حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٨ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٨ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ٢٧ – ١١ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية البند ١٣ من المادة الاولى من القانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة وسقوط المادة ١٥ من اللائحة التنفيذية

الحكم

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ١٥ نوفمبر سنة ١٩٩٧ الموافق ١٥ رجب سنة ١٤١٨ ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير ومحمد على سيف الدين
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٥٨ لسنة ١٧ قضائية دستورية •
المقامة من

شركة النيل العامة للنقل البرى
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد / وزير المالية
٤ – السيد المستشار / النائب العام
الإجراءات

فى الأول من أكتوبر سنة ١٩٩٥، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلباً للحكم بعدم دستورية المادة (١٥) من قرار وزير المالية رقم ٧٦ لسنة ١٩٨٦ بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة المعدل بالقانون رقم ٥ لسنة ١٩٨٦ فيما قضت به من سريان رسم التنمية على حصيلة بيع العقارات بالمزاد.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين خلصت فى ختامهما إلى طلب الحكم أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ، واحتياطياً: بعدم قبولها ومن باب الاحتياط الكلى برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث أن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم ٤٣٦٤ لسنة ١٩٩٥. مدنى كلى الإسكندرية ضد المدعى عليه الثالث وآخر طالبة الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا لها مبلغ مائة وعشرة آلاف جنيه قيمة ما دفعته بدون وجه حق كرسم تنمية بواقع ٥% من قيمة بيع عقار مملوك لها بطريق المزاد إعمالاً لنص المادة (١٥) من قرار وزير المالية رقم ٧٦ لسنة ١٩٨٦ بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة المعدل بالقانون رقم ٥ لسنة ١٩٨٦. وأثناء نظر تلك الدعوى دفعت المدعية بعدم دستورية هذا النص؛ وقدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت لها برفع الدعوى الدستورية ؛ فأقامت الدعوى الماثلة .
وحيث أن المادة (١٥) من اللائحة التنفيذية لقانون فرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة الصادرة بقرار وزير المالية رقم ٧٦ لسنة ١٩٨٦ – المطعون عليها – تنص على أن:
يسرى رسم التنمية المفروض بالبند رقم (١٣) من المادة الأولى من القانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ المعدل بالقانون رقم ٥ لسنة ١٩٨٦ على جميع حالات البيع بالمزاد سواء كان بيعاً اختيارياً أو قضائياً أو إدارياً؛ وسواء تعلق البيع بعقار أو بمنقول أو بحقوق معنوية .
ويكون الرسم بواقع ٥% من ثمن البيع؛ ويلتزم به البائع، ويستحق الرسم فور رسو المزاد؛ ويتم تحصيل وتوريد الرسم وفقاً للقواعد الواردة فى المواد التالية .
وحيث أن المدعية تنعى على نص المادة (١٥) من اللائحة التنفيذية المطعون عليها، أنه فرض رسم تنمية على بيع أى عقار أو منقول بالمزاد فى الوقت الذى قررت فيه الفقرة الثالثة من المادة الثانية من القانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة ، عدم سريان هذا الرسم على التصرفات العقارية المنصوص عليها فى المادة (١٩) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم ١٥٧ لسنة ١٩٨١، بما مؤداه: خضوع أنواع من التصرفات العقارية للضريبة المفروضة عليها بمقتضى قانون الضرائب على الدخل، وإعفائها بالتالى من رسم التنمية توقياً لإزدواج ضريبى .
بل أن النص المطعون فيه لم يقتصر على تنفيذ حكم البند (١٣) من قانون تنمية الموارد المالية للدولة ، وإنما جعل سريان هذا الرسم شاملا لكل بيع بالمزاد، سواء تعلق بمنقول أو بعقار أو بحقوق معنوية ، وسواء كان هذا البيع اختيارياً أو قضائياً أو إدارياً، وهو ما يعد نسخا لحكم البند (١٣) من هذا القانون الذى اكتفى بفرض رسم تنمية بمقدار ٥% من قيمة البيوع التى تتم عن طريق المزاد؛ وإهداراً لحقيقة أن هذه البيوع من التصرفات القانونية التى كان ينبغى إخضاعها لضريبة واحدة ، هى تلك المنصوص عليها بقانون الضرائب على الدخل.
هذا فضلا عن تعارض النص المطعون فيه وحكم المادة (٣٨) من الدستور التى تقيم النظام الضريبى على أساس من العدالة الاجتماعية ، تقديراً بأن جباية الأموال فى ذاتها، لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور.
وحيث أن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص القانونية المطعون عليها، لا تحول بينها ورد هذه النصوص إلى الأصول التى أنبتتها كلما آل إبطالها إلى زوال ما تفرع عنها واتصل بها اتصال قرار؛ وكان ذلك مؤداه: أن الفصل فى المسائل الدستورية لا يجوز أن يكون محلقاً حول أسوارها، من حصراً فى بعض جوانبها أو جزئياتها، بل محيطاً بأصولها وفروعها، نافذاً إلى أعماقها؛ ومحدداً على ضوئها – وبالنظر إليها فى مجموعها – موضوع الخصومة الدستورية ، ونطاق المصلحة فيها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد صدر تنفيذاً لحكم البند (١٣) من قانون تنمية الموارد المالية للدولة ، وفى حدود السلطة التى خولها هذا القانون لوزير المالية ، فإنه يغدو مرتبطاً عضوياً بهذا البند، فلا ينعزل عن الأحكام التى تضمنها باعتباره مُفَصِّلا مجملها.
ولا يجوز بالتالى قصر الدعوى الدستورية الماثلة على النص المطعون فيه بها، بل يكون نطاقها مشتملا بالضرورة على أصل القاعدة التى تفرع هذا النص عنها ممثلة فى اتخاذ البيع بالمزاد وعاء لضريبة التنمية التى فرضها هذا القانون فى شأن هذا النوع من البيوع دون غيرها.
وحيث أن البت فى اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى الدستورية سابق بالضرورة على بحثها لشروط قبولها، وكلاهما سابق على خوضها فى موضوعها، وتواجههما المحكمة من تلقاء نفسها. إذ لا يجوز أن تفصل فى خصومة تنحسر عنها ولايتها؛ واختصاصها بنظرها لا يمنعها من الاستيثاق من توافر شروط اتصالها بها وفقاً لقانونها؛ فلا يكون مدخلها للفصل فى موضوعها إلا تالياً لانعقاد ولايتها بنظرها، ثم توافر شروط قبولها.
وحيث أن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى الماثلة تأسيساً على أن مناعى المدعية فى شأن النص المطعون فيه تتعلق جميعها بمخالفته لقانون تنمية الموارد المالية للدولة ، فلا يكون ما اعتراه من عوار متصلا بدستوريته، بل بمشروعيته.
وحيث أن هذا الدفع مردود، أولاً: بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الولاية التى تباشرها فى مجال الرقابة على الدستورية ، إنما تتعلق بالنصوص القانونية أياً كان محلها أو موضعها أو نطاق تطبيقها أو السلطة التى أقرتها أو أصدرتها، وأن غايتها رد النصوص القانونية المطعون عليها إلى أحكام الدستور، تثبتاً من اتفاقها أو تعارضها معها.
ومردود ثانياً: بأن المحكمة لا تتناول بقضائها مسائل دستورية طرح أمرها عليها إلا إذا كان فصلها فيها لازماً. ولا كذلك أن تكون النصوص المطعون عليها قد أصابها عوار مخالفتها لقانون قائم، إذ يعتبر عيبها عندئذ متعلقاً بمشروعيتها، كافياً وحده لطلب إلغائها أمام جهة القضاء الإدارى ، فلا تقوم مع وجوده مصلحة فى الفصل فى دستوريتها.
ولا يثير النص المطعون فيه مسائل دستورية يمكن تجنبها، فقد صدر تنفيذاً لقانون قائم، مفصلا قاعدة أجملها بما لا خروج فيه عليها، فلا يكون إلا موافقاً لهذا القانون، ومشروعاً بالتالى .
وحيث أن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى الماثلة بقالة خلو صحيفتها من بيان النص الدستورى المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفة عملاً بالمادة (٣٠) من قانون هذه المحكمة ، مردود أولاً: بأن المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته لقواعد العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى وفقاً لنص المادة (٣٨) من الدستور، وهو ما يفيد ادعاءها مجافاة الضريبة المطعون عليها لتلك القيم التى لا ينهض العدل – محدداً من منظور اجتماعى – بعيداً عنها.
ومردود ثانياً: بأنه كلما كان موضوع الخصومة الدستورية متعلقاً بدستورية ضريبة فرضها المشرع، فإن نصوص الدستور التى تنظم قوالبها الشكلية ، وكذلك تلك التى تتعلق بأسسها الموضوعية ، تعتبر جميعها – بكامل مشتملاتها – مثارة فى تلك الخصومة ، فلا تنفصل عنها.
ومردود ثالثاً: بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن قانونها وإن تطلب أن تتضمن صحيفة الدعوى الدستورية بياناً بأوجه مخالفة النصوص المطعون عليها لأحكام الدستور تحديداً لمواقع بطلانها، إلا أن ذلك لا يفيد بالضرورة أن يكون عرضها لمناحى مخالفتها للدستور مباشراً، وإنما يكفى أن يكون تعيينها غير مباشر، من خلال نظرة كلية تحيط بعناصر النزاع فى مجموعها، مع ربطها بالخصومة الدستورية من جهة مقاصدها، وما دار من جدل حول موضوعها.
وحيث أن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً وبصفة نهائية من المكلفين بها، لا يملكون التنصل من أدائها باعتبار أن حصيلتها تُعينها على النهوض بخدماتها ومهامها التى يفيد مواطنوها منها بوجه عام، فلا تكون الضريبة التى يتحملون بها إلا إسهاماً منطقياً من جانبهم فى تمويل أعبائها، ولا تقابلها بالتالى خدمة بذاتها أدتها مباشرة لأحدهم. وذلك على نقيض رسومها التى لا تقتضيها من أيهم إلا بمناسبة عمل أو أعمال محددة بذاتها أتتها بعد طلبها منها، فلا يكون حصولها على مقابل يناسبها – وإن لم يكن بقدر تكلفتها – إلا جزاءً عادلاً عنها، ومن ثم تكون هذه الأعمال مناط فرضها، وبما يوازيها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الرسم المقرر على عمليات البيع بالمزاد على اختلافها، وأيا كان محلها، لا يقابل جهداً محدداً بذل لمصلحة من يروجون لها، أو يقومون بإجرائها، أو يحصلون على ناتجها، فإنه ينحل فى صحيح حكم القانون، إلى ضريبة عامة لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية بذاتها ينحصر المخاطبون بها فى دائرتها، ولكنها تمتد إلى النطاق الإقليمى للدولة ، بكل الأجزاء التى يشتمل عليها، فلا يكون تحقق الواقعة التى أنشأتها – فى أى منها – إلا مرتباً لدينها فى ذمة الممول، وكافلاً تكافؤ المخاطبين بها فى مجال الخضوع لها.
وحيث أن السلطة التشريعية هى التى تنظم أوضاع الضريبة العامة بقانون يصدر عنها – على ما تقضى به المادة (١١٩) من الدستور – يكون متضمناً تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عن توريدها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وضوابط تقادمها، وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون.
وحيث أن صدور قانون فى شأن الضريبة العامة يكون محيطاً بجوانبها عدا الإعفاء منها ويعتبر مصدراً مباشراً لها، إنما يتصل بأوضاعها الشكلية التى ينبغى إفراغها فيها. ولا يفترض بالضرورة توافر أسسها الموضوعية التى ترد عنها تحيفها من خلال علاقة منطقية يوازن بها المشرع بين اتجاه الدولة أو سعيها لتنمية مواردها نهوضاً بأعبائها، وبين حق المخاطبين بها فى تقرير معدلها وشروط اقتضائها وفق ضوابط تتهيأ بها للعدالة الاجتماعية – وهى قاعدة نظامها – أسبابها.
وحيث أن ما تقدم مؤداه: أن إقرار السلطة التشريعية لقانون الضريبة العامة ، لا يحول دون مباشرة هذه المحكمة لرقابتها فى شأن توافر الشروط الموضوعية لعناصر بنيانها، وذلك بالنظر إلى خطورة الآثار التى تحدثها هذه الضريبة ، وعلى الأخص من زاوية اتصالها بمظاهر الانكماش أو الانتعاش وتأثيرها على فرص الاستثمار والادخار والعمل وحدود الإنفاق، فلا تنحسر رقابتها بالتالى فى شأن الضريبة التى فرضها المشرع، عن الواقعة القانونية التى أنشأتها، وقوامها صلة منطقية بين شخص محدد يعتبر ملتزماً بها، والمال المتخذ وعاء لها مُتَحِّملا بعبئها.
وهذه الصلة هى التى لا تنهض الضريبة بتخلفها سوية على قدميها. وتتحراها هذه المحكمة لضمان أن يظل إطارها مرتبطاً بما ينبغى أن يقيمها على حقائق العدل الاجتماعى مُحَدَّدِ مضمونها وغاياتها على ضوء القيم التى احتضنها الدستور، ويندرج تحتها ضرورة أن تكون صور الدخل على اختلافها – أيا كان مصدرها – وباعتباره إيرادا مضافاً إلى رؤوس الأموال التى أنتجتها، وعاء أساسيا للضريبة ، كافلا عدالتها وموضوعيتها، ومرتبطا بالمقدرة التكليفية لمموليها، فلا ينال اتخاذ الدخل قاعدة لها، من رؤوس الأموال فى ذاتها بما يؤول إلى تآكلها أو يحول دون تراكمها، بل تظل قدراتها فى مجال التنمية ، باقية مصادرها، متجددة روافدها.
كذلك فإن المشرع وإن توخى أصلاً بالضريبة التى يفرضها، أن يدبر من خلالها موارد مالية لأشخاص القانون العام يقتضيها إشباعها لنفقاتها، إلا أن طلبها هذه الموارد، لا يجوز أن يكون توجهاً نهماً مؤثرا فى بنيان الضريبة ، محدداً أسسها وضوابطها؛ عاصفا بحقوق الملكية التى تتصل بها بما ينال من أصلها، أو يفقدها مقوماتها، أو يفصل عنها بعض أجزائها، أو يقيد من نطاق الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . وهو مايعنى أن أغراض الجباية وحدها لا تعتبر هدفاً يحدد للضريبة مسارها، ولا يجوز أن تهيمن على تشكيل ملامحها. فذلك مما لا يحميه الدستور، وعلى الأخص كلما كان عبؤها فادحاً يحيل أمرها عسراً.
وحيث أن فرض رسم تنمية على البيع بالمزاد، لم يكن مقرراً بمقتضى القانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة ، ولكنه صار كذلك عملاً بالمادة الأولى من القانون رقم ٥ لسنة ١٩٨٦ بتعديل بعض أحكام القانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ المشار إليه، والتى توخى المشرع بها – وعلى ما جاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الخطة والموازنة ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية – المضى قدماً فى تصحيح مسار الدولة اقتصادياً ومالياً بالنظر إلى الأوضاع التى يمر بها الوطن، والناشئة عن انخفاض الإيرادات الجارية من العملات الحرة بسبب الهبوط الشديد والمفاجئ فى أسعار الصادرات البترولية وانخفاض عائدات قناة السويس والسياحة .
وحيث أن البند (١٣) المضاف بمقتضى القانون رقم ٥ لسنة ١٩٨٦ إلى المادة الأولى من القانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ المشار إليهما، يقضى بأن يفرض على البيع بالمزاد ٥% من قيمة البيع يلزم بها البائع. وعملا بقرار وزير المالية رقم ٧٦ لسنة ١٩٨٦ باللائحة التنفيذية لهذا القانون، يسرى رسم التنمية المفروض بالبند (١٣) من المادة الأولى منه، على جميع عمليات البيع بالمزاد، سواء أكان بيعاً اختيارياً أو قضائياً أو إدارياً.
وحيث أن البيع بالمزاد لا يفارق فى طبيعته، غيره من البيوع، وكان ينبغى بالتالى أن يعامل باعتباره من جنسها ومشمولاً بحكمها، فلا يقوم تمييز يفرده دونها برسم التنمية . والقول بأن البيوع بالمزاد تكفل للأموال محلها أعلى الأسعار من خلال الإعلان عنها والترويج لها والإغراء بها، مردود أولاً: بأن العروض الأفضل تفترض زيادة فى قيمة الأموال التى تتعلق بها، عن ثمنها عند تلقيها. وهو اعتبار لا ينحصر فى البيوع التى أخضعها المشرع دون غيرها لضريبة التنمية .
ومردود ثانياً: بأن ضريبة التنمية المطعون عليها تتناول قيمة البيوع التى أسفر المزاد عنها، ومن ثم تكون هذه القيمة وعاء لتلك الضريبة . وإسناد الضريبة إلى هذه القيمة – وسواء كانت تعبر عن زيادة أو نقص فى القيمة الأصلية للمبيع – كان يقتضى انسحابها إلى كل بيع سواء تم بالمزاد أو عن غير هذا الطريق.
ومردود ثالثاً: بأن البيوع بالمزاد لا تبلور دائما فائضاً مضافاً إلى القيمة الأصلية للأموال موضوعها، ذلك أن منها ما يكون اضطرارياً يتم فى وقت غير ملائم، فلايكون بيعها مواتياً. وقد تدار هذه البيوع قضائياً أو إدارياً فلا يكون للقائمين على إجرائها مصلحة مباشرة فى اقتضاء ثمن عادل لها. وعندئذ لا تكون الضريبة التى فرضها المشرع إلا عبئاً ينال من رؤوس الأموال ذاتها من خلال اقتطاعها لبعض أجزائها، وهو ما يخرج بهذه الضريبة عن وظيفتها الأساسية بوصفها إسهاما منطقياً من الملتزمين بها – كل بقدر سعته – فى النهوض بالأعباء التى يقتضيها تسيير وتنظيم وتطوير المرافق العامة ، وكذلك إحداثها.
ومردود رابعاً: بأن العدل – وباعتباره قيمة مثلى – لا يعدو أن يكون مفهوماً مجرداً. بيد أن العدل من منظور اجتماعى إنما يتحدد على ضوء القيم التى ارتضتها الجماعة خلال زمن معين، وكان تقيدها بها مهيمناً على مظاهر سلوكها تعبيراً من جانبها عن أكثر المصالح توافقاً مع الضمير الجماعى لأفرادها، فلا يكون القبول بها، إلا حلاً ملائماً لتنازع توجهاتهم وتعارضها. ولئن جاز القول بأن تلك القيم لا تعنى شيئاً ثابتاً باطراد، وأن معانيها وغاياتها تتباين تبعاً لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها، وكان لا يجوز على ضوء ما قد يقع من تعارض بين حقائق العدالة الاجتماعية ومتطلباتها العملية ، أن يكون تصورها ذاتيا، ولا أن تكون دائرة تطبيقها منغلقة على نفسها، إلا أن القيم التى يحتضنها العدل – محدداً من منظور اجتماعى – تظل نتاج الخبرة التى صهرها العقل الجمعى ، فلا يلتمس المشرع طريقها بعيداً عما يراه الأفراد فى مجموعهم حقاً وإنصافاً.
ولا يسوغ فى إطار مفهوم الدستور للعدالة الاجتماعية التى جعلها قيداً على بنيان الضريبة بكل العناصر التى يشتمل عليها، أن يتمثل هدفها فى مجرد اجتناء حصيلتها لتغطية عجز قائم، فلايكون اختيار المشرع لأموال بذواتها متخذاً منها وعاءً ضريبياً، موجها بغير الأغراض المالية التى تتحرر بطبيعتها من كل قيد عليها؛ فلا تكون وطأتها إلا إهداراً للحق فى أن تتحدد موازين الضريبة وضوابطها وفق أسس موضوعية ، تكون حيدتها ضماناً لاعتدالها، وإنصافها نافياً جورها، فلا يقيمها المشرع إنحرافاً بها عن صحيح بنيانها.
ومردود خامساً: بأن النص المطعون فيه يفترض أن البيوع بالمزاد دون غيرها من البيوع التى تتم بطريق آخر، وكذلك دون غيرها من صور التعامل التى تخرج بها بعض الأموال بعوض من ذمة أصحابها إلى غيرهم، هى وحدها التى تنتج ربحاً صافياً يجوز أن يكون محلا لضريبة التنمية ، وهو افتراض لا يستقيم عقلا، ومؤداه أن يكون هذا الإيراد – وباعتباره مضافاً إلى أصول قيم الأموال التى تعلق بها – محققاً، من حصراً فى البيوع بالمزاد دون غيرها، قائماً بها فى كل أحوالها وظروفها، وهو ما لا دليل عليه. ولئن جاز القول بأن ضريبة التنمية التى فرضها المشرع على البيوع بالمزاد، أيسر من غيرها فى مجال متابعتها وربطها وتحصيلها، إلا أن هذا الاعتبار وحده لا يقيمها على أساس من الدستور.
ومردود سادساً: بأن التصرفات العقارية المنصوص عليها فى المادة (١٩) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم ١٥٧ لسنة ١٩٨١، وإن أخرجتها الفقرة الثالثة من المادة الثانية من القانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤المشار إليه من نطاق سريان ضريبة التنمية المنصوص عليها فى البند (١) من مادته الأولى ، إلا أن هذا القانون فرض على البيوع بالمزاد – وبافتراض تحقيقها لأرباح شأنها فى ذلك شأن غيرها من التصرفات القانونية المنصوص عليها فى المادة (١٩) من قانون الضرائب على الدخل – ضريبة التنمية التى نص عليها فى البند (١٣)، متبنياً بذلك تمييزاً جائراً بين أشكال من التعامل لا تفصلها حدود واضحة عن بعضها البعض، فلا تظهر الضريبة التى فرضها على هذه البيوع، إلا شائهة عصية على توفيقها مع أحكام الدستور.
وحيث إنه متى كان ما تقدم فإن ضريبة التنمية التى فرضها المشرع على البيوع بالمزاد تكون مخالفة لأحكام المواد (٣٢، ٣٤، ٣٨، ٤٠) من الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم دستورية البند (١٣) من المادة الأولى من القانون رقم ١٤٧ لسنة ١٩٨٤ بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة .
ثانياً: بسقوط نص المادة (١٥) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير المالية رقم ٧٦ لسنة ١٩٨٦ مع الأحكام الأخرى المرتبطة بها والتى تضمنتها المواد (١٦، ١٧، ١٨، ١٩) من هذه اللائحة .
ثالثاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى