فردية الذات

من تراب الطريق (1023)

فردية الذات

نشر بجريدة المال الأربعاء 20/1/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لقـد ضاق وسع الاجتهاد في الأرض اليوم، على الآدميين بكثرتهم الهائلة وطول تعطلهم إزاء آلية الأدوات الشديدة التركيب وتعقيد المواد البالغة الدقة وتنافس أصحاب رؤوس الأموال الحاد في الصناعات الحديثة، وتعرضها دائما لضرورة الانتقال أو الإلغاء، وما يترتب عليه من تفكك الإدارات وتعطيل العاملين وإطلاق البطالة مؤقتة وغير مؤقتة.. إذ غالبية الصناعات والحرف ـ إن لم يكن جميعها ـ وحدات تتنافس بعضها مع بعض، مختلفة فنًا ومكانًا وملكيةً فضلاً عن الذوق والجهد والخبرة.

ونعود فنقول إن الآدميين دائما وحتما ـــ مختلفو الذوات كثيرا أو قليلا.. مفردو الأنا

لا تدخل « أنا » هذا في « أنا » ذاك قط ذهب أو حضر.. لا يتطابق أي منهم تماما مع آخر من أقاربه كانوا أو أغرابا قد يتشابهون ـ أو لا يتشابهون ــ في السحن والألوان والأطوال والذكورة والأنوثة والأعمار، ولذلك تتغاير دائما جماعاتهم في ماضيهم وحاضرهم فتختلف كل منها بعاداتها وخصائصها وعلاقاتها بعضها مع بعض…. وقد ينازع جزء من الجماعة أو أغلبها رئاستها أو سادتها وقادتها.. وقد تثور الجماعة أو غالبيتها على أجنبي احتلها أو حاول ذلك ونجح أو فشل.. وتلك طوارئ عامة أقل وأبعد من احتكاك أفراد الجماعة الفردي أو العائلي أو العملي أو ما هو بداخلها أبعد من ذلك !

وجماعات البشر تضخمت في الماضي البعيد وفي الماضي القريب وبقي البعض حتى الآن في هذا التضخم كالولايات المتحدة.. فقد أضافت خلال قرنين ضم جماعات أو ولايات إليها، فشملت أغلب مساحة أمريكا الشمالية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. وقد زال الآن تضخم بريطانيا وفرنسا وروسيا والهند. إذ يستحيل أن يبقى في دنيا البشر باق دائم ضئيل وصغير وكبير وضخم.. وقد يبقى عاقل وحكيم في الأرض نادرا أو قليلا، ونادرا جدا ما يبقى أقوى وأشد إن تيسر له ذلك.

وكلنا يعتقد أن كثرة المعارف المتداولة بيننا دون اعتراض من كثير أو قليل صحيحة مسلمة لا تحتاج إلـى إثبات، وهذا اعتياد فقط على تعارف الجمهور في زمانه ومكانه.. لم يحاول الجمهور فحصه ودراسته لداع ما.. إذ مجرى حياته في الغالب الأغلب ـــ عبارات وانسياقات واتباعات وتكرارات وتقليدات لا يبدو منها للملأ شذوذ أو غرابة تفطن إليها الجماهير.. أقصد الجماهير بعامة شاملة كل الحكام والمحكومين.. الأغنياء وغير الأغنياء منهم.. أهل زهد وقناعة أو حرص طمع أو جوع.. لأن كل البشر في ماضيه وحاضره في تحرك دائم لا يكف عن الحركة حتى في النوم.. ولذلك يتشابه الحاكم والمحكوم أمس واليوم في الحركات والإشارات خاصة في زماننا هذا.. إذ تطابق في الأغلب الأعم عبارات الكبار والصغار فيتشابه المحكوم مع الحاكم والصغير مع الكبير في كيفية الحديث العلني وفي الشرح المتأنق ورفع الرأس وخفضها وإظهار البراعات والانتصارات وعكسها قناعة أو تكلفا وتهربا دون جدوى حقيقية مؤكدة !.. فانحرفنا جميعا على مدى أربعمائة أو خمسمائة سنة وغصنا دون توقف إلى قاع ثائر غائر نهايته زوال وجود البشر !

وحياة الآدميين من بدايتها إلى اليوم والغد، قصيرة جدا. تنتهي دائما بزوال لا يحيط به الحىّ منهم قط.. وهي دنياهم التي لا تشارك ولا تماثل أبدا وتماما حياة باقي الحيوان ولا حياة النبات.. لأنها منحت من المولى عزّ وجلّ.. فكرها قابل للنمو إلى غير نهاية آدمية ممكنة، وهي من هذه الزاوية فوق قدرة إمكان الحيوان الذى نعرفه الآن وقدرة النمو النباتي وقدرة الطاقات والقوى غير الحيّة الموزعة في كل حىّ مادام حيا.. آدميا كان أو حيوانا أو نباتا.. فالأحياء كافة كما شهدها ويشهدها البشر وقتية في أفرادها.. متطاولة في تعاقب وتبادل أعقابها وتبادلها قرابات كانت أو غير قرابات ما شـاء الله تعالى، مع تغير الزمان والمكان على الأرض فيهما باستمرار إن بقى عندئذ من الآدميين أحياء.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى