محمد فريد شهيد الوطنية الذى لاقى الجحود والنكران (14)

من تراب الطريق ( 1270 )

نشر بجريدة المال الاثنين 28/2/2022

ـــــــــــــــــ

بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين

وسجلت هذه الدراسة القيمة ، الانقسامات التى أصابت الحزب الوطني ، الأمر الذي بدأ محمد فريد فى مواجهته ، وأن هذه الإنقسامات ترجع إلى الخلاف الذي شجر بين محمد فريد وعلى فهمى كامل حول رئاسة الحزب عقب وفاة مصطفى كامل ، وأن على فهمى كامل ، حين فشل في نيل مأربه ، أخذ يحارب محمد فريد ، ومظهر ذلك العداء  قيام لجنة السيدة زينب بإنتقاد سياسة محمد فريد تجاه الخديو بتأثير علي فهمي كامل ، وبتأثيره أيضًا دبر اعتصام عمال اللواء وإصدار جريدة « مصر الفتاة » على مبادئ الحزب الوطنى ؛ وكان هذا كله بالاتفاق مع محمد سعيد باشا ناظر الداخلية . على أن هذه المحاولة فشلت ولم يستقر الأمر بين محمد فريد وعلي فهمي كامل بعد المشكلة القضائية حول شركة جريدة اللواء بين الورثة فانتهت علاقة محمد فريد باللواء فى مارس 1910 بإنشاء جريدة « العلم » حيث أخذت « اللواء » تطعن فى سياسة محمد فريد بعد ذلك .

وأخطر من هذا كشفت هذه الدراسة القيمة ، أن القوى المعادية لمحمد فريد إنتهزت فرصة ابتعاده عن البلاد فبذلت المحاولات للحيلولة دون رجوعه إلى مصر مرة أخرى ، وذلك بنسف كل الجسور التي تمكنه من ذلك ، وبالعمل على محاصرته بالخارج ورصد نشاطه أينما حل وأينما سار في الأراضي الأوروبية أو أراضي الدولة العثمانية ..

ويؤكد أحمد شفيق باشا فى الجزء الثالث من مذكراته فى نصف قرن ، ضمن أحداث عام 1912 ، أن محمد فريد اتهم الخديو بالفعل ــ فى مقالته 20 أغسطس 1912 فى جريدة السييكل الفرنسية ، بالعمل ضد كيان الدولة وضد عرش الخلافة بالاتفاق مع انجلترا نظير اعترافه بالحماية سرَّا ، وأتبع محمد فريد هذه المقالة بمقالين آخرين فى 5 ، 10 سبتمبر ، فيهما توكيد وتفصيل لما ورد بالمقالة الأولى ، وختم بقوله إنه رغب فى هذا النشر لإماطة اللثام عن هذه الدسائس أمام العالم المتمدين .

ويؤكد احمد شفيق باشا ان الخديو كان وراء تأليب عناصر فى الحزب الوطنى على زعيمه ، والتحريض على المطالبة بعزله من رياسة الحزب .

ففى البداية حاول الخديو عباس فصل محمد فريد من عضويه نادي المدارس العليا كرد فعل ، كما يذكر فريد ، لما يكتبه « ضد الخديو والنظار فى جريدة الهلال العثماني التي كان يصدرها الشيخ عبد العزيز جاويش بمال جمعية الاتحاد والترقي وما كتبه كذلك بجرائد أوروبا وبالأخص في جريدة السيكل » . وفشلت هذه المحاولة لأن أعضاء النادى رفضوا القيام بهذا العمل رغم تهديد الحكومة بغلق النادي ، وإن كان فريد قد بعث بإستقالة ــ حفاظًا على بقاء النادي ـــ لتقديمها إذا دعت الضروره ، ولكنها لم تقدم لتمسك أعضاء النادي بموقفهم .

ويُفهم من هذا أنه لو صحت الاستقالة المنسوبة لمحمد فريد ، فإنها كانت صورية لمساعدة الحزب الوطنى فى مواجهته الخديو فى مصر ، وعدم تحميله بمواقف محمد فريد ، يؤكد ذلك ما أورده أحمد شفيق باشا فى الجزء الثالث من مذكراته ، أن البرقية التى أرسلها محمد فريد لعلى فهمى طلب فيها فريد أن تعرض الاستقالة على الجمعية العمومية للحزب دون غيرها ، وذلك لما بلغه عن مساعى الخديو مع أعضاء اللجنة الإدارية ؛ ودليل أن هذه الاستقالة لم تقبل ، أن باقى الأحداث ،  تؤكد أن محمد فريد ظل رئيسًّا للحزب ، وظل محورًا للحركة الوطنية فى مصر وأوروبا إلى أن لاقى ربه .

بيد أن الخلاصة ، أن محمد فريد ، لاقى بالفعل جحودًا وعقوقًا ونكرانًا فى حزبه !

إذن فلم يكن العقوق فقط من قيادة ثورة 1919 ، وإنما حصل بداخل الحزب الوطنى ذاته .

وبدا لى من مراجعة تواريخ الثورات والحركات الوطنية والسياسية والحزبية ، أنها جميعًا قد ابتليت بإختلاط الأوراق بين الشخصى والموضوعى ، محكومة بحب الزعامة والإنفراد ، وجعل ذلك يؤدى إلى تفتتها ووهنها بمضى الزمن ، وهذا هو داء الزعامة السياسية فى كل مكان وأوان !

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى