دنيا المواريث

من تراب الطريق (1042)

دنيا المواريث

نشر بجريدة المال الأربعاء 17/2/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

المواريث من قديم الزمان عرف الآدميون مع اختلاف أجناسهم وألوانهم وأربابهم ومذاهبهم وطرقهم، عرفوا مواريث الموتى من الأجداد والآباء والأمهات.. والإخوة والأخوات والقرابات عند عدم وجود أولئك.. وهذه المواريث حركات تنتقل من مورث ميت إلى وارث حىّ.. يتصرف فيما يرثه منها كما يشاء لمن يشاء.. أو يتركها من بعده لمن يتلوه في الميراث بحكم دينه أو مذهبه أو طريقه الملّى.. وكل هذه الانتقالات لا تكف في حياة البشر عن وراثة من أمواتهم أو تخليهم حال حياتهم.. ولا شأن لذلك بالكون الذي لا يحفل به على الإطلاق بأي وجه.. علماً بأن ميراث الوارث مجرد نقل ما كان للمورث، كغيره من أسباب انتقال المال من المالك الحىّ إلى غيره قريباً أو بعيداً.. مقابلةً أو مقايضةً أو ثمناً أو عطاءً وهبةً، لأن نقل الآدمي ماله هو إلى غيره أو نقل مال غيره إليه، حركة بشرية بين الأحياء من الآدميين بعضهم وبعض.. لا يحفل بها الكون، ولا تدخل في حسابه بقدر ما نعلم!

فدنيا البشر صياغة بشرية فقط.. استعملها الآدميون بلغاتهم في أغراضهم منذ خلقوا أول مرة حتى اليوم والغد ورضوا عنها فيما بينهم.. لا يعرفها الكون ولا يحفل بها إلاّ حين يفهم بعض البشر المدلولات المادية العميقة والظاهرة التي يتداولها الكون قبل وبعد وجود البشر.. فدنيا البشر معظمها حتى اليوم والغد قشور وافتراضات وادعاءات وظنون وأوهام وأحلام عاش عليها البشر ويعيشون في ظل الأرض وحسب.. فالمدن والبلاد والقرى وملحقاتها.. ماؤها وهواؤها وسكانها، قد قفزت أعدادها إلى ما لم يُبلغ من قبل، مع انتقال مراكزها الكبرى من الممالك إلى عموم الكرة الأرضية صباحاً ومساءً ونهاراً وليلاً وصيفاً وشتاءً.. واتكالاً على التحكم من جانب القلة الغنية المتسلطة ـ في مصائر أهل الأرض المقودة الغاضبة الساخطة.. الضعيفة الرؤية والفهم التي لا تثابر على الموالاة والثبات والإصرار والمثابرة، ولا تعرف الخوف أو الكلل والملل!

فمن قديم القديم قد عرف الآدميون من خلال أجناسهم وأديانهم ومذاهبهم، عرفوا مواريثهم المختلفة.. وهي حركات معينة يتصرف فيها الآدمي ما شاء فيما يملك أو يظن أنـه يملك، أو يتركها لمن هم بعده، أو ينقلها غيره إليه على النحو الذي يجرى عليه الدين أو القانون أو العقيدة المدنية البشرية.. وهذه لا يحفل بها الكون في دنيا الآدميين إلى اليوم والغد.. معظمها لدى الأغلبية قشور وعادات وادعاءات وأوهام وخيالات.. وهذا يملأ المدن والبلدان والقرى والمياه والهواء، مع اتصالها الملازم المتوالي بالزراعات والصناعات والتجارات والمواصلات وانتشار ذلك كله في طول الأرض وعرضها الآن مع شدة الخوف الذي لا أول له ولا آخر في الزمن الحالي في كل مكان يوصف عند الآدميين الحاليين بأنه بلد متقدم راق أو ليس كذلك.

والسطحية الأقدم والأشهر شيوعاً وانتشاراً في الأرض إلى اليوم والغد، تسود وتجمع بين القادة والسادة والأثرياء وبين غالبية الناس أي المستورين والفقراء، فضلاً عن الضائعين والساقطين.. ويبدو لذلك أن توفير الكثرة العاقلة ضرورة لازمة لاطراد رقى البشر أفراداً وجماعات رقياً حقيقياً.. وهذا للأسف لم يتحقق تحققاً صادقاً بعـد، ولم يجد قط من يضمن بقاءه الدائم، ولا من يعرف أن العقل حق ــ لا صنعةً أو تدليساً أو رياءً.. علة ذلك أن العقل البشرى حين يعمل كخادم للأمير أو السيد أو الذات لا يصدق، بل يساعد سيده أو ذاته على ما يهوى ويحب ويرضى.. لا على إحقاق الحقوق.. فلم يحدث بعد للآدميين بعامة الشعور الكامل بسيادة العقل وطرد واستبعاد الأهواء الشخصية والتخلص النهائي العام التام بلا رجعة من سيطرة الأنا السائدة الحالية، على الشعور بإنسانية الآدمي!.. وإلى اليوم والغد لم يتمكن أي آدمي في أي زمان أو مكان ـ عدا الرسل والأنبياء وأمثالهم ـ من أن يصير إنساناً حقيقيا كامل الإنسانية.. يفقد الآدمي إنسانيته من شدة الحرص على أناه قبل كل الناس أو معظمهم.. ظل الآدميون منذ وجدوا حتى هذه الساعة أنانيين أفرادا وزمرات وجماعات وأمما وشعوباً، فعاقتهم أنانيتهم أفراداً وغير أفراد ـ بكآبتها وحمقها الزائد النافر.. عاقتهم عن الوحدة والتمسك بتفضيل الاتحاد والتشبث به دواماً.. إصراراً على توالى التقدم والترقي وراء صدق الكل والغاية بعيداً عن الأطماع التي تصيب الآدمي مفرداً أو مجتمعاً.. هذا الطمع الذي يغرقه في النهم والشره أو الشهوات أو الغلظة والقسوة!

وحتى الآن لم تتخلص البشرية أفراداً وشعوباً، من التخبط المستمر بيـن ما تراه أحيانا نفعاً وما تراه صدقاً وما تجده مفيداً وما تجده حقاً وما تحسبه نافعـاً وهـو ضـار وما تظنه ضاراً وهو نافع وما تعده بسيطاً وهو معقد وما تتركه بحساب أنه معقد وهو في الواقع بسيط.. وذلك التخبط المستمر مصدره الأول والأخير هو الأنا والحرص الدائم على انفراد الآدمي بتسميته أو بمسمّاه حتى لا تختلف أناه التي اختارها له أهله أو اختارها هو لنفسه في زمن ما!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى