد يكون إعدادًا وتجهيزًا لنقلة نتمكن فيها من الانطلاق في غير الأرض حين نصبح قادرين على السعي المجدي في الفضاء الواسع الهائل الذي تبدو فيه أرضنا الحالية مجرد ذرة !!!.. ولو فكر الآدمي العادى في أي من هذين الاحتمالين يختار، لوجد الاختيار الثانى أكثر سعة لأنه أكثر أملاً وبهجة.. لكننا مازلنا في مجموعنا نسرع إلى اليأس.. ربما لكى تقصر أعمار مخاوفنا ومخاطرها التي تتجمع بسبب الجهل أو الإهمال وعدم المبالاة، أو بسبب الأحداث المهلكة التي ليس للبشر نصيب في إحداثها !

وبرغم أننا قد صرنا في الجملة أفضل صحة وأطول عمرًا، في البلاد المتحضرة أو التي في طريقها إلى التحضر، فإننا أكثر من سابقينا مجازفة وجرأة غير محسوبة.. لا على اليابسة ولا في الماء أو الفضاء.. مرجع هذه الجرأة المندفعة إلى حد المجازفة، إلى الحرية الشخصية التي لا قيد عليها لصاحبها ولو أهلك نفسه ومن يكون معه.. إذ الحرية هي حرية الآدمي المتبصر العاقل في حدود تبصره وعقله.. وفوق ذلك غرور وتحته ضلال وجهالة !!

والمتأمل المعتاد على التأمل والتبصر، سواء في نفسه وحاله أو فيمن حوله من القربى أو الأغراب ـ يلمس أحيانًا ابتعاد أغلبية الناس الشاسع عن الإنسانية !!!.. حتى الآن وإلى المستقبل الذي ينتظره الآدميون الآن.. لم يعد الآدميون يثقون أو يأملون في أن الآتين من بعدهم ـ سيكونون خيرا منهم.. لأن كلاً منا يبدأ عمره طفلا يتلقى سلوك وعادات أبويه ويقلدها صغيرًا برغم « غيريته » الحتمية عنهما وعن كل آدمي آخر حتى التوائم.. ففي كل آدمي تجتمع « أناه » الخاصة  ومعها تقليد ما للغير قريبًا أو بعيدًا !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى