حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٠ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٠ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٦ – ٠٥ – ١٩٩٦

منطوق الحكم : عدم قبول دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم قبول دعوى طلب الحكم بوقف تنفيذ القانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥ الصادر بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات و الاجراءات الجنائية

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٤ مايو ١٩٩٦ الموافق ١٦ ذو الحجة ١٤١٦هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٤٠ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

الأستاذ عبد الحليم رمضان المحامى
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الشعب
٣ – السيد / رئيس مجلس الشورى
٤ – السيد الدكتور / رئيس مجلس الوزراء
الإجراءات

بتاريخ ٥ يونية ١٩٩٥ أقام المدعى الدعوى الماثلة بصحيفة أودعها قلم كتاب هذه المحكمة بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥ الصادر بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات و
الإجراءات
الجنائية ، والقانون رقم ٧٦ لسنة ١٩٧٠ بشأن نقابة الصحفيين، ثم الحكم بعدم دستوريته، وإلزام المدعى عليهم المصروفات وأتعاب المحاماه·
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيا برفضها·
وقدم المدعى ثلاث مذكرات فى ٢٢ / ١٠ / ١٩٩٥ و ٣ / ٤ / ١٩٩٦ و ٢ / ٥ / ١٩٩٦ على التوالى وصمم فيها جميعا على قبول طلباته بعريضة دعواه·
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها·
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم·
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة ·
حيث إن الوقائع – حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى ينازع بطريق الدعوى الأصلية فى مدى دستورية القانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥، فيما تضمنه من تعديل وإلغاء بعض أحكام قانونى العقوبات و
الإجراءات
الجنائية والقانون رقم ٧٦ لسنة ١٩٧٠ بإنشاء نقابة الصحفيين، فى شأن جرائم النشر التى تقع بواسطة الصحف وغيرها، وإجازة الحبس الاحتياطى على ذمة التحقيق فى هذه الجرائم، بعد أن كان غير جائز بمقتضى نصى المادتين ٦٧ من قانون نقابة الصحفيين والمادة ١٣٥ من قانون
الإجراءات
الجنائية اللتين نص القانون المطعون فيه على إلغائهما، ونعى المدعى على القانون المطعون فيه صدوره بالمخالفة لأحكام الدستور وعلى الأخص تلك المنصوص عليها فى المواد ٧ و٨ و٩ و١٢ و٤١ و٤٧ و٦٧ و٧٩ و٩٠ و١٤٠ و١٥٥ و٢٠٥، قولاً بأن هذا القانون أخل بأصل البراءة المفترض فى كل إنسان، وأجاز الحبس الاحتياطى – فى غير الأحوال المنصوص عليها قانونا – عدواناً على الحرية الشخصية ، ونقض القيم والتقاليد والأخلاق والآداب التى يقوم عليها المجتمع، وأهدر قواعد الشريعة الإسلامية ومبادئها، وأفرط فى التجريم فى نطاق جرائم النشر، وغلظ عقوباتها مفتئتا بذلك على حرية الصحافة والطباعة والنشر، وأعاق حرية النقد، وهو فرع من حرية التعبير، وخالف فى ذلك كله المواثيق الدولية وبوجه خاص العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ·
وحيث إن المدعى يؤسس الحق فى اختصام القانون المطعون فيه عن طريق الدعوى الأصلية ، على دعامتين:
أولاهما: أن الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية تستمد أصلها من المادة ١٧٥ من الدستور التى تقيم
المحكمة الدستورية العليا
بوصفها قاضياً طبيعياً عهد إليه الدستور دون غيره بالفصل فى المسائل الدستورية دون قيد، ولا يجوز بالتالى أن يقيد قانون
المحكمة الدستورية العليا
هذا الإطلاق، بالنصوص التى حدد بها طرائق اتصال الدعوى الدستورية بها، فضلاً عن أن المادتين ٢٧ و٢٩ من هذا القانون لا تمنعانها من قبول منازعة دستورية تطرح مباشرة من أحد المواطنين·
ثانيهما: أن صفة المدعى ومصلحته فى الدعوى الماثلة أساسها دعوى الحسبة التى كفلتها الشريعة الإسلامية لكل مسلم يدعو من خلالها إلى ما يعد معروفاً، ناهيا عما يكون منكراً· وهو واحد منهم باعتباره معنياً بالدفاع عن الحرية ، مشاركاً بقلمه وجهده فى الفكرالوطنى والعمل السياسى ·
وحيث إن طلب المدعى الحكم بوقف تنفيذ القانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥ المطعون عليه إلى حين الفصل فى دستوريته، مردود أولا: بأن النصوص القانونية جميعها – سواء فى ذلك تلك التى أقرتها السلطة التشريعية أو التى أصدرتها السلطة التنفيذية – تعامل دوماً بافتراض صحتها· ولا ينال مجرد الطعن عليها من نفاذها، ولا يجردها بالتالى من قوتها الإلزامية ، بل يظل تطبيقها – فى نطاقها – لازماً منذ العمل بها، فلا يعطل سريانها عائق، ولايُرْجأ إعمالها ليكون متراخياً· ومردود ثانياً: بأن صحتها هذه تستصحبها ولا تزايلها إلا إذا صدر قضاء من
المحكمة الدستورية العليا
بمخالفتها للدستور سواء فى أوضاعها الشكلية ، أو بالنظر إلى مضمونها، ليزول بأثر رجعى – وكأصل عام – ماكان لها من وجود، منذ إقرارها · بما مؤداه أن الفصل فى دستورية النصوص القانونية إما أن يؤكد صحتها على إطلاق، أو يقرر بطلانها على إطلاق، فلا تقع فيما بين صحتها وبطلانها، مرحلة وسطى بين الوجود والعدم يكون نفاذها خلالها موقوفاً، والقول بها ينحل عدوانا على السلطة التشريعية ، ويتمحض كذلك عن إسباغ لاختصاص منتحل على
المحكمة الدستورية العليا
بغير سند من الدستور، أو القانون·
وحيث إن ما ذهب إليه المدعى من أن الطعن فى دستورية النصوص القانونية غير مقيد بشرط المصلحة فى الخصومة الدستورية مردود أولا: بأن الدستور وإن اختص
المحكمة الدستورية العليا
– بنص المادة ١٧٥ – بمباشرة الرقابة القضائية على دستورية القوانين على اختلافها، ليظل جوهر رقابتها ونطاقها بعيداً عن تدخل السلطة التشريعية بعد أن أثبتها لها بنص صريح لا يحتمل تأويلاً؛ وكان ذلك من الدستور إيمانا بخطر الرسالة التى تقوم عليها وعظم تبعاتها، وإدراكا لحقيقة دورها كجهة قضائية أولاها تقويم ما يصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية من أعمال تشريعية تناقض القيود التى فرضها، إلا أن الدستور حرص بنص المادة ١٧٥ ذاتها، على أن يفوض السلطة التشريعية فى أن تنظم كيفية مباشرة
المحكمة الدستورية العليا
لرقابتها هذه، دون أن تنال من محتواها· وفى حدود هذا التفويض، صدر قانون
المحكمة الدستورية العليا
مفصلاً القواعد الإجرائية التى تباشر من خلالها، وعلى ضوئها، رقابتها علي الشرعية الدستورية ، فرسم لاتصال الخصومة الدستورية بها طرائق بذاتها حددتها المادتان ٢٧ و٢٩ من هذا القانون باعتبار أن ولوجها من الأشكال الجوهرية التى ينبغى اتباعها حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية فى إطارها وبمراعاة أحكامها، فلا يتحلل أحد منها·
واستقراء هاتين المادتين يدل على أنهما نبذتا الطعن فى النصوص القانونية بالطريق المباشر، ذلك أن أولاهما تخول
المحكمة الدستورية العليا
أن تُعْمل بنفسها نظرها فى شأن دستورية النصوص القانونية التى تعرض لها بعد اتخاذ
الإجراءات
المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية ، وبذلك يكون تصديها لدستورية هذه النصوص من تلقاء نفسها، طريقا يوازن بين سلطتها هذه، وسلطة محكمة الموضوع فى أن تحيل مباشرة إليها تلك النصوص التى تقدر مخالفتها للدستور·
وعملا بثانيتهما لاتثار دستورية النصوص القانونية إلا من أحد مدخلين، ذلك أن محكمة الموضوع إما أن تمنح خصما أثار أمامها دفعاً بعدم دستورية نص قانونى لازم للفصل فى النزاع المعروض فيها – وبعد تقديرها لجدية مناعيه – أجلا لا يجاوز ثلاثة أشهر يقيم خلالها الخصومة الدستورية أمام
المحكمة الدستورية العليا
، وإما أن تحيل بنفسها إلى
المحكمة الدستورية العليا
دستورية نصوص قانونية يثور لديها شبهة مخالفتها للدستور·
وتفصح هذه الطرائق جميعها عن استبعادها الدعوى الأصلية طريقاً للطعن المباشر فى دستورية النصوص القانونية ، ذلك أن تطبيق المادتين ٢٧ و٢٩ من قانون
المحكمة الدستورية العليا
، يفترض دوماً قيام نزاع أثار مسائل دستورية تتصل بالقاعدة القانونية التى ينبغى إعمالها فى شأنه، ليكون الفصل فى هذه المسائل سابقاً بالضرورة على الفصل فى هذا النزاع، وذلك على خلاف الدعوى الأصلية بعدم الدستورية التى تنفصل المسائل الدستورية التى تطرحها عن أية منازعة موضوعية ، على تقدير أن الغرض المقصود منها، لا يعدو إبطال النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، إبطالا مجرداً ·
ومردود ثانيا: بأن الأصل المقرر بنص المادة الثالثة من قانون المرافعات المدنية رالتجارية ، هو ألا تقبل أية دعوى لا تكون لرافعها فيها مصلحة قائمة يقرها القانون أو مصلحة محتملة – بالشروط التى بينها – وقد أحال قانون
المحكمة الدستورية العليا
بنص مادته الثانية والعشرين إلى أحكام قانون المرافعات جميعها كافلاً سريانها على الدعاوى والطلبات التى تقدم إليها بشرطين: أولهما: ألا يكون قانون المحكمة متضمنا لنص خاص على خلافها، وثانيهما : ألا يكون تطبيقها منافياً لطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها · وكلا الشرطين منتفيان فى نطاق المصلحة الشخصية المباشرة التي يعد توافرها من الشروط الجوهرية التى لا تقبل الدعوى الدستورية فى غيبتهما باعتباره متصلا بالحق فيها، مبلورا فكرة الخصومة القضائية التى تثيرها، مؤكدا حدة التناقض بين مصالح أطرافها، من فصلاً دوما عن مجرد مطابقة النصوص القانونية المطعون عليها للدستور أو مخالفتها لأوامره، ناهياً عن النظر فى المسائل الدستورية التى طرحها خصم عليها من مفهوم مجرد لا يتصل بمصلحة شخصية مباشرة غايتها الحصول على منفعة يقرها القانون ·
ومردود ثالثا: بما جرى عليه قضاء
المحكمة الدستورية العليا
، من أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل
المحكمة الدستورية العليا
فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة · وهو لذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية ، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها، على النزاع الموضوعى · ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً·
فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة · ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها · ولا يتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم، أو نافذة يعرضون من خلالها ألوانا من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة ، أو شكلا للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإثباتها أو نفيها، بل تباشر
المحكمة الدستورية العليا
ولايتها – التى كثيراً ما تؤثر فى حياة الأفراد وحرياتهم وأموالهم – بما يكفل فاعليتها· وشرط ذلك إعما لها عن بصر وبصيرة فلا تقبل عليها اندفاعا، ولا تعرض عنها تراخياً، ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية · بل يجب أن تكون رقابتها ملاذا أخيراً ونهائيا، وأن تدور وجوداً وعدما مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها، ويكون ممكنا إدراكها، لتكون لها ذاتيتها · ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهما أو منتحلا أو مجردا in obstracto أو يقوم على الافتراض conjectural ولايجوز بالتالى أن يقيم المدعى دعواه الدستورية ، ليصون بها – وكأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل إنفاذ تلك الحقوق التى تعود عليه فائدة حمايتها in concreto ·
ومردود رابعا: بأن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، أكثر ما يكون اتصالا بالصلة الحتمية بين الدعويين الموضوعية والدستورية ، وقوامها أن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى مسألة كلية ، أو فرعية يتردد حولها النزاع الموضوعى المرتبط بها·
ومردود خامسا: بأن أحكام الدستور وإن كانت تعلو القواعد الآمرة جميعها، بما يحول قانونا دون الاتفاق على خلافها، إلا أن الاحتجاج بقواعد الدستور من خلال حق التقاضى ، يفترض قيام خصومة قضائية يستنهض بها المدعى القاعدة الدستورية الآمره التى تزاحم تطبيقها مع قاعدة تدنوها، لتغليبها عليها، ولا يتصور أن يتم ذلك إلا إذا كانت تلك الخصومة مستوفية ابتداء لشروط قبولها – وتندرج الصفة والمصلحة تحتها – ذلك أن سمو القاعدة الدستورية واعتلائها موقعا يتسنم القواعد الآمرة ، لا يجوز أن يختلط بالشروط التى يتطلبها المشرع لقبول الخصومة الدستورية التى تستنهضها والتى تتعلق ابتداء وانتهاء بالحق فى الدعوى باعتباره من فصلا عن الحق موضوعها، وهو مايعنى أن القاعدة القانونية التى يطبقها القاضى في النزاع الموضوعى – أيا كان فحواها وبغض النظر عن مرتبتها أو مداها – لا تقيل شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، بل يكون إعمال هذه القاعدة مرتبطا بتوافره·
وحيث إن ما ذهب إليه المدعى من أن لكل مواطن صفة مفترضة فى عرض النصوص القانونية التى يراها مخالفة للدستور على
المحكمة الدستورية العليا
، ومصلحة مفترضة فى طلب إبطالها توكيداً من المواطنين لاحترامهم الدستور، إبراء لذمتهم، لا يعدو أن يكون انتقالا بالرقابة القضائية على الشرعية الدستورية إلى مرحلة لم يبلغها بعد – وكأصل عام – التطور الراهن للتنظيم المقارن لإبعاد هذه الرقابة بالنظر إلى دقتها وخطورة المسائل التى تتناولها· وليس لها كذلك من سند فى قانون
المحكمة الدستورية العليا
· ولئن جاز القول بأن لا يجوز للمحكمة الدستورية العليا أن تعزل نفسها عن إرادة المواطنين فى دفاعهم عن الدستور، وأنها القاضى الطبيعى لكل منازعة دستورية ، إلا أن هذه المحكمة لا تزال مقيدة بقانونها ما ظل قائما·
وحيث إن ما قرره المدعى من أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يعتبر منافيا لقيم الدستور العليا ومن بينها نص المادة ٦٨ التى تكفل لكل مواطن اللجوء إلى قاضيه الطبيعى مردود بأن اقتضاء المشرع شرط المصلحة الشخصية المباشرة تنظيما لحق التقاضى – وبما لا يعطل هذا الحق أو يقيده دون مسوغ – يعتبر واقعا فى نطاق سلطته التقديرية ، وإن تعين أن توازن
المحكمة الدستورية العليا
فى إعمالها لهذا الشرط بين التضييق من مجال رقابتها على الشرعية الدستورية اعتسافا، أوبسطها إفراطا، ليكون موقفها بين ذلك قواما·
وحيث إن المدعى ينازع فى كذلك دستورية نص المادة ٢٩ من قانون
المحكمة الدستورية العليا
بمقولة إخلالها بحق كل مواطن فى اختصام النصوص القانونية من خلال الدعوى الأصلية بعدم الدستورية ، ومخالفتها بالتالى لنصوص المواد ٩ و١٢ و١٦ و٨ و٤٠، ٦٤، ٦٥ و٦٨ و١٦٥ و١٦٦ و١٦٨ من الدستور، وكان شرط المصلحة الشخصية المباشرة – وباعتباره واقعا فى إطار التنظيم التشريعى للخصومة الدستورية بما لا ينال من الحق فيها – لا يخل بمبدأ خضوع الدولة للقانون ولابعلوه عليها، ولا بالتضامن الاجتماعى ، ولا بقيام الأسرة على أساس من الخلق والدين والوطنية ، ولا بمبدأ تكافؤ المواطنين فى فرصهم وتساويهم أمام القانون، ولا بالحق فى التقاضى ، ولا برعاية الأخلاق وحمايتها، ولاباستقلال السلطة القضائية وتنظيم أفرعها وتحديد اختصاصاتها، فإن منعاه هذا يكون فاقدا لسنده·
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المدعى قد أقام الدعوى الماثلة بطلب الحكم بعدم دستورية أحكام القانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥ الصادر بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات و
الإجراءات
الجنائية ، والقانون رقم ٧٦ لسنة ١٩٧٠ بشأن نقابة الصحفيين، وكان ما توخاه بدعواه هذه، هو ألا يكون القانون المطعون فيه نافذاً فى حق المخاطبين بأحكامه، فإن دعواه تلك تنحل إلى نزاع يتناول النصوص المطعون عليها فى ذاتها بقصد إبطال سريانها إبطالا مجردا، وليس لها بالتالى من صلة بأية حقوق موضوعية يدعيها وتستقل فى مضمونها عن مشروعية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، وهو ما يفيد بالضرورة الطعن فيها عن طريق الدعوى الأصلية التى تتمحض عن مصلحة نظرية مجردة لا يظاهرها قانون
المحكمة الدستورية العليا
والأوضاع المقررة أمامها، وتنقضها الصلة الحتمية بين الدعويين الموضوعية والدستورية ·
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى ، وبمصادرة الكفالة والزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى