مبدأ الأخوة الإنسانية في الدساتير المقارنة

 الدكتور أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

مقدمة

باستقراء أحكام العديد من الدساتير المقارنة، يبدو سائغاً القول إن مبدأ الأخوة الإنسانية يحظى بقيمة دستورية وواجباً دستورياً ينبغي على الحكومات والسلطات الحاكمة أن تلتزم به في تصرفاتها وأن تنزل عند مقتضياته، ولو أدى ذلك إلى فوات بعض المصالح السياسية الآنية.

ومع ذلك، وبالنظر إلى طريقة تعامل الدول مع الأحداث الدامية والاعتداءات الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من شهر كامل ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، نجد أن بعض الحكومات قد انحازت إلى القيم الأخلاقية والمثل العليا من خلال نصرة الضعيف، ولو بالكلمة أو التصريح أو التنديد بالفظائع والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي على مرأى ومسمع من العالم كله. وفي المقابل، اختارت حكومات أخرى أن تتصرف بشكل براجماتي من خلال تحري بوصلة مصالحها. وقد تنوعت مواقف هذه الطائفة الثانية من الدول، بحيث اختار بعضها الوقوف إلى جانب العدو الإسرائيلي، بينما اختار البعض الآخر اتخاذ موقف الحياد والامتناع عن التصويت خلال جلسات الجمعية العامة المنعقدة لمناقشة قرارات وقف إطلاق النار أو الدعوة إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة.

ومن هنا، ارتأينا من الملائم أن نحاول الوقوف على المكانة التي يحظى بها مبدأ الأخوة الإنسانية في الدساتير المعاصرة، وذلك في خمسة مطالب، على النحو التالي:

المطلب الأول: مبدأ الأخوة الإنسانية في دساتير دول أمريكا اللاتينية.

المطلب الثاني: مبدأ الأخوة الإنسانية في الدساتير الأوربية.

المطلب الثالث: مبدأ الأخوة الإنسانية في دساتير الدول الأسيوية.

المطلب الرابع: مبدأ الأخوة الإنسانية في دساتير الدول الأفريقية.

المطلب الخامس: مبدأ الأخوة الإنسانية في دساتير الدول العربية.

 

المطلب الأول

مبدأ الأخوة الإنسانية في دساتير دول أمريكا اللاتينية

يكرس دستور دولة هندوراس لسنة 1982م مبدأ الأخوة الإنسانية، وذلك بموجب المادة الخامسة عشرة منه، بنصها على أن «تؤيد هندوراس مبادئ القانون الدولي وممارساته التي تعزز تضامن الشعوب وتقريرها لمصيرها، وعدم التدخل وتعزيز السلام العالمي والديمقراطية العالمية».

كذلك، ورد مبدأ الأخوة الإنسانية في العديد من نصوص دستور الإكوادور لسنة 2008م. إذ ينص تمهيد الدستور على أن دول الإكوادور «بلدٍ ديمقراطي ملتزم بالاندماج الأميركي اللاتيني، وهو حلم سيمون بوليفار وإلوي ألفارو، وبالسلام والتضامن مع جميع شعوب الأرض». وفي الإطار ذاته، تنص المادة 416 من الدستور الإكوادوري على أن «يجب أن تلبي علاقات الإكوادور مع المجتمع الدولي مصالح الشعب الإكوادوري، التي يكون الأشخاص القائمون على هذه العلاقات والأشخاص الذين ينفذونها مسؤولين عنها. ونتيجة ذلك، فإن السياسة الخارجية الإكوادورية: تدعم إقامة نظام جديد للتجارة وللاستثمار بين الدول، نظام يقوم على العدل والتضامن والتكامل وخلق الآليات الدولية لمراقبة الشركات متعددة الجنسيات، ولإرساء نظام مالي عالمي جديد يكون نظاماً عادلاً شفافاً منصفاً. كما ترفض تحويل النزاعات مع الشركات الأجنبية الخاصة إلى نزاعات بين الدول».

وبدوره، ينص دستور جمهورية فنزويلا البوليفارية لسنة 1999م على مبدأ الأخوة الإنسانية. إذ تنص ديباجة الدستور على أن «الشعب الفنزويلي ممارساً لطاقاته الخلاقة، متوسلاً إرادة الله، مستلهماً المثال التاريخي للمحرر سيمون بوليفار، وبطولة وتضحية الأسلاف سكان البلاد الأصليين والرواد الذين صاغوا وطناً حراً ذا سيادة؛ وتحقيقا للهدف السامي المتمثل بإعادة تأسيس الجمهورية وبناء مجتمع ديموقراطي‏ تشاركي وفاعل، متعدد السلالات والثقافات في دولة عادلة اتحادية ولامركزية، ترسخ قيم الحرية والاستقلال والسلام والتضامن والمصلحة العامة ووحدة الأرض والتعايش وسيادة القانون، من أجل الجيل الحالي والأجيال القادمة؛ وتضمن حق الحياة والعمل والثقافة والتعليم والعدالة الاجتماعية والمساواة دون تمييز ولا تبعية؛ وتشـجع التعاون السـلمي بين الأمم وتدعم وتقوي وحدة أمريكا اللاتينيـة وفق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وحرية الشعوب في تقرير مصيرها والضـمان العالمي لحقـوق الإنسان التي لا تتجزأ، وديموقراطية المجتمع الدولي ونزع السلاح النووي والتوازن البيئي والثروات الاعتبارية الطبيعية كإرث عام للإنسانية لا يمكن التنازل عنه؛ ممارسة لسلطته الأصلية التي تمثلها الجمعية الوطنية التأسيسية المنتخبة بشكل حر في استفتاء ديموقراطي، يقرر ما يلي: الدستور». ويكرس الفصل الثامن من الدستور ذاته حقوق الشعوب الأصلية، حيث تنص المادة (123) منه على أن «يحق للشعوب الأصلية المحافظة على ممارساتها الاقتصادية القائمة على التبادل والتكافل والمقايضة؛ وأنشطتها الإنتاجية التقليدية، ومشاركتها في الاقتصاد الوطني وتعزيزها. ويحق لها الحصول على خدمات التدريب المهني، والمشاركة في إعداد وتنفيذ وإدارة برامج تدريبية خاصة، والحصول على مساعدات فنية ومالية تعزز أنشطتها الاقتصادية ضمن إطار التنمية المحلية المستدامة. وتكفل الدولة للعمال المنتمين إلى شعوب أصلية التمتع بالحقوق الممنوحة في قانون العمل». وفيما يتعلق بالعلاقات الدولية، تنص المادة (152) من الدستور على أن «تصب العلاقات الدولية للجمهورية في صالح أهداف الدولة في ممارسة السيادة وتحقيق مصالح الشعب؛ وتحكمها ذلك مبادئ الاستقلالية والمساواة بين الدول، وحرية تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والحل السلمي للنزاعات الدولية، والتعاون، واحترام حقوق الإنسان، والتضامن بين الشعوب في النضال من أجل تحررها وتحقيق رفاهية الإنسانية. وتتمسك الجمهورية، بتصميم وثبات، بالدفاع عن هذه المبادئ وعن ممارسة الديمقراطية في كافة الهيئات والمؤسسات الدولية».

وتحت عنوان «الحق في التعليم وأهدافه»، تنص المادة الثالثة والسبعون من دستور باراجواي لسنة 1992م على أن «لجميع الأشخاص الحق الكامل والدائم في التعليم، والذي يتوفر، كنظام وعملية تعليمية، في إطار ثقافة المجتمع. يهدف التعليم إلى تحقيق التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز الحرية والسلام والعدالة الاجتماعية والتضامن والتعاون والتكامل بين الشعوب، واحترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية وتأكيد الالتزام تجاه الوطن والهوية الثقافية والممارسات الفكرية والأخلاقية والمدنية، فضلاً عن القضاء على المحتويات التعليمية ذات الطابع التمييزي».

المطلب الثاني

مبدأ الأخوة الإنسانية في الدساتير الأوربية

لا نغالي إذا قلنا إن مصطلح «الأخوة» قد ارتبط بالجمهورية الفرنسية، إلى الحد الذي جعلته الدولة شعاراً لها، بالإضافة إلى كلمتي «الحرية» و«المساواة». والواقع أن مبدأ الأخوة قد ورد النص عليه في العديد من نصوص دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958م. فوفقاً للفقرة الثانية من الديباجة، «بموجب هذه المبادئ ومبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، تمنح الجمهورية للأقاليم الواقعة ما وراء البحار التي أعربت عن إرادتها بالتمسك بتلك المبادئ مؤسسات جديدة تقوم على المثل العليا المشتركة للحرية والمساواة والإخاء وُضِعت لتحقيق تطورها الديمقراطي».

وطبقاً للمادة الثانية من الدستور ذاته، «شعار الجمهورية هو (الحرية، المساواة، الإخاء)». ومن يزور العاصمة الفرنسية، يجد هذا الشعار مكتوباً على كل المباني الحكومية.

وفيما يتعلق بسكان الأقاليم ما وراء البحار، تنص المادة 72-3 الفقرة الأولى من دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية لسنة 1958م على أن «تعترف الجمهورية بسكان الأقاليم الواقعة فيما وراء البحار باعتبارهم جزءا من الشعب الفرنسي وبذات المثل العليا من الحرية والمساواة والإخاء».

وبحسب الدستور الفرنسي، ثمة علاقة خاصة تربط الجمهورية الفرنسية بالشعوب الفرانكوفونية، منظوراً في ذلك إلى اشتراكها في لغة واحدة، وهي اللغة الفرنسية. فوفقاً للمادة السابعة والثمانين من الدستور، «تساهم الجمهورية في توطيد التضامن والتعاون بين الدول والشعوب التي تشترك معها في اللغة الفرنسية».

وبالاطلاع على تمهيد الدستور السويسري لسنة 1999م، «يقرر الشعب السويسري والمقاطعات السويسرية، بمقتضى مسؤوليتهم تجاه الخليقة، وتأكيداً على تجديد تحالفهم لتعزيز الحرية والديمقراطية والاستقلال والسلام بروح من التضامن والانفتاح على العالم، وإعمالاً لإرادة العيش معاً ضمن التعددية باحترام وتقدير متبادلين، ووعياً بإنجازاتهم المشتركة ومسؤوليتهم تجاه الأجيال القادمة، وإيماناً بأن الحر هو من يستخدم حريته وأن قوة الجماعة تُقاس بمدى رفاهية أضعف أعضائها؛ فإننا نتبنى الدستور التالي: …».

وتنص المادة الرابعة عشرة من دستور النمسا لسنة 1920م على أن «تمثل الديمقراطية والإنسانية والتضامن والسلام والعدالة بالإضافة إلى الانفتاح والتسامح تجاه الناس القيم الجوهرية للمدرسة، بناء على أسس ما توفره لجميع السكان، بصرف النظر عن الأصل والوضع الاجتماعي والخلفية المالية، من مستويات تعليمية رفيعة، والحماية الدائمة وتطوير الجودة المثلى. ومن خلال تعاون تشاركي بين التلاميذ وأولياء الأمور والمعلمين، سوف يتاح للأطفال والأحداث أفضل فرص التطور الفكري والعقلي والبدني للسماح لهم بالتمتع بالصحة والثقة بالنفس والسعادة والتركيز على الأداء وأن يكونوا مطيعين وموهوبين ومبدعين وقادرين على تولي مسؤولية أنفسهم والآخرين والبيئة ومهتمين بصالح الأجيال القادمة، ويتطلعون دوماً نحو القيم والمثل الاجتماعية والدينية والأخلاقية. وينبغي توجيه أي حدث، وفقاً لمساره التنموي والتعليمي، إلى التحلي بالاستقلال في الحكم والتفاهم الاجتماعي، والانفتاح على التفكير السياسي والديني والعقائدي للآخرين، وأن يصبح قادراً على المشاركة في الحياة الثقافية والاقتصادية في النمسا وأوروبا والعالم، والإسهام في المهام المشتركة لعموم البشرية، في حب الحرية والسلام».

المطلب الثالث

مبدأ الأخوة الإنسانية في دساتير الدول الأسيوية

تعد الهند أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، وسابع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وتتميز بتنوعها الثقافي والعرقي، بالإضافة لتنوع ألسنتها ومعتقداتها الدينية. إذ تعتبر الهند من أكثر بلاد العالم تنوعاً من حيث الأديان والمعتقدات التي من أهمها الهندوسية (يعتنقها حوالي 80% من السكان) والإسلام (14%) والمسيحية (3%) والسيخية (2%) أخرى (1%). وتوجد في الهند العديد من اللغات، إلا أن اللغة الهندية تمثل لغة الأغلبية، كما تعتبر اللغة الأردوية (مزيج من اللغة العربية والفارسية واللغات المحلية أكثر اللغات رواجاً في شبه القارة الهندية نظراً لكونها لغة الأدب والشعر والسينما في الهند، كما كانت في السابق اللغة الرسمية في العهد المغولي. أما اللغة الإنجليزية، فيمكن القول إنها تعتبر لغة التعامل في الدواوين الحكومية، كما تعتبر لغة التواصل بين متحدثي اللغات واللهجات المختلفة لا سيّما من طبقة المتعلمين والمثقفين.

وإزاء هذا التنوع، ولإدارة هذا التنوع، ومع بداية مرحلة الاستقلال عن الاحتلال البريطاني، اتجهت إرادة واضعي الدستور الهندي الصادر سنة 1949م إلى تأسيس دولة علمانية تتسع لكل القوميات والأعراق، وتكفل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمساواة وتكافؤ الفرص. وهكذا، وبالاطلاع على ديباجة الدستور، نجدها تقرر ذلك بشكل واضح وصريح، بنصها على ما يلي:

نحن، شعب الهند، عزمنا على أن نشكل الهند كجمهورية ديمقراطية اشتراكية علمانية ذات سيادة تضمن لجميع مواطنيها:

العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛

حرية الفكر والتعبير والاعتقاد والإيمان والعبادة؛

المساواة في الوضع والفرص؛

ونشجع لديهم جميعاً الأخوة ضمانا كرامة الفرد ووحدة وسلامة الأمة».

وتأكيداً على الطابع العلماني للدولة، تم إطلاق اسم «الهند» على الدولة. فتحت عنوان «اسم الاتحاد وأراضيه»، تنص المادة الأولى البند الأول من الدستور على أن «الهند، التي يُطلق عليها بارات، تتكون من اتحاد ولايات». فعلى خلاف اسم بهارات الذي قد يكون أكثر ارتباطاً بقومية من القوميات، فإن اسم الهند أكثر تعبيراً عن روح الإخاء والانسجام بين جميع أفراد المجتمع الهندي.

وتقرر المادة الرابعة عشرة من الدستور الحق في المساواة، بنصها على أن «يجب على الدولة أو الولاية ألا تحرم أي شخص من المساواة أمام القانون أو المساواة في حماية القوانين داخل أراضي الهند». وما دام الأمر كذلك، وما دام الأفراد متساوون أمام القانون، فإن مؤدى ذلك ولازمه هو حظر التمييز، حيث تحظر المادة الخامسة عشرة من الدستور التمييز على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو مكان الولادة، بنصها على أن «1. لا تمارس الدولة التمييز ضد أي مواطن على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو مكان الميلاد، أو أي منها. 2. لا يجوز تعطيل أي مواطن أو منعه أو تحميله مسؤولية أو فرض قيد أو شرط عليه، على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو مكان الميلاد، بشأن:

أ- السماح بالوصول إلى المحلات التجارية والمطاعم العامة والفنادق وأماكن الترفيه العامة؛ أو

ب- استخدام الآبار والخزانات وأدراج النزول إلى النهر، المسماة “غاتسات ghats “، والطرق وأماكن الترفيه والمآوي العامة الممولة كلياً أو جزئياً من أموال الدولة أو الولاية أو مكرسة لاستخدام الجمهور.

3- ليس في هذه المادة ما يمنع الدولة أو الولاية من وضع أية أحكام خاصة للنساء والأطفال.

4- ليس في هذه المادة أو في الفقرة (2) من المادة 29 ما يمنع الدولة أو الولاية من وضع أية أحكام خاصة للنهوض بأي من الطبقات المتخلفة اجتماعيًا وتربويًا من فئات المواطنين أو الطوائف والقبائل المحرومة والمهمشة.

5- ليس في هذه المادة أو في الفقرة الفرعية (ز) من البند (1) من المادة 19 ما يمنع الدولة أو الولاية من اتخاذ أي حكم خاص، بموجب قانون، للنهوض بأي من الطبقات المتخلفة اجتماعيًا وتربويًا من فئات المواطنين أو الطوائف أو القبائل المحرومة والمهمشة، بقدر ما قد تتصل تلك الأحكام الخاصة الموضوعة بقبولهم في المؤسسات التعليمية بما في ذلك المؤسسات التعليمية الخاصة، سواء بمساعدة أو بدون مساعدة من قبل الدولة أو الولاية، باستثناء المؤسسات التعليمية للأقليات المشار إليها في البند (1) من المادة 30».

كذلك، تقرر المادة السادسة عشرة من الدستور مبدأ تكافؤ الفرص في مسائل التوظيف في القطاع العام، بنصها على أن «1. يجب أن يكون هناك تكافؤ في الفرص لجميع المواطنين في المسائل المتعلقة بالعمل أو التعيين في أي منصب في إطار الدولة أو الولاية. 2. لا يجوز، فقط على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو السلالة أو محل الميلاد أو الإقامة، أن يعد أي مواطن غير مؤهل، أو يمارَس ضده أي تمييز فيما يتعلق بتولي أي وظيفة أو منصب خاضع لسلطان الدولة أو الولاية. 3. وليس في هذه المادة ما يمنع البرلمان من فرض أي قانون، فيما يتعلق بفئة أو فئات من العمالة أو التعيين في المكاتب الحكومية أو المحلية أو غيرها من السلطات، داخل إقليم الولاية أو الإقليم الاتحادي، بشأن اشتراط مكان الإقامة داخل الولاية أو الإقليم الاتحادي قبل التعيين أو التوظيف للمتقدمين لمثل تلك الوظائف. 4. لا تمنع أحكام هذه المادة الدولة من اتخاذ اللازم لحجز وظائف أو مشاركات في العمل لصالح أي فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من المواطنين والتي، في رأي الدولة أو الولاية تعد بأنها غير ممثلة بشكل كاف في الخدمات في إطار الدولة أو الولاية. 4 أ. ليس في هذه المادة ما يمنع الدولة من إصدار أي حكم لحجز مسائل الترقية بحكم الأقدمية، في أية فئة أو فئات من الوظائف في الخدمات في إطار الدولة أو الولاية لصالح الطوائف والقبائل المحرومة والمهمشة أو التي في رأي الولايات، غير ممثلة بشكل كاف في الخدمات في إطار الولاية. 4 ب. ليس في هذه المادة ما يمنع الدولة من النظر في الاحتفاظ بالوظائف الشاغرة في سنة ما من الوظائف المخصصة لفئات معينة حسب المادة (4) أو المادة (4أ) ولم يتم ملئها في تلك السنة، وإبقاء تلك الشواغر من أجل ملئها في سنة أو سنوات قادمة، دون اعتبار تلك الشواغر من ضمن الوظائف التي يتم حجزها في أي من السنوات المقبلة لتلك الفئات، من أجل الوصول إلى سقف الخمسين بالمائة المقررة لتلك الفئات من مجمل الوظائف المحددة لتلك الفئات. 5. كما ليس في هذه المادة ما يؤثر على عمل أي قانون ينص على أن شاغل منصب يتعلق بشؤون أي مؤسسة دينية أو مذهبية، أو أن أي عضو من أعضاء الهيئة الإدارية في المؤسسة يشترط فيه أن يكون شخصا معتنقًا لدين أو مذهب معين، أو منتميًا إلى طائفة محددة».

وتحت عنوان «إلغاء النبذ»، تنص المادة السابعة عشرة من الدستور الهندي على أن «يعد “النبذ” مـلغيًا وتُحظر ممارسته بأي شكل من الأشكال. ويعد أي منع أو حرمان نتيجة لهذا “النبذ” بمثابة جريمة يُعاقـب عليها القانون». وتقرر المادة الثامنة عشرة إلغاء الألقاب، بنصها على أن «1. لا يجوز للدولة منح الألقاب، ما لم تكن ألقابَ تمييز عسكرية أو أكاديمية. 2. لا يجوز لأي مواطن من الهند قبول أي لقب من أية دولة أجنبية. 3. لا يجوز لأي شخص غير مواطن في الهند، أثناء توليه لأي منصب يحصل منه على ربح أو عائد مادي، أو ينال ثقة في إطار العمل مع الدولة، أن يقبل دون موافقة الرئيس تلقي أي لقب من أية دولة أجنبية. 4. لا يجوز لأي شخص يشغل أي منصب ينال منه ربحًا أو ثقة في إطار عمله في الدولة، ودون الحصول على موافقة الرئيس، قبول أية هدية أو أجر أو منصب من أي نوع كان من أية جهة أو برعاية ولاية أجنبية».

ولم يكتف المشرع الدستوري الهندي بما سبق، وإنما اختار أن يقرر بشكل واضح وصريح مبدأ الأخوة الإنسانية بين جميع أفراد شعب الهند بما يتجاوز ويتخطى التباينات الدينية واللغوية والإقليمية والطائفية. فتحت عنوان «الواجبات الأساسية»، تنص المادة الحادية والخمسون من الدستور الهندي على أن «يكون من واجب كل مواطن من مواطني الهند: … (ه) أن يعمل على تعزيز الانسجام وروح الإخاء بين جميع أفراد شعب الهند بما يتخطى التباينات الدينية واللغوية والإقليمية والطائفية، وأن ينبذ الممارسات التي تنال من كرامة المرأة. (و) أن يقدر ويصون تراث ثقافتنا المركبة الثري. (ز) أن يحمي ويحسن البيئة الطبيعية بما في ذلك الغابات والبحيرات والأنهار والحيوانات والنباتات البرية، وأن يرأف بالمخلوقات الحية. (ح) أن ينمي المزاج العلمي والنزعة الإنسانية وروح الاستفسار والإصلاح. (ط) أن يصون الممتلكات العامة وأن ينبذ العنف. (ي) …».

 

والواقع أن هذه النصوص الدستورية قد تعززت في التطبيق العملي خلال سبعة عقود لاحقة على استقلال الهند، حيث تولى حزب المؤتمر الهندي الحكم في البلاد لعدة عقود متتالية. ولكن، ومع وصول حزب بهاراتيا جاناتا اليميني إلى الحكم، بدأت تظهر بعض السياسات التي لا تتفق مع روح الدستور الهندي. فعلى سبيل المثال، وبمناسبة استضافة الهند قمة مجموعة العشرين المنعقدة في العاصمة دلهي في الفترة من 9 إلى 10 سبتمبر/ أيلول 2023م، اندلع الجدل الحاد بين الأحزاب السياسية بعد أن استخدمت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي مصطلح «بهارات» في دعوة رسمية لحضور قمة مجموعة العشرين تم إرسالها نيابة عن الرئيسة. وتصف دعوة العشاء التي أُرسلت إلى الزعماء الأجانب الذين حضروا القمة رئيسة البلاد بأنها «رئيسة دولة بهارات». وانتشرت الدعوات باسم «رئيسة دولة بهارات» بدلاً من «رئيسة الهند»، ما أشعل انتقادات واسعة من قبل بعض الأحزاب السياسية المعارضة.

وجدير بالذكر أن «بهارات» هو اسم الهند باللغة الهندية. وتأتي كلمة «بهارات» من اللغة السنسكريتية القديمة بالأصل، وهي مشتقة من كلمة «بهاراتام» بمعنى «أرض الجنوب». وقد ظهرت هذه الكلمة بالإشارة إلى اسم البلاد في 26 كانون الثاني/ يناير من عام 1950م، في فترة تأسيس دستور الهند، واختير الاسم الرسمي للهند باسم «بهارات» حينها. إذ يشير الدستور الهندي إلى البلاد باسم بهارات أيضاً في المادة الأولى التي تنص على أن «الهند، أي بهارات، يجب أن تكون اتحاداً للولايات»، ولكن وفي كل مكان آخر في الدستور، يشار إلى البلاد باسم «الهند».

وتقول بعض الدراسات التاريخية للهند إنه هناك احتمالية أن يكون اسم «بهارات» عائداً إلى زمن الإمبراطور «بهاراتا» المعروف باسم المؤسس الأول لشبه القارة الهندية بأكملها. وفي تتبع تاريخ الهند القديم، تقول تقارير إن بهاراتا كان إمبراطوراً عظيماً، فإنه غزا وحكم شبه القارة الهندية بأكملها، وكانت إمبراطوريته تُسمى «بهاراتفارشا»، والتي امتدت من جبال الهيمالايا إلى البحر.

ومن ثم، وبالنظر للأصل التاريخي لاسم «بهارات»، فقد رأى البعض في هذه الخطوة أنها تترجم جهود الحزب القومي الهندوسي، لإلغاء ما يعتبرها «أسماء تعود إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية». وقد رحب العديد من الوزراء من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بهذه الخطوة، لكن زعماء المعارضة شككوا في غرضها.

وتأتي هذه الخطوة وسط تقارير تفيد بأن الحكومة تدرس تغيير اسم البلاد رسمياً إلى «بهارات»، ولكن لم يكن هناك تأكيد. ولا تزال جميع المواقع الإلكترونية الرسمية في الهند تستخدم مصطلح «حكومة الهند» ولا يزال يُشار إلى السيدة مورمو باسم رئيسة الهند على موقع إكس (تويتر سابقا). ومع ذلك، فإن استخدام بهارات في الدعوة يأتي بعد يومين فقط من قول موهان باجوات، رئيس «راشتريا سوايامسيفاك سانغ»، المرشد الأيديولوجي لحزب بهاراتيا جاناتا، إنه يجب تسمية البلاد باسم «بهارات» بدلاً من الهند. وقال باجوات: «في بعض الأحيان، نستخدم كلمة الهند حتى يفهمها من يتحدثون الإنجليزية. لكن يجب أن نتوقف عن استخدام هذا الاسم. اسم البلد بهارات وسيظل بهارات أينما ذهبت في العالم».

وفي المقابل، قال أحد أعضاء حزب المؤتمر المعارض على موقع إكس المعروف سابقا باسم تويتر: «آمل ألا تكون الحكومة حمقاء إلى حد الاستغناء تماما عن مسمى الهند». وأضاف قائلاً: «يجب أن نستمر في استخدام الكلمتين بدلا من التخلي عن اسم يفوح منه عبق التاريخ، وهو الاسم المعترف به في جميع أنحاء العالم».

وكانت حكومة نياندرا مودي قد حاولت قبل سنوات، تغيير اسم البلاد إلى «بهارات»، مبررة ذلك بأن اسم الهند يعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني، إلا أنّ المحكمة العليا رفضت ذلك. ومع ذلك، فإن الرغبة في تغيير الاسم ما زالت تحظى بدعم المسؤولين في حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي يتزعمه مودي، الذين يقولون إن اسم الهند قد أدخله المستعمرون البريطانيون وهو «رمز للعبودية».

وخلال العقود الماضية، كانت هناك محاولات عديدة لتغيير اسم البلاد إلى بهارات، وتم رفع قضايا أمام المحكمة العليا، لكن القضاة رفضوا التورط في الجدل، وفي إحدى الحالات طلبوا من صاحب الالتماس التواصل مع الحكومة. وقد أبدى عدد قليل من القضاة ملاحظات شفهية بشأن المناقشة، لكن هذه لا تحمل أي قيمة قانونية. وقال رئيس قضاة الهند السابق «شاراد بوبدي» ذات مرة: «إن الهند تسمى بالفعل بهارات في الدستور». ورأى رئيس المحكمة العليا السابق «تي إس ثاكور» إن الأمر «متروك للمواطنين لاختيار ما إذا كانوا يريدون تسميتها الهند أو بهارات».

المطلب الرابع

مبدأ الأخوة الإنسانية في دساتير الدول الأفريقية

ما دمنا نتحدث عن الأخوة الإنسانية، وحين يتعلق الأمر بالحديث عن هذا المبدأ في دساتير الدول الأفريقية، فإن الذهن لابد وأن ينصرف مباشرة إلى جنوب القارة السمراء، وتحديداً جمهورية جنوب أفريقيا، حيث عانت هذه الدولة من أحد أسوأ أنظمة الفصل العنصري في العصر الحديث، والذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء لمدة تزيد على الأربعين عاماً، وتحديداً خلال الفترة من عام 1948م وحتى تم إلغاء النظام بين الأعوام 1990– 1993م، وأعقبت ذلك انتخابات ديموقراطية عام 1994م. وقد هدف نظام الأبارتايد إلى خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية. وقامت قوانين الأبارتايد بتقسيم الأفراد إلى مجموعات عرقية، كانت أهمها السود، البيض، «الملونون»، والآسيويين (المكونة من هنود وباكستانيين)، وبحيث تم الفصل بينهم على أساس عنصري عرقي. وبحسب قوانين الأبارتهايد، فقد اعتبر أفراد الأغلبية السوداء مواطنو بانتوستانات (أوطان) ذات سيادة اسمية، لكنها كانت في الواقع أشبه بمحميات الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية. وعمليا، منع هذا الإجراء الأفراد غير البيض – حتى لو أقاموا في جنوب أفريقيا البيضاء – من أن يكون لهم حق اقتراع، إذ تم حصر تلك الحقوق في «أوطانهم» البعيدة. وتم فصل أجهزة التعليم، الصحة، والخدمات المختلفة، وكانت الأجهزة المخصصة للسود أسوأ وضعا بشكل عام. ومنذ عقد الستينيات من القرن الماضي، أخذت الاعتراضات الدولية على نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا بالازدياد، مما أدى إلى نبذ دولة جنوب أفريقيا ومقاطعتها من قبل غالبية الدول. كل هذا بالإضافة إلى معارضة داخلية سلمية من جانب منظمات عارضت الأبرتهايد أدت إلى انهيار النظام بعد أربعة عقود.

وفي مواجهة نظام الفصل العنصري، سطع نجم المناضل الأفريقي الكبير وأيقونة القرن العشرين، «نيلسون مانديلا» (18 يوليو 1918 – 5 ديسمبر 2013)، والذي ظل في السجن لمدة سبعة وعشرين عاماً، قبل أن يخرج من سجنه في أول التسعينيات من القرن الماضي، ويصبح أول رئيس من ذوي البشرة السوداء لدولة جنوب أفريقيا (1994-1999)، حيث اختار أن يبقى في هذا المنصب لفترة رئاسية واحدة. وقد تم انتخابه في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق. وركزت حكومته على تفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية. وفي بداية فترة حكمه، وفي سياق تحول ديمقراطي لإنهاء نظام الفصل العنصري وهيمنة الأقلية البيضاء على مناحي الحياة في هذا البلد الإفريقي، وبمقتضى قانون تعزيز الوحدة والمصالحة الوطنية رقم 34 للعام 1995، تأسست «لجنة المصالحة والحقيقة». وترأس اللجنة رئيس الأساقفة ديزموند توتو، وكان هدفها الرئيسي «الوصول للمصالحة الوطنية بين الضحايا والجناة»، بعد تحديد جميع انتهاكات حقوق الإنسان، التي ارتكبت بداية من مجزرة «شاربفيل» في عام 1960م، في ذروة سياسة الفصل العنصري.

وخلال فترة حكمه، وتحديداً في العام 1996م، صدر أول دستور ديمقراطي لدولة جنوب أفريقيا، حيث خضع للتعديل مرة واحدة سنة 2012م. وبالاطلاع على نصوص هذا الدستور، نلحظ بوضوح تركيزاً كبيراً على مبدأ المساواة ومبدأ الأخوة الإنسانية. ولعل ذلك يبدو جلياً ابتداءً من ديباجة الدستور، والتي يؤكد فيها على لسان شعب جنوب أفريقيا إيمانه بأن «جنوب أفريقيا ملك لكل من يعيشون فيها، المتحدين في تنوعهم». وتحدد الديباجة الأهداف الأساسية المبتغاة من وراء إقرار هذا الدستور، مبينة إياها في أربعة أهداف، تتعلق جميعها في اعتقادي بمبدأي الأخوة والكرامة الإنسانية، وهي:

– معالجة انقسامات الماضي وتأسيس مجتمع مبني على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان الأساسية؛

– وضع الأسس اللازمة لمجتمع ديمقراطي ومنفتح تحترم فيه الحكومة إرادة الشعب، ويحمي القانون جميع المواطنين على قدم المساواة؛

– تحسين نوعية حياة كل المواطنين وتحرير الطاقات الكامنة في كل شخص؛ و

– بناء دولة جنوب أفريقيا متحدة وديمقراطية وقادرة على أن تحتل مكانها الملائم بوصفها دولة ذات سيادة في الأسرة الدولية.

وطبقاً للمادة الأولى من الدستور ذاته، فإن «جمهورية جنوب أفريقيا دولة ديمقراطية ذات سيادة تقوم على القيم التالية:

  1. الكرامة الإنسانية وتحقيق المساواة والنهوض بحقوق الإنسان ودعم حرياته.
  2. عدم التفرقة بين المواطنين على أساس العِرق أو الجنس.
  3. سيادة الدستور وحكم القانون.
  4. الاقتراع العام للبالغين، والسجل العام الوطني للناخبين، والانتخابات الدورية، ونظام الحكم الديمقراطي القائم على تعدد الأحزاب، لضمان المساءلة والشفافية والعلانية».

وتحت عنوان «المواطنة»، تنص المادة الثالثة من الدستور على أن «1. هناك مواطنة مشتركة لدولة جنوب أفريقيا. 2. كل المواطنين سواسية في التمتع بحق المواطنة ومزاياها وفوائدها؛ وفي الالتزام بواجبات المواطنة ومسؤولياتها…».

والمسألة الأخرى البارزة في دستور جنوب أفريقيا هي مسألة اللغة، والتي ورد النص عليها في المادة السادسة من الدستور، ويبرز فيها بوضوح مبدأ الأخوة الإنسانية. ولعل ذلك يبدو جلياً أولاً من العدد الكبير للغات الرسمية، والتي يبلغ عددها إحدى عشرة لغة، وهي: سيبيدي، وسيسوثو، وسيتسوانا، وسيسواتي، وتشيفيندا، وإكسيتسونجا، وأفريكاناس، والإنجليزية، ونديبيلي، وإكسهوزا، وإيزيزولو. بل إن المشرع الدستوري في جنوب أفريقيا لم يكتف بإضفاء الصفة الرسمية على اللغات الأصلية للشعب، وإنما إدراكاً منه لتراجع استخدام اللغات الأصلية للشعب وتراجع وضعها تدريجياً، فإن الدولة ملزمة باتخاذ إجراءات عملية وإيجابية لتحسين وضع هذه اللغات والنهوض باستخدامها. وإذا كان المشرع الدستوري يجيز للحكومة الوطنية وحكومات الأقاليم استخدام أية لغة رسمية لأغراض الحكم، فإن ذلك مرهون بأن تضع في الاعتبار، العادات المرعية والنواحي العملية والنفقات والظروف الإقليمية والموازنة بين احتياجات وأولويات الشعب ككل أو في الإقليم المعني؛ في حين تستخدم الحكومة الوطنية وحكومات الأقاليم لغتين رسميتين على الأقل. كذلك، ينبغي أن «تراعي البلديات العادات المرعية في استخدام اللغة ورغبات السكان المحليين». وضماناً لتنفيذ أحكام الدستور في هذا الشأن، ثمة التزام دستوري على الحكومة الوطنية وحكومات الأقاليم بأن تنظم وتراقب، من خلال التدابير التشريعية وغيرها من التدابير، استخدام اللغات الرسمية. وتكون لكل اللغات الرسمية مكانة واحدة وتعامل على قدم المساواة. كذلك، قرر المشرع الدستوري إنشاء مجلس لغة لكل جنوب أفريقيا، يُنشأ بقانون وطني، ويتولى توفير وتعزيز الظروف المناسبة لاستخدام وتطوير «كل اللغات الرسمية؛ لغات الخوي وناما وسان؛ ولغة الإشارة». كما يتولى هذا المجلس تعزيز وضمان احترام كل اللغات الشائع استخدامها من جانب الجماعات في جنوب إفريقيا، بما في ذلك الألمانية واليونانية والجوجاراتية والهندية والبرتغالية والتاميلي والتليجو والأوردية؛ والعربية والعبرية والسنسكريتية وغيرها من اللغات المستخدمة لأغراض دينية في جنوب أفريقيا».

وفيما يتعلق بوثيقة الحقوق، وطبقاً للمادة السابعة من الدستور، أكد المشرع الدستوري أنه:

  1. تعد وثيقة الحقوق حجر الزاوية للديمقراطية في جنوب أفريقيا، وترسّخ حقوق جميع المواطنين في بلدنا وتؤكد على القيم الديمقراطية للكرامة الإنسانية، والمساواة، والحرية.
  2. تحترم الدولة الحقوق الواردة في ميثاق الحقوق وتحميها وتعززها وتراعيها.
  3. تخضع الحقوق الواردة في ميثاق الحقوق للقيود الواردة أو المشار إليها في القسم 36، أو في أي مكان آخر في الميثاق.

وتحت عنوان «المساواة»، تنص المادة التاسعة من الدستور على أن:

  1. الجميع سواسية أمام القانون ولكل شخص الحق في التمتع بحماية متساوية وفي الاستفادة من القانون.
  2. تتضمن المساواة الاستمتاع الكامل على قدم المساواة بكل الحقوق والحريات الأساسية. ولتعزيز تحقيق المساواة، يجوز اتخاذ تدابير تشريعية وغيرها من التدابير لحماية أشخاص أو فئات معينة، مهمّشين بسبب التمييز المجحف ضدهم والنهوض بأوضاعهم.
  3. لا يجوز للدولة أن تمارس تمييزاً مجحفاً بشكل مباشر أو غير مباشر ضد أي شخص بسبب العرق، أو النوع الاجتماعي، أو الجنس، أو الحمل، أو الحالة الاجتماعية، أو الأصل الإثني أو الاجتماعي، أو اللون، أو الميول الجنسية، أو العمر، أو الإعاقة، أو الدين، أو العقيدة، أو المعتقدات، أو الثقافة، أو اللغة، أو المولد، أو مجموعة من هذه الأسباب.
  4. لا يجوز لأي شخص أن يمارس تمييزاً مجحفاً بشكل مباشر أو غير مباشر ضد شخص آخر لسبب أو أكثر مما ورد في القسم الفرعي (3). ويجب إصدار قوانين وطنية لمنع أو حظر أي تمييز مجحف.
  5. يعتبر التمييز لسبب أو أكثر من الأسباب الواردة في القسم الفرعي (3) مجحفاً إلا إذا ثبت أنه عادل.

وتحت عنوان «الكرامة الإنسانية»، تنص المادة العاشرة من دستور جنوب أفريقيا على أن «لكل شخص كرامة متأصلة وله الحق في احترامها وحمايتها».

وإذا انتقلنا إلى دولة أخرى في القارة الأفريقية، وتحديداً إلى الغرب الأفريقي، نجد أنه قد ورد في ديباجة دستور دولة بنين لسنة 1990م على لسان الشعب البنيني تأكيد إرادة جموع المواطنين في «التعاون بسلام وصداقة مع كل الشعوب التي تشاركنا قيمنا المثالية في الحرية والعدالة والتضامن الإنساني استناداً إلى مبادئ المساواة، والمصالح المتبادلة والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وسلامة الأراضي الإقليمية».

المطلب الخامس

مبدأ الأخوة الإنسانية في دساتير الدول العربية

تشكل وشائج الأخوة بين الشعوب الناطقة بلغة الضاد ركناً ومبدأ أساسياً في دساتير الدول العربية كافة. بل إن معظم هذه الدساتير تنص على مبدأ الأخوة الإنسانية كمبدأ أساسي حاكم لسياساتها الخارجية. ففيما يتعلق بجمهورية مصر العربية، على سبيل المثال، تنص ديباجة الدستور على أن «مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية. مصر العربية – بعبقرية موقعها وتاريخها – قلب العالم كله، فهي ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهي رأس أفريقيا المطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها: النيل. هذه مصر، وطن خالد للمصريين، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب». وفيما يتعلق بالعلاقات مع الشعوب الأخرى، تنص المادة الأولى الفقرة الثانية من الدستور على أن «الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الأسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية».

وبالاطلاع على تصدير دستور المملكة المغربية لسنة 2011م، نجده ينص على: «إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. وتأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، وعلى إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير، تؤكد وتلتزم بما يلي:

العمل على بناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي؛

تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة؛

تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء؛

تعزيز روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو- متوسطي؛

توسيع وتنويع علاقات الصداقة، والمبادلات الإنسانية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية مع كل بلدان العالم؛

تقوية التعاون جنوب-جنوب؛

حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء؛

حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان؛

جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة».

وفيما يتعلق بالجمهورية التونسية، فإن توطئة الدستور الصادر عام 2014م تنص على أنه «وبناء على منزلة الإنسان كائنا مكرّما، وتوثيقا لانتمائنا الثقافي والحضاري للأمّة العربية والإسلامية، وانطلاقا من الوحدة الوطنية القائمة على المواطنة والأخوّة والتكافل والعدالة الاجتماعية، ودعما للوحدة المغاربية باعتبارها خطوةً نحو تحقيق الوحدة العربية، والتكامل مع الشعوب الإسلامية والشعوب الإفريقية، والتعاون مع شعوب العالم، وانتصارا للمظلومين في كلّ مكان، ولحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرّر الفلسطيني، ومناهضة لكلّ أشكال الاحتلال والعنصرية،

ووعيا بضرورة المساهمة في سلامة المناخ والحفاظ على البيئة سليمةً بما يضمن استدامة مواردنا الطبيعية واستمرارية الحياة الآمنة للأجيال القادمة، وتحقيقا لإرادة الشعب في أن يكون صانعا لتاريخه، مؤمنا بأن العلم والعمل والإبداع قيم إنسانية سامية، ساعيا إلى الريادة، متطلعا إلى الإضافة الحضارية، وذلك على أساس استقلال القرار الوطني، والسلم العالمية، والتضامن الإنساني».

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تنص المادة السادسة من الدستور الصادر في عام 1971م على أن «الاتحاد جزء من الوطن العربي الكبير، تربطه به روابط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك. وشعب الاتحاد شعب واحد، وهو جزء من الأمة العربية». وفيما يتعلق بالعلاقات مع الشعوب والأمم الأخرى، تنص المادة الثانية عشرة من الدستور على أن «تستهدف سياسة الاتحاد الخارجية نصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية وتوثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب، على أساس مبادئ الأمم المتحدة، والأخلاق المثلى الدولية». وفي دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً، وبالاطلاع على قرار رئيس الدولة رقم (15) لسنة 2021 بشأن اعتماد المبادئ العشرة لدولة الإمارات العربية المتحدة، نجد أن المبدأ الثامن منها ينص على أن «منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح، وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة، وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات، وترسيخ الأخوة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية. وستبقى الدولة داعمةً عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوّة الإنسانية». أما المبدأ التاسع، فينص على أن «المساعدات الإنسانيّة الخارجيّة لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظًا. ولا ترتبط مساعداتنا الإنسانية الخارجية بدين أو عرق أو لون أو ثقافة، والاختلاف السياسي مع أي دولة لا يبرر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات». وينص المبدأ العاشر على أن «الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسيًّا للسياسة الخارجية».

وبدورها، تذكر ديباجة دستور الكويت لسنة 1962م أن هذا الدستور قد صدر «ايمانا بدور هذا الوطن في ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الإنسانية». وطبقاً للمادة الأولى من الدستور، فإن «… شعب الكويت جزء من الأمة العربية». وتنص المادة الثانية عشرة من الدستور على أن «تصون الدولة التراث الإسلامي والعربي وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية».

وفي المملكة العربية السعودية، ووفقاً للمادة الخامسة والعشرين من النظام الأساسي للحكم، «تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة، وعلى تقوية علاقاتها بالدول الصديقة».

وفي سلطنة عمان، تذكر ديباجة النظام الأساسي للدولة لسنة 2021م أن صدور هذا النظام الأساسي يأتي «ترسيخا لمكانة عمان الدولية، ودورها في إرساء أسس العدالة، ودعائم الحق والأمن والاستقرار والسلام بين مختلف الدول والشعوب». وتحدد المادة الثالثة عشرة من النظام الأساسي ذاته المبادئ السياسية للدولة، مبينة أن ثاني هذه المبادئ السياسية هو «توثيق عرى التعاون وتأكيد أواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة، وبما يؤدي إلى إرساء السلام والأمن بين الدول والشعوب».

وفي ديباجة دستور مملكة البحرين لسنة 2002م، نجد العديد من الإشارات إلى القيم الإنسانية. إذ تنص الديباجة على أن هذا التعديل استوعب جميع القيم الرفيعة والمبادئ الإنسانية العظيمة. كذلك، ورد النص في الديباجة على أنه «استوعب هذا التعديل جميع القيم الرفيعة والمبادئ الإنسانية العظيمة التي تضمنها الميثاق، والتي تؤكد أن شعب البحرين ينطلق في مسيرته المظفرة إلى مستقبل مشرق بإذن الله تعالى، مستقبل تتكاتف فيه جهود جميع الجهات والأفراد، وتتفرغ فيه السلطات في ثوبها الجديد لتحقيق الآمال والطموحات في عهد ظلله العفو، معلنا تمسكه بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجاً، في ظل انتمائه إلى الأمة العربية المجيدة، وارتباطه بمجلس التعاون لدول الخليج العربية ارتباطاً حاضراً ومصيرياً، وسعيه إلى كل ما يحقق العدل والخير والسلام لكل بني الإنسان. ولقد انبثقت تعديلات الدستور من أن شعب البحرين العريق مؤمن بأن الإسلام فيه صلاح الدنيا والآخرة، وأنه لا يعني الجمود ولا التعصب، وإنما يقرر في صراحة تامة أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، وأن القرآن الكريم لم يفرط في شيء. وتحقيقا لذلك كان من الضروري أن نمد السمع والبصر إلى كل تراث الإنسانية شرقا وغرباً، لنقتطف منه ما نراه نافعا وصالحا ومتفقا مع ديننا وقيمنا وتقاليدنا وملائما لظروفنا، اقتناعاً بأن النظم الاجتماعية والإنسانية ليست أدوات أو آلات جامدة تنتقل دون تغيير من مكان إلى آخر، وإنما هي خطاب إلى عقل الإنسان وروحه ووجدانه، تتأثر بانفعالاته وظروف مجتمعه». وتنص المادة الأولى البند الأول من الدستور ذاته على أن «مملكة البحرين عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمة العربية، وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، …». وبدورها، تنص المادة السادسة من الدستور ذاته على أن «تصون الدولة التراث العربي والإسلامي، وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية، وتعمل على تقوية الروابط بين البلاد الإسلامية، وتحقيق آمال الأمة العربية في الوحدة والتقدم». وتنص المادة السابعة البند الثاني على أن «ينظم القانون أوجه العناية بالتربية الدينية والوطنية في مختلف مراحل التعليم وأنواعه، كما يُعنى فيها جميعا بتقوية شخصية المواطن واعتزازه بعروبته». وتقرر المادة الثامنة عشرة أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».

وتنص المادة الأولى من دستور دولة قطر لسنة 2004م على أن «… شعب قطر جزء من الأمة العربية». وتنص المادة السابعة من الدستور ذاته على أن «تقوم السياسة الخارجية للدولة على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام».

 

خاتمة

تناولنا في هذه الدراسة مبدأ الأخوة الإنسانية في الدساتير المقارنة. وقد تبين لنا عبر صفحات هذا البحث أن هذا المبدأ قد ورد النص عليه في العديد من الدساتير، سواء كان ذلك صراحة أو ضمناً. بل إن من السائغ في اعتقادنا اعتبار الأخوة الإنسانية أحد المبادئ الأساسية المعترف بها بواسطة الأمم المتمدينة، وذلك على حد وصف النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. ونرى من الملائم أن يركز الخطاب السياسي والإعلامي العربي على الإشارة إلى مبدأ الأخوة الإنسانية، سواء في المواثيق الدولية أو في الدساتير الوطنية، مما يدعم ويعزز المطالب العربية في الدفاع عن مصالح الوطن العربي الكبير، ولاسيما في قضية القضايا، قضية فلسطين المحتلة. فعلى سبيل المثال، وفيما يتعلق بالجمهورية الفرنسية، ينبغي أن يقوم الخطاب السياسي والإعلامي العربي على تذكير الساسة الفرنسيين دائماً وأبداً بمبادئ «الحرية والمساواة والإخاء»، والتي اتخذتها الجمهورية الفرنسية شعاراً لها.

وفي هذا الإطار، أود أن أشير إلى أن الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور قد أحسن استغلال هذه الآلية في معركته للفوز برئاسة الاتحاد البرلماني الدولي (1994- 1997)، أمام منافسه على الرئاسة آنذاك، والذي كان ينتمي إلى جمهورية تشيلي الواقعة في قارة أمريكا الجنوبية. حيث ذكر الفقيه القانوني الجنائي الكبير إلى أن هناك شارعاً باسم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في العديد من دول أمريكا اللاتينية، بينما تحتضن العاصمة المصرية القاهرة شارعاً باسم المناضل الثوري الشهير سيمون بوليفار. والرسالة واضحة من وراء هذه الإشارة، وهي أن المنافسة على هذا المنصب الدولي المهم لا ينبغي أن تخفي ميراثاً مشتركاً واحتراماً متبادلاً بين الشعبين اللذين ينتمي إليهما المرشحين المتنافسين. وجدير بالذكر أيضاً أن هذا الشارع يقع في حي جاردن سيتي، وهو نفس الحي الذي يسكن به أستاذنا الدكتور أحمد فتحي سرور، كما أنه يقع بالقرب من مقر مجلس النواب حالياً (مجلس الشعب سابقاً)، حيث ظل الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور رئيساً له لمدة تزيد على العشرين عاماً. ومن ثم، ومن خلال مروره بجوار التمثال بشكل شبه يومي تقريباً، استلهم المعنى من وراء الإشارة إلى شارع سيمون بوليفار في التأكيد على التراث الإنساني المشترك.

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى