حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٣ – ٠٢ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية المادة الاولى من القانون رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥ بتخويل وزير التعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة و معاهد التعليم

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت أول فبراير سنة ١٩٩٧ الموافق ٢٣ رمضان سنة ١٤١٧ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور / عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالي رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٥ لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من

السيدة / سنية أيوب شراره
ضد
١. السيد / رئيس الجمهورية
٢. السيد / رئيس الوزراء
٣. السيد / وزير التعليم
٤. السيد / وزير العدل
٥. السيد / رئيس مجلس الشعب
الإجراءات

بتاريخ ٢٥ يناير سنة ١٩٩٦، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة الدستورية العليا
، بطلب الحكم بعدم دستورية القانون رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥ بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم، أصلياً: بعدم قبول الدعوى واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعية تمتلك الفيلا رقم ١ شارع عابد بالطالبية محافظة الجيزة ، إلا أنها لظروف عائلية انتقلت منها إلى الإسكندرية لتقيم بها، بعد تأجيرها الفيلا إلى آخرين مكثوا فيها حتى ١٩٥٢
بيد أن منطقة الجيزة التعليمية فاجأتها بأن قراراً بالاستيلاء عليها قد صدر عن وزير التعليم، وأن أجرتها قد قدرت بمبلغ ستين جنيهاً شهرياً، وذلك إعمالاً لأحكام القانون النافذ آنئذ – وهو القانون رقم ٧٦ لسنة ١٩٤٧ – الذى يخول هذا الوزير سلطة الاستيلاء على أى عقار خال يكون لازماً للوزارة أو للمعاهد التعليمية .
بل إن الوزارة أنشات بعدئذ بعض المبانى على الأرض المحيطة بالفيلا، دون علمها وموافقتها مماحملها على أن تعرض على الوزارة نزع ملكيتها مع ملحقاتها، إلا أن الوزارة – وبعد قبولها لهذا العرض – لم تمض قدماً فى تنفيذه، فأقامت ضدها دعواها رقم ٩٧٠٢ لسنة ١٩٩١ أمام محكمة الجيزة الإبتدائية ، طالبة فى صحيفتها الحكم أصلياً باستحقاقها العقار، واحتياطياً تقدير قيمته تمهيداً لنقل ملكيته إلى الوزارة بمقدارها.
وقد قضت محكمة أول درجة برفض دعواها، وأثناء نظر استئنافها عن هذا الحكم المقيد أمام محكمة استئناف القاهرة برقم ٥٩٥٣ لسنة ١١٢ قضائية ، دفعت بعدم دستورية أحكام القانون رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥ الصادر بتخويل وزارة التعليم سلطة الاستيلاء على أى عقار خال يكون لازماً لاحتياجاتها أو لمعاهد التعليم.
وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، فقد أقامت المدعية دعواها الدستورية الماثلة .
وحيث إن المدعية تنعى على القانون المطعون فيه، الإخلال بالأحكام التى نظم بها الدستور الأساس الاقتصادى للدولة ، وكذلك تلك التى كفل بها صون الملكية الخاصة ، وأخضع الدولة على ضوئها للقانون – وهى المنصوص عليها فى المواد (٤، ٣٢، ٣٤، ٦٥) من الدستور – وذلك تأسيساً على أوجه ثلاثة :
أولها: أن الأصل فى سلطة الاستيلاء على العقار، أنها استثنائية ينبغى أن تتم فى أضيق الحدود، ولمواجهة ظروف ملحة
لا تحتمل التأخير، وأن يكون مداها موقوتاً بمدة محددة فإذا استطال زمن الاستيلاء، وصار ممتداً دون قيد، انقلب عدواناً على الملكية الخاصة التى كفل الدستور صونها بعناصرها جميعا، ويندرج تحتها استعمال واستغلال المالك للشئ فى كل الأغراض التى أعد لها، جنياً لثماره بل أن أثر هذا النوع من الاستيلاء لا يقتصر على تعطيل هذين العنصرين اللذين لا يتصور بقاء حق الملكية كاملاً بدونهما، بل يتعداه إلى إنهاء فرص التعامل فى الأموال المستولى عليها بعد إنحدار قيمتها، وهو ما يعتبر عدواناً عليها، وإخلالاً بحرية التعاقد التى يندرج مفهومها تحت الحرية الشخصية التى صانها الدستور، مرتقياً بها إلى مدارج الحقوق الطبيعية ، ونكولاً – فوق هذا – عن ضوابط الشرعية الدستورية التى يجب أن تلتزمها الدولة القانونية فى أعمالها وتصرفاتها.
ثانيها: أن تجريد من يملكون من ملكيتهم، لايجوز إلا وفقاً للأحكام التى نظمها قانون نزع الملكية . ولئن جاز الاستيلاء استثناء على أموال تراها وزارة التعليم لازمة لها أو لمعاهدها، إلا أن ابتلاع القاعدة من خلال مستثنياتها غير متصور، بل يتعين أن تفرض القاعدة العامة وجودها وألا يفسرالاستثناء منها إلا فى أضيق الحدود وكان ينبغى على وزارة التعليم أن تبادر من تلقاء نفسها إلى التخلى عن الفيلا المتنازع عليها والأرض التى تحيطها بعد تعذر اتفاقها مع أصحابها على قيمة يقبلونها للنزول عنها، أو أن تتخذ بمبادرة منها إجراءات نزع ملكيتها.
ثالثها: أن النص فى قوانين إيجار الأماكن على اعتبار الأماكن المستولى عليها مؤجرة للجهات التى تقرر الاستيلاء لصالحها، يفيد بالضرورة أن يكون الاستيلاء عليها موقوتاً بعد أن استثنتها هذه القوانين من الأحكام التى فرضتها فى شأن مقدار الأجرة وامتداد الإجارة امتداداً قانونياً بعد انتهاء مدتها ولا يتصور بعدئذ أن يكون الاستيلاء غير مقيد بزمن معين، ولا أن يخل بالتوازن المفترض فى شأن علائق إيجارية قوامها الإرادة ، لاسيما وأن من غير الجائز أن تمتد القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية ، إلى الدائرة التى اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لهذا الحق، وإلا كان إبطالها لازماً.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتحقق ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التى تقوم عليها الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان القانون المطعون عليه رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥، قد تضمن مادتين فصلتا الأحكام الموضوعية التى انتظمها، تخول أولاهما وزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على العقارات الخالية اللازمة لوزارة التعليم ومعاهدها، والجهات التى تعاونها فى أداء رسالتها. وتنص ثانيتهما على إلغاء القانون رقم ٧٦ لسنة ١٩٤٧ السابق عليه؛ وكان الاستيلاء قد صار – وعملا بنص المادة الأولى من القانون اللاحق – ممتداً إلى غير حد، بعد أن كان موقوتاً وفقاً لنص المادة الثانية من القانون الملغى ، فإن مصلحة المدعية تنحصر فى الطعن على المادة الأولى من القانون الجديد، دون غيرها من الأحكام التى تضمنها هذا القانون.
وحيث إن التنظيم العام لسلطة الاستيلاء المؤقت على العقار، تقرر من خلال قانونين هما القانون رقم ٥٧٧ لسنة ١٩٥٤ والقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٩٠ بشأن نزع الملكية ، وقد حدد أولهما مدة الاستيلاء بما لايجاوز سنين ثلاثا، يبدأ سريانها من تاريخ الاستيلاء الفعلى على العقار، على أن يعود بعد انتهائها إلى أصحابه بالحالة التى كان عليها عند الاستيلاء ولا يجوز مد هذه المدة إلا عند الضرورة ، وباتفاق ذوى الشأن على المدة الزائدة ، فإذا صار هذا الاتفاق متعذراً، تعين قبل انقضاء المدة الأصلية بوقت ملائم، أن تتخذ الجهة الإدارية
الإجراءات
التى يقتضيها نزع ملكية العقار. وقد اعتنق ثانيهما هذه القواعد ذاتها باستثناء أن مدة الاستيلاء تعتبر منتهية بانتهاء الأغراض التى توخاها، أو بمضى ثلاث سنين من تاريخ الاستيلاء الفعلى أيهما أقرب.
وحيث إن ماتقدم مؤداه: أن هذا التنظيم العام لسلطة الاستيلاء على العقار – حتى مع قيام حالة الضرورة الملجئة التى تسوغ مباشرتها – يعارض استمرار آثارها إلى غير حد، ويجعل توقيتها شرطاً جوهرياً لازماً لممارستها، فلا يكون تراميها فى الزمان ملتئماً مع طبيعتها، بل منافياً للأصل فيها، كافلاً عملاً نزع ملكية الأموال محلها بغير الوسائل التى رسمها القانون لهذا الغرض.
بيد أن القانون المطعون فيه نقض هذا الأصل فى شأن العقارات التى تحتاجها وزارة التعليم ومعاهدها أو الجهات التى تعاونها فى أداء رسالتها، مخولاً وزير التعليم سلطة الاستيلاء عليها دون تقيد بزمن معين، ومفصحاً عن هذا الاتجاه من خلال إلغاء القانون السابق عليه – وهو القانون رقم ٧٦ لسنة ١٩٤٧ – الذى جعل مدة الاستيلاء غايتها سنة واحدة لا يجوز تجديدها إلا بعد تجديد العمل بهذا القانون، وناعياً على هذا التحديد افتقاره إلى المرونة الكافية التى تقتضيها الضرورة العملية التى تسوغ الاستيلاء.
وحيث إن ما ذهبت اليه هيئة قضايا الدولة من ان القانون المطعون فيه قد صدر متضمناً تنظيماً خاصاً لسلطة الاستيلاء التى يباشرها وزير التعليم، فإن هذا التنظيم لايكون مُقَيداً بالإطار العام لهذه السلطة محدداً على ضوء الأحكام التى أو ردها فى شأنها القانونان رقما ٥٧٧ لسنة ١٩٥٤ و ١٠ لسنة ١٩٩٠ على التوالى ، ذلك أن كل تنظيم عام لا يقيد القواعد القانونية التى تضمنها تنظيم خاص، ولا يعتبر محدداً لمجال تطبيقها أو معدلاً لها، وإنما يقتصر أثره على تكملتها فيما لا نص عليه فيها.
وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن القانون المطعون فيه يعيد تنظيم الملكية الخاصة فى إطار وظيفتها الاجتماعية ، ودون إخلال بالضوابط التى فرضها الدستور فى شأنها، مردود أولاً: بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدولة القانونية – وفقاً لنص المادتين (٦٤، ٦٥) من الدستور – هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها بقواعد قانونية تعلو عليها، وتكون ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها بأشكالها المختلفة ؛ وكان خضوعها للقانون على هذا النحو، يقتضيها ألا يكون الاستيلاء على أموال بذواتها منتهياً إلى نزع ملكيتها جبراً عن أصحابها، وهو يكون كذلك إذا كان ممتداً إلى غير حد، معطلاً حقهم فى الحصول على التعويض كاملاً عنها بقدر قيمتها، ومؤدياً عملاً إلى تقويض دعائمها، فلايكون انتفاعهم بها ممكناً، وكان الاستيلاء لا يعتبر بديلاً عن نزع الملكية ، ولا موازياً لتجريد أصحابها منها، أو معادلاً فى أثره لزوالها عنهم، إلا إذا استطال زمنا ينفلت به عن حدود الدائرة التى كان ينبغى أن يعمل فيها، فإن التقيد بنطاقها يكون – من الناحية الدستورية – لازماً.
ومردود ثانياً: بأن الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة فى إطار وظيفتها الاجتماعية ، تفترض ألا ترهق القيود التى يفرضها المشرع عليها جوهر بنيانها، وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها، وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية ؛ وكان الاستيلاء نهائياً على أموال بذواتها لايصون حرمتها، ولو ظل سند ملكيتها بيد أصحابها؛ وكان القانون المطعون فيه قد أطلق زمن الاستيلاء من كل قيد، وصار بالتالى ممتداً دون حد، مالم تقرر الجهة الإدارية بنفسها رد الأموال المستولى عليها لأصحابها؛ وكان صون الملكية الخاصة وإعاقتها لايجتمعان، فإن هدم بنيانها من خلال قيود ترهقها مع استمرارها دون مبرر، يكون افتئاتاً عليها، منافياً للحق فيها.
وحيث إن ما تنص عليه قوانين إيجار الأماكن على تعاقبها – بدءً بالقانون رقم ١٢١ لسنة ١٩٤٧ وانتهاء بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر – من أن الأماكن الصادرة فى شأنها قرارات استيلاء تعتبر مؤجرة إلى الجهات التى تم الاستيلاء لصالحها، مؤداه: أن يقوم قرار الاستيلاء مقام عقد الإيجار، خلافاً للأصل فى القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن التى يقتصر مجال سريانها على العلائق الإيجارية التى أنشأتها إرادة أطرافها، وبافتراض صحتها إلى حين انتهاء مدتها قانوناً؛ وكان هذا الاستيلاء، وإن توخى أصلاً تحقيق أغراض تقتضيها الضرورة ، كاستيلاء وزارة التعليم على الدور اللازمة للمدارس، إلا أن هذه الضرورة ينبغى أن تقدر بقدرها، فلا يكون الاستيلاء إلا مقيداً زمناً، ومقابل تعويض عادل، وبشرط أن تُرد الأموال المستولى عليها إلى أصحابها – خالية مما يثقلها – بعد انتهاء مدة محددة يكون زمنها مرتبطاً باعتدالها، فلا يقوم قرار الاستيلاء على أموال بذاتها صحيحاً إذا ظل نفاذه متراخياً دون ضابط، أو صدر مقيداً بزمن محدود، ولكن دون ما ضرورة تقتضيه، بل كان انحيازاً من الجهة الإدارية لعسفها، أو خياراً غير مبرر من جانبها. ذلك أن حرية التعاقد هى الأصل فى العقود جميعها، فلا تنشئها إلا الإرادة الواعية ، وهى كذلك تقضيها، ولا يتصور أن تخلى هذه الحرية مكانها لإجراء ينال منها أو يقوضها، مالم يكن كافلاً لمصلحة مشروعة تربو عليها.
وحيث إن نزع ملكية بعض الأموال، وإن كان يفترض تعطيل وظائفها بإخراجها من حوزة أصحابها؛ وكان من المقرر أنه لايجوز لجهة الإدارة أن تعيد تنظيم نطاق المصالح التى يحميها حق الملكية إلا وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى الدستور، ولا أن تنال دون مقتض من هذا الحق من خلال سلطاتها البوليسية ؛ وكان ثابتاً كذلك أن الملكية فى ذاتها لايجوز أن يؤول أمرها إلى زوال تبعاً لثقل القيود التى تفرض عليها، وتتابعها وامتدادها زمناً، فلا يبقى من منافعها شيئاً ذا قيمة ، فقد غدا لازماً توكيد أن الملكية وإن كان يجوز تنظيمها، إلا أن هذه السلطة التنظيمية لا يجوز أن تجاوز بمداها الحدود اللازمة لضبطها، وإلا اعتبر إطلاقها من عقالها، وتجردها من كوابحها، أخذاً للملكية من أصحابها. ولئن كان هذا المعيار العام مرناً لا يتضمن حصراً لصورتطبيقه، إلا أن من البدهى أن ما يعتبر اقتحاماً مادياً ودائماً للملكية ، لا يخرج عن أن يكون اعتصاراً لمحتواها. وكذلك الأمر كلما كان التنظيم التشريعى لحق الملكية حائلاً دون استعمالها اقتصادياً فى الأغراض المقصودة منها، أو معطلاً كل خيار لأصحابها فى توجيهها إنتاجياً وفق ما يقدرون أكفل لمصالحهم. ولايجوز أن يقال عندئذ بأن للدولة مصلحة مشروعة فى هذا التنظيم، من خلال ترتيبها لأوضاع تتصل بتطوير مجتمعها،واستثارة ملامحها الإيجابية ، ذلك أن مشروعية المصلحة حدها قواعد الدستور، إذ هى مدخلها وقاعدة بنيانها، ولا يتصور أن تقوم المصلحة على خلافها، وما الملكية إلا المزايا التى تنتجها وتتصل بها، فإذا انقض المشرع عليها، كان ذلك تجريداً لأصحابها منها.
وحيث إن البين من النصوص التى تضمنها القانون المطعون فيه، أن الاستيلاء وفقاً للأحكام التى تضمنتها مادته الأولى ، ليس موقوتاً، بل متراخياً إلى غير حد، وموكولاً انتهاؤه إلى السلطة التقديرية لوزير التعليم، فلا يبقى من الأموال التى يرد عليها شئ من منافعها، بل تخرج بتمامها من السلطة الفعلية لأصحابها، مع حرمانهم من كل فائدة اقتصادية يمكن أن تعود عليهم منها، وبما يعطل وظائفها عملاً. وهو ما يعدل – فى الآثار التى يرتبها – نزع الملكية من أصحابها دون تعويض، وفى غير الأحوال التى نص عليها القانون، وبعيداً عن القواعد الإجرائية التى رسمها، بما يعتبر غصباً لها يحيل أصلها عدماً. بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صور العدوان عليها، لاتخاذه الشرعية ثوباً وإطاراً، وإنحرافه عنها قصداً ومعنى ،
فلا تكون الملكية التى كفل الدستور صونها إلا سراباً أو وهماً.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون نص المادة الأولى من القانون المطعون فيه مخالفاً لأحكام المواد (٣٢، ٣٤، ٦٤، ٦٥) من الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥ بتخويل وزير التعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى