حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٨٦ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٨٦ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ١٢ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة: أولاً: بعدم دستورية البند السادس من الفقرة الأولى من المادة ١٣ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣. ثانياً: بعدم دستورية الأصل المقرر بمقتضى المادة ١٧٢ من هذا القانون فى شأن عدم رد رسوم القيد التي تدفع للنقابة وبسقوط الاستثناء من هذا الأصل.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور سامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ مناطها إرتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً فى الفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، وكان من المقرر أن مجرد مخالفة نص قانونى للدستور ، لا يقيم شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، فلا ينهض سبباً لتوافرها ، وإنما ينبغى لتحققها أن يكون المدعى قد أضير من جراء تطبيق النص القانونى الذى يدعى مخالفة للدستور ، أو كان إحتمال إضرار هذا النص به راجحاً .

– – – ٢ – – –
حرية الإنضمام إلى جمعية أو جماعة من أجل أن يدافع من يلوذون بها عن معتقداتهم أو آرائهم ، تعد جزءاً لا يتجزأ من حرياتهم الشخصية ، سواء كانت آراؤهم أو معتقداتهم التى يريدون الدفاع عنها أو إنماءها ، تندرج تحت المسائل السياسية أو الاقتصادية أو الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية ، فلا يجوز لسلطة أن تعرقل طرحها أو نقلها إلى آخرين ، وإلا كان لهذه المحكمة أن تفرض رقابتها الصارمة على هذه الأشكال من التدخل التى لا يظاهرها الدستور بعد أن كفل بالمواد ٤٦ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٦٣ حرية العقيدة ، وحرية التعبير عن الآراء ، وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ، وكذلك حق الناس جميعاً فى أن يتقدموا إلى السلطة العامة بظلاماتهم يعرضونها دون وجل ، كى يردوا عنهم جوراً أوعدواناً أحاط بهم . وما حرية الإجتماع إلا إطاراً منظماً يسع التعبير عن هذه الحريات والحقوق جميعها ، فلا يكون إلا كافلاً جوهرها ، ميسراً إنفاذها ، ضامناً فعاليتها ، وعلى الأخص كلما كان التعبير عن الآراء واقعاً فى محيطها المتصل بالمسائل العامة التى تقتضى بصراً بأبعادها ، وعمقاً فى عرض جوانبها ، وصلابة فى تعرية نواحى القصور فيها .

– – – ٣ – – –
ثمة علاقة وثيقة Close nexus بين حرية القول وحرية الإجتماع ، وأن الإجتماع مع آخرين من أجل عرض آرائهم وتطويرها ضرورة يقتضيها تنظيم الأفراد لنشاطهم فلا تتعثر جهودهم ، بل يكون تكتلها طريقاً إلى النفاذ إلى الحقائق على إختلافها بما يحول دون كتمانها أو التجهيل بها ، أو تقليص دائرتها . بل إن حرية الإجتماع ذاتها هى التى يتفرع عنها حقهم فى بناء تنظيم مشروع يضمهم ، وعلى الأخص كلما كان هذا التنظيم سياسياً أو نقابياً ، فلا يحمل الفرد على إختيار تنظيم منها دون آخر ، ولا على التخلى عن عضويته فى تنظيم قائم ، ولا على الإعراض عن إنشاء تنظيم جديد يراه أكفل للدفاع عن المصالح السياسية أو الاقتصادية التى يؤمن بها . ولا يجوز بالتالى أن تفرض السلطة التشريعية على حرية الاجتماع قيوداً من أجل تنظيمها ، إلا إذا حملتها عليها مشروعية المصالح التى وجهتها لتقريرها ، وكان لها كذلك سند من ثقلها وضرورتها ، وكان تدخلها ــ من خلال هذه القيود ــ بقدر حدة هذه المصالح ومداها .
The validity of governmental regulation must be determined by assessing the degree of infringment of the right of association against the legitimacy , and the necessity of the governmental interests and the means of implementing these interests .
وما تجريه السلطة التشريعية من أعمال التحقيق ، ولو بقصد تطوير معلوماتها فى مجال إعدادها لتشريعاتها ، يظل أمراً محظوراً كذلك ، إذ كان من شأنها تأثيم عرض الآراء والأفكار أو ردعها ، وعلى الأخص عن طريق إجتماع يعبر عنها .

– – – ٤ – – –
تكوين التنظيم النقابى ــ مهنياً كان أم عمالياً ــ فرع من حرية الاجتماع التى لا تجوز إعاقتها بقيود جائرة لا تندرج تحت تنظيمها ، وإنما تعتبر عدواناً عليها يعطلها أو ينال من دائرة ممارستها . ويجب بالتالى أن يكون تكوين هذا التنظيم عملاً إرادياً ، فلا يكون الإنضمام إلى نقابة بذاتها ولا تركها عملاً قسرياً ، وإنما تتمثل الحرية النقابية التى كفلها الدستور بنص المادة ٥٦ ، فى إرادة إختيار المنظمة النقابية التى يطعن الشخص إليها ، ولو من خلال إنهاء عضويته فى إحداها إيثاراً لغيرها ، وكذلك فى إنتفاء أكثر من منظمة ــ عند تعددها ــ لينضم إليها جميعاً إذا كان مستوفياً شروط القيد فى كل منها ، وفى أن يعزل عنها بأكملها ، فلا يلج أياً من أبوابها . وإنبثاق هذه الحقوق عن الحرية النقابية مبناه أنها من ركائزها ، وأنها لا تخل بحق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها وإرساء القواعد التى تنظم شئونها . ولا تعارض الحرية النقابية ــ محدداً مفهومها على النحو المتقدم ــ ديموقراطية العمل النقابى ، ذلك أن الديموقراطية النقابية هى التى تطرح بوسائلها وتوجهاتها نطاقاً للحماية يكفل لقوة العمل ــ أياً كان موقعها ــ مصالحها الرئيسية ، وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود ، وهى كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحى نشاطها ، فلا تتسلط عليها جهة إدارية ، ولا تعلق تأسيسها على إذنها ، ولا تتدخل فى شئونها بما يعوقها عن إدارة نشاطها ، ولا تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه هى ميسراً مصالح أعضائها ، ولا أن تفرض وصايتها عليها ، أو تقرر عقابها بإنهاء وجودها .

– – – ٥ – – –
تكوين التنظيم النقابى ــ مهنياً كان أم عمالياً ــ فرع من حرية الاجتماع التى لا تجوز إعاقتها بقيود جائرة لا تندرج تحت تنظيمها ، وإنما تعتبر عدواناً عليها يعطلها أو ينال من دائرة ممارستها . ويجب بالتالى أن يكون تكوين هذا التنظيم عملاً إرادياً ، فلا يكون الإنضمام إلى نقابة بذاتها ولا تركها عملاً قسرياً ، وإنما تتمثل الحرية النقابية التى كفلها الدستور بنص المادة ٥٦ ، فى إرادة إختيار المنظمة النقابية التى يطعن الشخص إليها ، ولو من خلال إنهاء عضويته فى إحداها إيثاراً لغيرها ، وكذلك فى إنتفاء أكثر من منظمة ــ عند تعددها ــ لينضم إليها جميعاً إذا كان مستوفياً شروط القيد فى كل منها ، وفى أن يعزل عنها بأكملها ، فلا يلج أياً من أبوابها . وإنبثاق هذه الحقوق عن الحرية النقابية مبناه أنها من ركائزها ، وأنها لا تخل بحق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها وإرساء القواعد التى تنظم شئونها . ولا تعارض الحرية النقابية ــ محدداً مفهومها على النحو المتقدم ــ ديموقراطية العمل النقابى ، ذلك أن الديموقراطية النقابية هى التى تطرح بوسائلها وتوجهاتها نطاقاً للحماية يكفل لقوة العمل ــ أياً كان موقعها ــ مصالحها الرئيسية ، وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود ، وهى كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحى نشاطها ، فلا تتسلط عليها جهة إدارية ، ولا تعلق تأسيسها على إذنها ، ولا تتدخل فى شئونها بما يعوقها عن إدارة نشاطها ، ولا تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه هى ميسراً مصالح أعضائها ، ولا أن تفرض وصايتها عليها ، أو تقرر عقابها بإنهاء وجودها .

– – – ٦ – – –
المجتمع المدنى هو الإطار الوحيد لكل تنظيم نقابى ، وهو يكون كذلك إذا كان منفتحاً لكل الآراء ، قائماً على فرص حقيقية لتداولها وتفاعلها ، بما يوفق بينها قدر الإمكان أو يبدلها بغيرها ، فلا يكون العمل النقابى إملاء أو إلتواء ، بل تراضياً وإلتزاماً ، وإلا كان مجاوزاً الحدود التى ينبغى أن يترسمها Ultra Vires Actions . وهذه القيم التى يرعاها التنظيم النقابى هى التى كرسها الدستور بنص المادة ٥٦ ، التى تحتم أن يكون هذا التنظيم قائماً وفق مقاييس ديموقراطية يكون القانون كافلاً لها ، توكيداً لأهمية وخطورة المصالح التى يمثلها ، وعمق إتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها ، فلا ينحاز العمل النقابى لمصالح جانبية لبعضهم محدودة أهميتها ، بل يكون تقدمياً بالضرورة ، متبنياً نهجاً مقبولاً من جموعهم ، وقابلاً للتغيير على ضوء إرادتهم .

– – – ٧ – – –
إن حق النقابة ذاتها فى تكوينها وفق أسس ديموقراطية ، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل إستقلالها ، ويقظتها فى الدفاع عن مصالح أعضائها ، وتطويرها للقيم التى يدعون إليها فى إطار أهدافها ، ووعيها بما يعنيهم ، ومراجعتها لسلوكهم ، لا يخولها العدوان على حقوق كفلها الدستور ، ويندرج تحتها حق كل مواطن فى الانضمام إلى أكثر من نقابة كلما كان مستوفياً شروط القيد فى كل منها ، وتوكيد أن الحق فى العمل لا يتقرر إيثاراً ، ولا يمنح تفضيلاً . ذلك أن الشرعية الدستورية هى التى تضبط الأعمال جميعها وتحيط بكل صورها ، وإليها ترد النصوص القانونية التى تنظم العمل النقابى ، فلا يباشره أحد إنحرافاً عنها ، أو تنصلاً منها .

– – – ٨ – – –
البند السادس من الفقرة الأولى من المادة ١٣ من قانون المحاماة المطعون عليه ، قد شرط للقيد فى الجدول العام ألا يكون طالب القيد ، عضواً عاملاً فى نقابة مهنية أخرى ، وكان حق الإنضمام إلى أكثر من نقابة مهنية ، من الأسس الجوهرية التى تكفلها الحرية النقابية ــ بما تشتمل عليه من حق العمل ــ وتقتضيها كذلك إرادة الاختيار التى تفرضها الحرية الشخصية ، وتعززها حرية الإجتماع التى إعتبرها الدستور إطاراً لتعدد الآراء وتقابلها وتفاعلها وتقييمها إنحيازاً لأكثرها قبولاً ، فإن حكم هذا البند يكون مخالفاً للمواد ١٣ ، ٤٧ ، ٥٤ ، ٥٦ من الدستور .

– – – ٩ – – –
الشروط التى يتطلبها المشرع لمزاولة مهنة بذاتها ، يجب أن ترتبط عقلاً بخصائصها ، وما يكون لازماً لممارستها ، فلا يفرضها المشرع بعيداً عن متطلباتها ، أو إنحرافاً عن صدق إتصالها بأوضاعها ، أو بما يفقد عناصر بيئتها ما ينبغى أن يهيمن عليها من توافق ، ذلك أن لكل حق بنياناً يحدد محتواه ، ودائرة يمتد إليها ، وأثاراً يرتبها ، من بينها أن حق العمل ليس مطلباً ثانوياً ، وأن الشروط التى يتم فى نطاقها يجمعها أن يكون منصفاً وإنسانياً ومواتياً ، ومهيأ لتطور أكثر كمالاً . وإنتزاع هذه الشروط قسراً من محيطها ، يفقدها مغزاها ، ويقصيها عن الأسس الموضوعية التى ينبغى أن تكون قواماً لها.

– – – ١٠ – – –
قانون المحاماة قد دل بالنصوص التى تضمنها على أن المحاماة ــ فى أصلها وجوهر قواعدها ــ مهنة حرة يمارسها المحامون وحدهم فى إستقلال ، لا سلطان عليهم فى مزاولتها والنهوض بتبعاتها لغير ضمائرهم وحكم القانون ، وكان قانون المحاماة قد قرن إستقلالهم باستقلال السلطة القضائية ، فاعتبر المحامين شركاء لها يعينونها على إيصال الحقوق لذويها فى إطار من سيادة القانون وقيم العدل التى يكفلون من خلالها الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم ( المادة الأولى من قانون المحاماة ) ، وكان إستقلال المحامين فى أداء أعمالهم وإحتكامهم إلى ضمائرهم وسلطان القانون دون غيرهما ، ينفى بالضرورة تبعيتهم لجهة عمل تتولى توجيههم وفرض رقابتها عليهم ، ومؤداه أنهم لا يتلقون عن جهدهم أجراً محدداً على ضوء علاقة عمل ، بل تعتبر وكالتهم عن موكليهم ، وكذلك أصول مهنتهم وضوابط ممارستها ، محددة لواجباتهم قبل عملائهم ، ومصدراً للحقوق التى تنتجها ، وكان قانون المحاماة يتطلب ألا يكون طالب القيد عاملاً بالحكومة أو بجهة مشبهة بها ، أو بوحدة إقتصادية لقطاع الأعمال ، وكان هذا الشرط لا يعتبر منافياً للأوضاع المنطقية التى تتخذها مهنة المحاماة إطاراً لمزاولتها ، ومناطها إستقلال المحامين فى مباشرة شئونها ، وإدارتهم الدفاع عن موكليهم على ضوء تقديراتهم وخياراتهم التى يستقلون بها ، فإن ذلك الشرط لا يكون مخالفاً للدستور ، مما يتعين معه رفض الدعوى فى هذا الشق . لا ينال مما تقدم إستثناء أساتذة القانون فى الجامعات المصرية من الشرط المبين بالبند الثامن من الفقرة الأولى من المادة ١٣ من قانون المحاماة ، والمحدد تفصيلاً بالبند الثالث من الفقرة الأولى من المادة ١٤ من هذا القانون ، ذلك أن المشرع قدر أنه مهنة المحاماة يثريها ويدعمها إنضمام هؤلاء إليها باعتبارهم أقدر على الإبداع والتأصيل ، وتأسيس دفاع مقتدر يعتمد على إتساع خبراتهم ، وإحاطتهم بفروع القانون على إختلافها ، وتعمقهم لأغوارها ، وإتصالهم بأدق مسائلها ، فلا يكون إسهامهم فى أعمالها إلا عوناً على إدارة العدالة بما يقيمها على صحيح بنيانها . كذلك فإن إستثناء المحامين بالإدارات القانونية المصرح لهم بمزاولة المحاماة وفقاً للقانون ، مرده أن هؤلاء لا يزاولون أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها ، وبحكم وظائفهم فيها ، ولا يتولون إلا الأعمال ذاتها التى تنفرد بها مهنة المحاماة ، وتقوم عليها .

– – – ١١ – – –
قانون المحاماة قد دل بالنصوص التى تضمنها على أن المحاماة ــ فى أصلها وجوهر قواعدها ــ مهنة حرة يمارسها المحامون وحدهم فى إستقلال ، لا سلطان عليهم فى مزاولتها والنهوض بتبعاتها لغير ضمائرهم وحكم القانون ، وكان قانون المحاماة قد قرن إستقلالهم باستقلال السلطة القضائية ، فاعتبر المحامين شركاء لها يعينونها على إيصال الحقوق لذويها فى إطار من سيادة القانون وقيم العدل التى يكفلون من خلالها الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم ( المادة الأولى من قانون المحاماة ) ، وكان إستقلال المحامين فى أداء أعمالهم وإحتكامهم إلى ضمائرهم وسلطان القانون دون غيرهما ، ينفى بالضرورة تبعيتهم لجهة عمل تتولى توجيههم وفرض رقابتها عليهم ، ومؤداه أنهم لا يتلقون عن جهدهم أجراً محدداً على ضوء علاقة عمل ، بل تعتبر وكالتهم عن موكليهم ، وكذلك أصول مهنتهم وضوابط ممارستها ، محددة لواجباتهم قبل عملائهم ، ومصدراً للحقوق التى تنتجها ، وكان قانون المحاماة يتطلب ألا يكون طالب القيد عاملاً بالحكومة أو بجهة مشبهة بها ، أو بوحدة إقتصادية لقطاع الأعمال ، وكان هذا الشرط لا يعتبر منافياً للأوضاع المنطقية التى تتخذها مهنة المحاماة إطاراً لمزاولتها ، ومناطها إستقلال المحامين فى مباشرة شئونها ، وإدارتهم الدفاع عن موكليهم على ضوء تقديراتهم وخياراتهم التى يستقلون بها ، فإن ذلك الشرط لا يكون مخالفاً للدستور ، مما يتعين معه رفض الدعوى فى هذا الشق . لا ينال مما تقدم إستثناء أساتذة القانون فى الجامعات المصرية من الشرط المبين بالبند الثامن من الفقرة الأولى من المادة ١٣ من قانون المحاماة ، والمحدد تفصيلاً بالبند الثالث من الفقرة الأولى من المادة ١٤ من هذا القانون ، ذلك أن المشرع قدر أنه مهنة المحاماة يثريها ويدعمها إنضمام هؤلاء إليها باعتبارهم أقدر على الإبداع والتأصيل ، وتأسيس دفاع مقتدر يعتمد على إتساع خبراتهم ، وإحاطتهم بفروع القانون على إختلافها ، وتعمقهم لأغوارها ، وإتصالهم بأدق مسائلها ، فلا يكون إسهامهم فى أعمالها إلا عوناً على إدارة العدالة بما يقيمها على صحيح بنيانها . كذلك فإن إستثناء المحامين بالإدارات القانونية المصرح لهم بمزاولة المحاماة وفقاً للقانون ، مرده أن هؤلاء لا يزاولون أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها ، وبحكم وظائفهم فيها ، ولا يتولون إلا الأعمال ذاتها التى تنفرد بها مهنة المحاماة ، وتقوم عليها .

– – – ١٢ – – –
الحماية التى أسبغها الدستور على حق الملكية بمقتضى المادتين ٣٢ ، ٣٤ منه ، تمتد ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ إلى الحقوق جميعها الشخصية منها والعينية ، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية ، وكانت هذه الحماية تقيم توازناً بين الملكية فى ذاتها والقيود التى يجوز فرضها عليها ، فلا ترهقها تدابير لا تتصل بوظيفتها الاجتماعية بما يفقد الملكية محتواها ، أو يعتصر جانباً من مقوماتها ، وكانت الحقوق الشخصية قوامها رابطة بين شخصين يجوز للدائن بمقتضاها أن يحمل مدينه على إعطاء شئ أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل ، وكان حق المدعى فى أن ترد إليه الأموال التى دفعها مقابلاً للقيد فى الجدول العام لنقابة المحامين ، من الحقوق الشخصية ، فإن إمتناع قيده فى هذا الجدول بناء على نص قانونى صحيح دستورياً ، يكون مستوجباً ردها ، لا إستثناء من ذلك ، أيا كانت الأعذار التى تنتحلها نقابة المحامين للتخلص من إلتزامها بالرد . إن كل إستثناء من قاعدة كلية يفترض وجودها ، فإذا أبطلتها هذه المحكمة ، سقط الإستثناء منها ، وكانت القاعدة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة ١٧٢ من قانون المحاماة فى شأن إمتناع رد رسوم القيد أصلاً ، هى التى هدمتها هذه المحكمة ، فإن زوال الاستثناء منها مؤداه ألا تقوم قائمة للاختصاص المخول للجنة القبول ، والمنصوص عليه بهذه الفقرة .

– – – ١٣ – – –
الحماية التى أسبغها الدستور على حق الملكية بمقتضى المادتين ٣٢ ، ٣٤ منه ، تمتد ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ إلى الحقوق جميعها الشخصية منها والعينية ، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية ، وكانت هذه الحماية تقيم توازناً بين الملكية فى ذاتها والقيود التى يجوز فرضها عليها ، فلا ترهقها تدابير لا تتصل بوظيفتها الاجتماعية بما يفقد الملكية محتواها ، أو يعتصر جانباً من مقوماتها ، وكانت الحقوق الشخصية قوامها رابطة بين شخصين يجوز للدائن بمقتضاها أن يحمل مدينه على إعطاء شئ أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل ، وكان حق المدعى فى أن ترد إليه الأموال التى دفعها مقابلاً للقيد فى الجدول العام لنقابة المحامين ، من الحقوق الشخصية ، فإن إمتناع قيده فى هذا الجدول بناء على نص قانونى صحيح دستورياً ، يكون مستوجباً ردها ، لا إستثناء من ذلك ، أيا كانت الأعذار التى تنتحلها نقابة المحامين للتخلص من إلتزامها بالرد . إن كل إستثناء من قاعدة كلية يفترض وجودها ، فإذا أبطلتها هذه المحكمة ، سقط الإستثناء منها ، وكانت القاعدة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة ١٧٢ من قانون المحاماة فى شأن إمتناع رد رسوم القيد أصلاً ، هى التى هدمتها هذه المحكمة ، فإن زوال الاستثناء منها مؤداه ألا تقوم قائمة للاختصاص المخول للجنة القبول ، والمنصوص عليه بهذه الفقرة .

– – – ١٤ – – –
إن هذه المحكمة لا يجوز أن تبدد وقتها وجهدها من خلال مواجهتها لنزاع عار عن أن يكون حقيقياً وقائماً A sufficiently real and actual dispute مستكملاً محتواه ، ماثلاً بعناصره Well – developed ، ومحدداً تحديداً كافياً يتهيأ به الفصل فيه Specifice to elicit adjudication بما مؤداه إنتفاء إتصالها بنزاع لا زال فى دور التكوين Not yet fully born أو أجهض قبل التداعى Already dead ، بأن قبولها للخصومة الدستورية يرتبط بتكامل عناصرها ، فلا يكون أمرها نظرياً hypothetical أو مجرداً abstract ، بل تلح حدتها وتفرض وجودها على أطرافها Concrete dispute between truly ” Adverse ” parties بما يؤكد نضجها Ripenes وتماسكها .

– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد تقدم لنقابة المحامين بعد أن حصل على ليسانس الحقوق، طالبا قيده كمحام تحت التمرين، إلا أن لجنة قبول المحامين لم تفصل فى طلبه خلال المدة التى حددها القانون مرجئة قيده إلى أن يُشطب قيده من نقابة المهندسين، وتقبل استقالته من شركة قطاع الأعمال العام التى يعمل بها .وقد طعن المدعى فى قرار لجنة قبول المحامين أمام محكمة استئناف القاهرة عملا بالمادة ١٩ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٧٣، طالبا الحكم بقبول قيده بهذه النقابة كمحام تحت التمرين، ورد الفروق التى تم تحصيلها منه دون حق مقابل رسم القيد والاشتراك، ثم دفع أثناء نظر دعواه هذه، بعدم دستورية البندين السادس والثامن من الفقرة الأولى من المادة ١٣، وكذلك البند الثالث من الفقرة الأولى من المادة ١٤؛ والبند الثانى من المادة ١٢٦؛ والمادتين ١٦٧ و ١٧٢ من قانون المحاماة .وإذ تبين لمحكمة الموضوع، جدية هذا الدفع، فقد أعادت الدعوى إلى المرافعة حتى يتخذ المدعى إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة. وحيث إن المواد المطعون عليها تقضى بالآتى : البندان السادس والثامن من الفقرة الأولى من المادة ٣١: يشترط فيمن يطلب قيد اسمه فى الجدول العام أن يكون : ………………………٦ – ألا يكون عضوا عاملا فى نقابة مهنية أخرى .٧ – ……………………………..٨ – ألا تقوم بشأنه حالة من حالات عدم جواز الجمع الواردة فى المادة التالية .البند الثالث من الفقرة الأولى من المادة ١٤: لايجوز الجمع بين المحاماة والأعمال الآتية: …………………………………٣ – الوظائف العامة فى الحكومة والهيئات العامة والإدارة المحلية والوظائف فى شركات القطاع العام أو الوظائف الخاصة، فيما عدا العمل بالإدارة القانونية المصرح لها بذلك طبقا لأحكام هذا القانون، وفيما عدا أساتذة القانون فى الجامعات المصرية فى الحالات التى يجيزها هذا القانون .ولاتعد العضوية فى اللجان الحكومية العلمية أو المؤقتة أو القيام بمهام ذات صفة عرضية لاتستغرق أكثر من ستة شهور، أو الندب لتدريس القانون فى الجامعات والمعاهد العليا، وظيفة يحظر معها الجمع بينها وبين المحاماة .البند الثانى من المادة ١٢٦ : علاوة على ماورد بشأنه نص خاص فى هذا القانون، تختص الجمعية العمومية فى اجتماعها السنوى بما يأتى : …………………………………..٢ – تعديل رسوم القيد والاشتراك ورسوم الدمغة التى يؤديها المحامون لصالح النقابة بناء على اقتراح مجلس النقابة .مادة ١٦٧ : على المحامى أن يؤدى عند التقدم بطلب قيد اسمه فى الجدول العام أو بأحد الجداول الملحقة به رسم القيد المقرر للجدول الذى يريد قيد اسمه به، مع رسوم القيد بالجداول السابقة إذا لم يكن قد أداها ………………………….مادة ١٧٢ : لاترد رسوم القيد التى تدفع للنقابة، على أن للجنة القبول المختصة أن تأذن برد رسوم القيد إذا كان رفض الطلب لسبب لايرجع إلى تقصير فى استيفاء شروط القيد .ولاتقبل طلبات استرداد رسوم القيد والاشتراكات بعد انتهاء السنة المالية التالية للسنة التى دفعت فيها. وحيث إن المدعى ينعى على النصوص المطعون عليها مخالفتها للدستور، مستندا فى ذلك إلى عدة وجوه: أولها: أن مهنة المحاماة مهنة حرة تقتضى جهدا عقليا من القائمين عليها، ويمارسها المحامون من أجل الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم فى استقلال، لا سلطان عليهم فى أدائها إلا لضمائرهم وحكم القانون .وقيده بنقابة المهندسين لايناقض ممارسة مهنة المحاماة التى يجب أن يكون النفاذ إليها قائما على تكافؤ الفرص، مكفولا لكل من يطرقون أبوابها، غير مقيدين فى ذلك إلا بالشروط الموضوعية التى ضبط بها المشرع مزاولتها على ضوء اتصالها بخصائص هذه المهنة ومتطلباتها. ثانيها : أن حظر القيد فى أكثر من نقابة، لايلتئم والقواعد المعمول بها فى النقابات المهنية الأخرى التى تكتفى تشريعاتها بمجرد الحصول على المؤهل العلمى كشرط لعضويتها، لاسيما وأن النقابات المهنية جميعها تتفق فيما بينها فى أهدافها .ولايعدو حرمان العضو العامل فى نقابة مهنية من القيد فى غيرها، أن يكون مصادرة لحق الانضمام إلىها، وليس تنظيما لشئونها، خاصة وأن عضويته بنقابة المهندسين لاتشكل أدنى إساءة لمهنة المحاماة، ولاتخل بكرامتها. ثالثها : أن حظر الجمع بين العمل الوظيفى – سواء فى الحكومة أو قطاع الأعمال العام – والاشتغال بالمحاماة، مبناه أن المحامين راغبون فى أن تكون مهنة المحاماة وقفا عليهم لا يزاحمهم أحد فى مزاولتها، ويناقض كذلك ماهو قائم فى قانون المحاماة من الترخيص بمزاولتها لمحامى الإدارات القانونية، وهم من العاملين فى جهاتهم .هذا فضلا عن أن المدعى فى إجازة من جهة عمله الأصلية، وقد ظل دوما بعيداً عن العمل النقابى بنقابة المهندسين، مباشرا عملا نظيرا لأعمال خبراء وزارة العدل.وقانون المحاماة يتضمن تمييزاً غير مبرر بين من كان عمله السابق غير مرتبط بالانضمام إلى نقابة مهنية من جهة؛ ومن كان هذا العمل مترتبا على عضويتها من جهة أخرى، إذ لايحصل ثانيهما دون أولهما على معاش عن عمله السابق .رابعها : أن الحصول على الدرجة العلمية التى تؤهل للقيد بنقابة المحامين، ليس إلا ثمرة البحث العلمى الذى حرص الدستور على الحض عليه والإبداع فيه، وينبغى أن يكون الحصول على هذا المؤهل وحده كافيا للقيد بنقابة المحامين .وأية شروط أخرى يتطلبها المشرع لمزاولتها كتلك المنصوص عليها فى البندين السادس والثامن من الفقرة الأولى من المادة ١٣، والبند الثالث من الفقرة الأولى من المادة ١٤ من قانون المحاماة، تعتبر دخيلة عليها، ومجاوزة كذلك الأحكام التى تضمنتها المواد ٤ و ٧ و ٨ و ١٣ و ٢٣ و ٤٠ و ٤٩ و ٥٦ و ٦٨ و ٦٩ من الدستور .خامسها : أن رسوم القيد فى نقابة المحامين، تزيد بكثير على مثيلاتها فى غيرها، وقد ربط قانون المحاماة مقدارها بالسن فى شرائح تصاعدية جاوز بها الأسس المنطقية التى ينبغى أن تتحدد على ضوئها.وقد خول هذا القانون كذلك الجمعية العمومية للنقابة سلطة تعديل رسوم القيد بها وفق ماتراه هى مناسبا .وماتقرر بهذا القانون من إسقاط الحق فى استرداد رسوم القيد بعد انتهاء السنة المالية التالية للسنة التى تم دفعها خلالها، لايستقيم عقلا ولا قانونا .ويناقض تقرير هذه الرسوم كذلك الحدود التى تطلبها الدستور فى مجال الفرائض المالية، بما مؤداه مخالفة البند الثانى من المادة ١٢٦، والمادتين ١٦٧ و١٧٢ من قانون المحاماة، لأحكام المواد ٤٠ و ٦١ و ١١٩ من الدستور .وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان من المقرر أن مجرد مخالفة نص قانونى للدستور، لايقيم شرط المصلحة الشخصية المباشرة، فلا ينهض سببا لتوافرها، وإنما ينبغى لتحققها أن يكون المدعى قد أضير من جراء تطبيق النص القانونى الذى يدعى مخالفته للدستور، أو كان احتمال إضرار هذا النص به راجحاً .وحيث إن النزاع الموضوعى يدور حول ما إذا كان يجوز لنقابة المحامين أن ترجئ الفصل فى طلب القيد المقدم إليها من المدعى إلى أن يتخلى عن عضويته بنقابة المهندسين، وعن عمله بالجهة التى التحق بها؛ وكان هذان الشرطان اللذان تطلبهما قانون المحاماة لإمكان قبول قيده بنقابتها، مقررين بمقتضى البندين السادس والثامن من الفقرة الأولى من المادة ١٣، والبند الثالث من المادة ١٤ من هذا القانون؛ فإن مصلحته الشخصية المباشرة فى مجال اتصالها بشروط القيد، تنحصر فى هذه البنود .وحيث إن من المقرر أن حرية الانضمام إلى جمعية أو جماعة من أجل أن يدافع من يلوذون بها عن معتقداتهم أو آرائهم، تعد جزءاً لايتجزأ من حرياتهم الشخصية، سواء كانت آراؤهم أو معتقداتهم التى يريدون الدفاع عنها أو إنماءها، تندرج تحت المسائل السياسية أو الاقتصادية أو الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية، فلايجوز لسلطة أن تعرقل طرحها أو نقلها إلى أخرىن، وإلا كان لهذه المحكمة أن تفرض رقابتها الصارمة على هذه الأشكال من التدخل التى لايظاهرها الدستور بعد أن كفل بالمواد ٤٦ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ و ٦٣ حرية العقيدة، وحرية التعبير عن الآراء، وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام، وكذلك حق الناس جميعا فى أن يتقدموا إلى السلطة العامة بظلاماتهم يعرضونها دون وجل، كى يردوا عنهم جوراً أو عدواناً أحاط بهم.وماحرية الاجتماع إلا إطاراً منظماً يسع التعبير عن هذه الحريات والحقوق جميعها، فلا يكون إلا كافلاً جوهرها، ميسراً إنفاذها، ضامنا فعاليتها، وعلى الأخص كلما كان التعبير عن الآراء واقعاً فى محيطها المتصل بالمسائل العامة التى تقتضى بصراً بأبعادها، وعمقاً فى عرض جوانبها، وصلابة فى تعرية نواحى القصور فيها .وحيث إن ماتقدم مؤداه، أن ثمة علاقة وثيقة Close nexus بين حرية القول وحرية الاجتماع؛ وأن الاجتماع مع آخرين من أجل عرض آرائهم وتطويرها ضرورة يقتضيها تنظيم الأفراد لنشاطهم فلاتتعثر جهودهم، بل يكون تكتلها طريقا إلى النفاذ إلى الحقائق على اختلافها بما يحول دون كتمانها أو التجهيل بها، أو تقليص دائرتها .بل إن حرية الاجتماع ذاتها هى التى يتفرع عنها حقهم فى بناء تنظيم مشروع يضمهم، وعلى الأخص كلما كان هذا التنظيم سياسيا أو نقابيا، فلايحمل الفرد على اختيار تنظيم منها دون آخر، ولا على التخلى عن عضويته فى تنظيم قائم، ولا على الإعراض عن إنشاء تنظيم جديد يراه أكفل للدفاع عن المصالح السياسية أو الاقتصادية التى يؤمن بها .ولايجوز بالتالى أن تفرض السلطة التشريعية على حرية الاجتماع قيودا من أجل تنظيمها، إلا إذا حملتها عليها مشروعية المصالح التى وجهتها لتقريرها، وكان لها كذلك سند من ثقلها وضرورتها؛ وكان تدخلها – من خلال هذه القيود – بقدر حدة هذه المصالح ومداها .The Validity of governmental regulation must be determined by assessing the degree of infringment of the right of association against the legitimacy , strength , and the necessity of the governmental interests and the means of implementing these interests . وما تجريه السلطة التشريعية من أعمال التحقيق، ولو بقصد تطوير معلوماتها فى مجال إعدادها لتشريعاتها، يظل أمرا محظورا كذلك، إذا كان من شأنها تأثيم عرض الآراء والأفكار أو ردعها، وعلى الأخص عن طريق اجتماع يعبر عنها .وحيث إن مفاد ذلك، أن تكوين التنظيم النقابى – مهنيا كان أم عماليا – فرع من حرية الاجتماع التى لاتجوز إعاقتها بقيود جائرة لاتندرج تحت تنظيمها، وإنما تعتبر عدوانا عليها يعطلها أو ينال من دائرة ممارستها .ويجب بالتالى أن يكون تكوين هذا التنظيم عملا إراديا، فلايكون الانضمام إلى نقابة بذاتها ولا تركها عملا قسريا، وإنما تتمثل الحرية النقابية التى كفلها الدستور بنص المادة ٥٦، فى إرادة اختيار المنظمة النقابية التى يطمئن الشخص إليها، ولو من خلال إنهاء عضويته فى إحداها إيثارا لغيرها؛ وكذلك فى انتقاء أكثر من منظمة – عند تعددها – لينضم إليها جميعا إذا كان مستوفيا شروط القيد فى كل منها، وفى أن ينعزل عنها بأكملها، فلا يلج أياً من أبوابها .وانبثاق هذه الحقوق عن الحرية النقابية مبناه أنها من ركائزها، وأنها لاتخل بحق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها وإرساء القواعد التى تنظم شئونها .ولاتعارض الحرية النقابية – محدداً مفهومها على النحو المتقدم – ديموقراطية العمل النقابى، ذلك أن الديموقراطية النقابية هى التى تطرح بوسائلها وتوجهاتها نطاقاً للحماية يكفل لقوة العمل – أياً كان موقعها – مصالحها الرئيسية، وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود، وهى كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحى نشاطها، فلا تتسلط عليها جهة إدارية، ولاتعلق تأسيسها على إذنها، ولاتتدخل فى شئونها بما يعوقها عن إدارة نشاطها، ولاتحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه هى ميسرا مصالح أعضائها، ولا أن تفرض وصايتها عليها، أو تقرر عقابها بإنهاء وجودها .وينبغى بالتالى أن يعامل مبدأ الحرية النقابية باعتباره لازما لاستقرار المهنيين والعمال وتطوير أوضاعهم، أيا كان قطاع عملهم، ودون تمييز فيما بينهم فى مجال تكوين منظماتهم، واختيار تلك التى ينضمون إليها أو يتسلبون منها، فلايُرَدون عنها أو يساقون إليها بناء على توجهاتهم السياسية أو انتماءاتهم أيا كان لونها .وحيث إن مجتمعا مدنيا هو الإطار الوحيد لكل تنظيم نقابى، وهو يكون كذلك إذا كان منفتحا لكل الآراء، قائما على فرص حقيقية لتداولها وتفاعلها، بما يوفق بينها قدر الإمكان أو يُبدلها بغيرها، فلايكون العمل النقابى إملاء أو التواء، بل تراضيا والتزاما، وإلا كان مجاوزا الحدود التى ينبغى أن يترسمها Ultra Vires Actions .وهذه القيم التى يرعاها التنظيم النقابى هى التى كرسها الدستور بنص المادة ٥٦، التى تحتم أن يكون هذا التنظيم قائما وفق مقاييس ديموقراطية يكون القانون كافلا لها، توكيدا لأهمية وخطورة المصالح التى يمثلها، وعمق اتصالها بالحقوق المقررة قانونا لأعضائها، فلاينحاز العمل النقابى لمصالح جانبية لبعضهم محدودة أهميتها، بل يكون تقدميا بالضرورة، متبنيا نهجا مقبولا من جموعهم، وقابلا للتغيير على ضوء إرادتهم .وحيث إن حق النقابة ذاتها فى تكوينها وفق أسس ديموقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها فى الدفاع عن مصالح أعضائها، وتطويرها للقيم التى يدعون إليها فى إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم، لايخولها العدوان على حقوق كفلها الدستور، ويندرج تحتها حق كل مواطن فى الانضمام إلى أكثر من نقابة كلما كان مستوفيا شروط القيد فى كل منها، وتوكيد أن الحق فى العمل لايتقرر إيثارا، ولايمنح تفضلا .ذلك أن الشرعية الدستورية هى التى تضبط الأعمال جميعها وتحيط بكل صورها، وإليها تُرد النصوص القانونية التى تنظم العمل النقابى، فلايباشره أحد انحرافا عنها، أو تنصلا منها. وحيث إن البند السادس من الفقرة الأولى من المادة ١٣ من قانون المحاماة المطعون عليه، قد شرط للقيد فى الجدول العام ألا يكون طالب القيد، عضوا عاملا فى نقابة مهنية أخرى؛ وكان حق الانضمام إلى أكثر من نقابة مهنية، من الأسس الجوهرية التى تكفلها الحرية النقابية – بما تشتمل عليه من حق العمل – وتقتضيها كذلك إرادة الاختيار التى تفرضها الحرية الشخصية، وتعززها حرية الاجتماع التى اعتبرها الدستور إطارا لتعدد الآراء وتقابلها وتفاعلها وتقييمها انحيازا لأكثرها قبولا، فإن حكم هذا البند يكون مخالفا للمواد ١٣و ٤٧ و ٥٤ و ٥٦ من الدستور. وحيث إن البند الثامن من الفقرة الأولى من المادة ١٣ من قانون المحاماة بعد ربطها بالبند الثالث من الفقرة الأولى من المادة ١٤ من هذا القانون، يتطلبان للقيد فى الجدول العام بنقابة المحامين، ألا يكون طالب القيد عاملا فى إحدى شركات القطاع العام – التى حلت محلها شركات قطاع الأعمال العام – فيما عدا العمل بإدارتها القانونية المصرح لها بذلك طبقا لأحكام قانون المحاماة، وباستثناء أساتذة القانون فى الجامعات المصرية فى الأحوال التى يجيزها هذا القانون. وحيث إنه عملا بنص المادة الثانية من قانون المحاماة، يعد محاميا كل من يقيد بجداول المحامين التى ينظمها هذا القانون، ولايجوز إطلاق هذه الصفة على غير هؤلاء فيما عدا المحامين بهيئة قضايا الدولة؛ وكان من المقرر وفقا للمادة الثالثة من هذا القانون، أن المحامين وحدهم هم الذين يزاولون أعمال المحاماة التى عددتها؛ فإن القيد فى الجداول التى نظمها قانون المحاماة، يعتبر شرطا لممارستها. وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الشروط التى يتطلبها المشرع لمزاولة مهنة بذاتها، يجب أن ترتبط عقلا بخصائصها، ومايكون لازما لممارستها، فلايفرضها المشرع بعيدا عن متطلباتها، أو انحرافا عن صدق اتصالها بأوضاعها، أو بما يفقد عناصر بيئتها ماينبغى أن يهيمن عليها من توافق، ذلك أن لكل حق بنيانا يحدد محتواه، ودائرة يمتد إليها، وآثارا يرتبها، من بينها أن حق العمل ليس مطلبا ثانويا، وأن الشروط التى يتم فى نطاقها يجمعها أن يكون منصفا وإنسانيا ومواتيا، ومهيأ لتطور أكثر كمالا .وانتزاع هذه الشروط قسرا من محيطها، يفقدها مغزاها، ويُقصيها عن الأسس الموضوعية التى ينبغى أن تكون قواما لها. وحيث إن قانون المحاماة قد دل بالنصوص التى تضمنها على أن المحاماة – فى أصلها وجوهر قواعدها – مهنة حرة يمارسها المحامون وحدهم فى استقلال، لاسلطان عليهم فى مزاولتها والنهوض بتبعاتها لغير ضمائرهم وحكم القانون؛ وكان قانون المحاماة قد قرن استقلالهم باستقلال السلطة القضائية، فاعتبر المحامين شركاء لها يُعينونها على إيصال الحقوق لذويها فى إطار من سيادة القانون وقيم العدل التى يكفلون من خلالها الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم [ المادة الأولي من قانون المحاماة ]؛ وكان استقلال المحامين فى أداء أعمالهم واحتكامهم إلى ضمائرهم وسلطان القانون دون غيرهما، ينفى بالضرورة تبعيتهم لجهة عمل تتولى توجيههم وفرض رقابتها عليهم، ومؤداه أنهم لايتلقون عن جهدهم أجرا محددا على ضوء علاقة عمل، بل تعتبر وكالتهم عن موكليهم، وكذلك أصول مهنتهم وضوابط ممارستها، مُحَدِّدة لواجباتهم قبل عملائهم، ومصدرا للحقوق التى تنتجها؛ وكان قانون المحاماة يتطلب ألا يكون طالب القيد عاملا بالحكومة أو بجهة مشبهة بها، أو بوحدة اقتصادية لقطاع الأعمال؛ وكان هذا الشرط لايعتبر منافيا للأوضاع المنطقية التى تتخذها مهنة المحاماة إطارا لمزاولتها، ومناطها استقلال المحامين فى مباشرة شئونها، وإدارتهم الدفاع عن موكليهم على ضوء تقديراتهم وخياراتهم التى يستقلون بها، فإن ذلك الشرط لايكون مخالفا للدستور .مما يتعين معه رفض الدعوى فى هذا الشق. وحيث إنه لاينال مما تقدم استثناء أساتذة القانون فى الجامعات المصرية من الشرط المبين بالبند الثامن من الفقرة الأولى من المادة ١٣ من قانون المحاماة، والمحدد تفصيلا بالبند الثالث من الفقرة الأولى من المادة ١٤ من هذا القانون، ذلك أن المشرع قدر أن مهنة المحاماة يثريها ويدعمها انضمام هؤلاء إليها باعتبارهم أقدر على الإبداع والتأصيل، وتأسيس دفاع مقتدر يعتمد على اتساع خبراتهم، وإحاطتهم بفروع القانون على اختلافها، وتعمقهم لأغوارها، واتصالهم بأدق مسائلها، فلايكون إسهامهم فى أعمالها إلا عونا على إدارة العدالة بما يقيمها على صحيح بنيانها .كذلك فإن استثناء المحامين بالإدارات القانونية المصرح لهم بمزاولة المحاماة وفقا للقانون، مرده أن هؤلاء لايزاولون أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، وبحكم وظائفهم فيها، ولايتولون إلا الأعمال ذاتها التى تنفرد بها مهنة المحاماة، وتقوم عليها. وحيث إن قانون المحاماة قرر بنص الفقرة الأولى من المادة ١٧٢ منه قاعدة مفادها ألا تُرَدُّ رسوم القيد التى تدفع للنقابة، وأجاز استثناء منها للجنة القبول أن تأذن برد رسوم القيد إذا كان رفض الطلب لايعود إلى تقصير فى استيفاء شروط القيد .وقضى هذا القانون فى الفقرة الثانية من المادة ذاتها، بألاتقبل طلبات استرداد رسوم القيد والاشتراكات بعد انتهاء السنة المالية التالية للسنة المالية التى دفعت فيها. وحيث إن الحماية التى أسبغها الدستور على حق الملكية بمقتضى المادتين ٣٢ و ٣٤ منه، تمتد – وعلى ماجرى قضاء هذه المحكمة – إلى الحقوق جميعها الشخصية منها والعينية، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية؛ وكانت هذه الحماية تقيم توازنا بين الملكية فى ذاتها والقيود التى يجوز فرضها عليها، فلاترهقها تدابير لاتتصل بوظيفتها الاجتماعية بما يفقد الملكية محتواها، أو يعتصر جانبا من مقوماتها؛ وكانت الحقوق الشخصية قوامها رابطة بين شخصين يجوز للدائن بمقتضاها أن يحمل مدينه على إعطاء شئ أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل؛ وكان حق المدعى فى أن تُرد إليه الأموال التى دفعها مقابلا للقيد فى الجدول العام لنقابة المحامين، من الحقوق الشخصية؛ فإن امتناع قيده فى هذا الجدول بناء على نص قانونى صحيح دستوريا، يكون مستوجبا ردها؛ لا استثناء من ذلك، أيا كانت الأعذار التى تنتحلها نقابة المحامين للتخلص من التزامها بالرد. وحيث إن كل استثناء من قاعدة كلية يفترض وجودها، فإذا أبطلتها هذه المحكمة، سقط الاستثناء منها، وكانت القاعدة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة ١٧٢ من قانون المحاماة فى شأن امتناع رد رسوم القيد أصلا، هى التى هدمتها هذه المحكمة، فإن زوال الاستثناء منها مؤداه ألا تقوم قائمة للاختصاص المخول للجنة القبول، والمنصوص عليه بهذه الفقرة. وحيث إن مناعى المدعى فى شأن الفقرة الثانية من المادة ١٧٢ من قانون المحاماة، تفترض لجواز الخوض فيها، أن يكون المدعى قد طلب رد رسوم القيد التى دفعها بعد انقضاء الميعاد المحدد قانونا بمقتضى هذه الفقرة لاقتضائها، فإذا كان قد طلبها قبل انتهاء هذا الميعاد – مثلما هو الحال فى النزاع الراهن – فإن مصلحته فى الطعن على تلك الفقرة، تكون منتفية، ولاتقبل دعواه فى هذا الشق بالتالى. وحيث إن هذه المحكمة لايجوز أن تبدد وقتها وجهدها من خلال مواجهتها لنزاع عارعن أن يكون حقيقيا وقائما A sufficiently real and actual dispute مستكملا محتواه، ماثلا بعناصره Well – developed، ومُحَدَّدا تحديدا كافيا يتهيأ به الفصل فيه Specific to elicit adjudication بما مؤداه انتفاء اتصالها بنزاع لازال فى دور التكوين Not yet fully born أو أجهض قبل التداعى Already dead ، تقديرا بأن قبولها للخصومة الدستورية يرتبط بتكامل عناصرها، فلايكون أمرها نظريا Nonhypothetical أومجردا Nonabstract، بل تلح حدتها وتفرض وجودها على أطرافها Concrete dispute between truly << adverse >> parties بمايؤكد نضجها Ripenes وتماسكها. وحيث إن قضاء هذه المحكمة فى الدعوى الماثلة، قد خلص إلى أن قيد المدعى فى الجدول العام لنقابة المحامين – وبوصفه محاميا تحت التمرين – لايجوز قبل تخليه عن عمله فى الوحدة الاقتصادية كرئيس لقطاع الشئون الفنية بها، وكان الاختصاص المخول للجمعية العمومية للنقابة بمقتضى البند الثانى من المادة ١٢٦ من قانون المحاماة فى شأن تعديل رسوم القيد ورسوم الدمغة التى يؤديها المحامون لصالح نقابتهم، يفترض تعلق هذا التعديل بمن يكونون مقيدين بجداولها، فإن الفصل فى دستورية مباشرة الجمعية العمومية لهذا الاختصاص، يكون سابقا لأوانه، فلاتقبل دعواه كذلك فى هذا الشق منها. وحيث إنه على ضوء ما تقدم، فإن المواد المطعون عليها – وبقدر تعارضها مع الدستور على ما سلف البيان – تكون مخالفة للأحكام المنصوص عليها فى المواد ٣٢ و ٣٤ و ٤١ و ٤٧ و ٤٩ و ٥٤ و ٥٦ منه.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى