حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٨ لسنة ١٧ دستورية

 

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٨ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ٣٠ – ٠٥ – ١٩٩٦

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية الفقرة الثانية من المادة ٢١ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٦

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ١٨ مايو ١٩٩٦ الموافق ٣٠ ذو القعدة ١٤١٦ ه
برئاسة المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية كل من: فاروق عبد الرحيم غنيم و سامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الأتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٨ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / سامى سبع بشاى
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد المستشار / وزير العدل
٤ – السيد / نقيب المحامين
الإجراءات

بتاريخ ٤ يونيه ١٩٩٥، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (٢١) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، وذلك فيما تضمنته من حظر القيد بجدول المحامين تحت التمرين لمن جاوز سن الخمسين
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة .
حيث إن الوقائع – حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد بلغ الثانية والخمسين عاماً حين حصل على ليسانس الحقوق سنة ١٩٥٣. وإذ تقدم بطلب لقيده بجدول المحامين تحت التمرين، وكان هذا الطلب قد رفض إستناداً إلى الفقرة الثانية من المادة (٢١) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ التى تشترط للقيد بهذا الجدول، ألا يجاوز سن الطالب خمسين عاماً وقت تقديم طلب القيد، فقد أقام أمام محكمة القضاء الإدارى ، الدعوى رقم ١٢٧٢ لسنة ٤٩ قضائية ضد نقيب المحامين، طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر برفض قيده كمحام تحت التمرين بالجدول المعد لهذا الغرض، والملحق بالجدول العام، مع وقف الفصل فى الشق المستعجل من النزاع إلى أن يقيم دعواه الدستورية أمام
المحكمة الدستورية العليا
بعد التصريح برفعها إليها للفصل فى دستورية المادة (٢١) من قانون المحاماة . وبجلسة ٢٧ / ٤ / ١٩٩٥، أقرت محكمة القضاء الإدارى وقف الدعوى الموضوعية المنظورة أمامها، وصرحت للمدعى برفع دعواه الدستورية خلال ثلاثة أشهر، فأقامها.
وحيث إن المادة (٢١) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، تنص فى فقرتها الأولى على أن يكون قيد المحامى بجدول المحامين تحت التمرين لأول مرة إذا لم تتوافر فيه الشروط التى تسمح بقيده فى أحد الجداول الملحقة الأخرى . وفى فقرتها الثانية على أنه يشترط للقيد فى هذا الجدول، ألا يجاوز سن طالب القيد خمسين سنة وقت تقديم الطلب.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية ، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع؛ وكان من المقرر فى قضاء
المحكمة الدستورية العليا
أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة ، يتحدد باجتماع شرطين أو عنصرين
أولهما: – أن يقيم المدعى – وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص المطعون فيه – الدليل على أن ضرراً واقعياً – اقتصادياً أو غيره – قد لحق به. ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً، مستقلاً بعناصره، ممكناً إداركه ومواجهته بالترضية القضائية ، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً. بما مؤداه: أن الرقابة على الدستورية يتعين أن تكون موطئاً لمواجهة أضرار واقعية ، بغية ردها وتصفية آثارها القانونية .
ثانيهما: – أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعاً، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، عما كان عليه عند رفعها.
متى كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة (٢١) من قانون المحاماة ، هى التى قام عليها القرار الصادر برفض قيد الطالب بجدول المحامين تحت التمرين، فإن حكمها يعتبر سبباً لهذا القرار، ليظل مشروعاً مالم تقض
المحكمة الدستورية العليا
ببطلانها. ومن ثم تنحصر مصلحته الشخصية المباشرة فى الطعن عليها وحدها، بعد أن أضير من جراء تطبيقها عليه.
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الثانية من المادة (٢١) من قانون المحاماة ، إهدارها لحق العمل المكفول بنص المادة (١٣) من الدستور، وإخلالها بتكافؤ الفرص ومبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليهما فى المادتين (٨، ٤٠) منه، وإسقاطها الإلتزام الملقى على الدولة وفقاً لنص المادة (١٨) من الدستور بالربط بين التعليم وحاجات المجتمع. وكذلك حرمانها كل مواطن من نصيبه فى الناتج القومى ، محدداً وفق القانون على ضوء عمله أو ملكيته غير المستغلة على ما تقضى به المادة (٢٥) من الدستور. هذا فضلاً عن أن شرط السن المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة (٢١) من قانون المحاماة ، غير قائم فى النقابات المهنية الأخرى ، ويعتبر كذلك من فصلاً عن الشروط العامة التى تكفلها المادة (١٣) من هذا القانون فى شأن من يمارسون مهنة المحاماة ، ويقيدون بالجدول العام.
وحيث إن البين من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، أن المحاماة – فى أصلها وجوهر قواعدها – مهنة حرة يمارسها المحامون على استقلال، لا سلطان عليهم فى ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون [مادة ١]. وهم بذلك شركاء للسلطة القضائية يعُينونها على توكيد سيادة القانون، والدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويعملون معها من أجل تحقيق العدالة كغاية نهائية لكل تنظيم قانونى يقوم على إرساء الحق وإنفاذه. وهى باعتبارها كذلك تتمحض جهداً عقلياً يتوخى ربطاً علمياً بين القانون فى صورته النظرية المجردة ، وبين تطبيقاته العملية ، ليقدم المحامون خدماتهم لموكليهم – فى إطار من الإبداع والتأسيس – بما يكفل فعاليتها.
وحيث إن الشروط التى يتطلبها المشرع لمزاولة حرفة أو مهنة بذاتها، لايجوز تقريرها بعيداً عن متطلبات ممارستها، بل يتعين أن ترتبط عقلاً بها، وأن يكون فرضها لازماً لأداء المهام التى تقوم عليها، كامناً فيها، ملتئماً مع طبيعتها، منبئاً عن صدق اتصالها بأوضاعها، وإلا كان تقرير هذه الشروط إنحرافاً عن مضمونها الحق، والتواء بمقاصدها، وإرهاقاً لبيئة العمل ذاتها، وما ينبغى أن يهيمن عليها من القيم التى تعلو بقدر العمل، ولا تخل بطبيعة الشروط التى يقتضيها، وبوجه خاص كلما دل تطبيقها على مناهضتها لتكافؤ الفرص، أو تمييزها فى التعامل دون مقتض بين المتزاحمين على العمل، أو إنكارها لحقهم فى الأمن – اجتماعياً أو اقتصادياً – أو أضرارها بالظروف الأفضل لضمان حريتهم وكرامتهم، أو عداونها على الحق فى تدريبهم مهنيا.
وحيث إن ماتقدم مؤداه، أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها وآثاراً يرتبها، من بينها – فى مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها، منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ليكون مبناها التحامل، أو لتناقض بفحواها ما ينبغى أن يرتبط صدقاً وحقاً وعقلاً بالأوضاع الطبيعية لأداء العمل
Bona fide occupational qualification reasonably necessary to the normal operation of the particular business
وحيث إن ما قد ينص عليه المشرع من حرمان الأشخاص الذين جاوزوا سناً حددها، من الالتحاق ببعض الأعمال، لا يستقيم على إطلاق. ذلك أن من بين هذه الأعمال ما يتصل ببعض المهن الحرة التى تقتضى ممارستها جهداً عقلياً صرفاً من القائمين عليها، ولا شأن لها بمظاهر القصور فى قدراتهم البدنية ، وما يتصل بها عاطفياً وجسمانياً من تغيير يؤثر سلباً وعملاً فى إمكاناتهم. فلا يكون شرط السن عندئذ مقبولاً، إلا إذا كان مبررا بطبيعة الأعمال التى يعهد إلى العامل بها، ونطاق واجباتها ومسئولياتها، ليتحدد على ضوئها ما إذا كان هذا الشرط فاعلا مؤثراً فيها أم منافياً لها وغريبا عنها. بما مؤداه: أن الأصل هو ألا يكون شرط السن معتبرا، فإذا كان لازماً لبعض الأعمال لزوماً حتمياً، كان ذلك استثناء من هذا الأصل يتعين أن يفسر فى أضيق الحدود، وإلا صار حق العمل – وغيره من المزايا التى يرتبط بها كالحقوق التأمينية – رُكاما، ولغدا شرط السن ذريعة لنقض الحق فى العمل، وهو حق لا يتقرر إيثاراً ولا يمنح تفضلا على ما تنص عليه المادة (١٣) من الدستور، وما جرى به قضاء هذه المحكمة .
ولئن جاز القول بأن تقدم العمر يحمل فى ثناياه مخاطر صحية لا يستهان بها، ولا يمكن التنبؤ بزمن طروئها ولابحدتها ومتاعبها ومضاعفاتها، إلا أن المهن الحرة التى تقتضى مزاولتها جهداً عقلياً، يتعين أن يكون النفاذ إليها متاحاً لمن يطرقون أبوابها، لا يتقيدون فى ذلك بغير الشروط الموضوعية التى تؤهل لممارستها، والتى ينافيها شرط السن باعتباره مصادما لها، دخيلا عليها. وهو مايعنى أن الشروط التى يتطلبها المشرع للقيد فى الجداول التى تنظم الاشتغال بالمهن الحرة – ومن بينها شرط السن – يتعين لإقرار مشروعيتها، أن يقوم الدليل على اتصالها بطبيعة هذه المهن ذاتها، وما يكون لازماً عقلاً لممارستها، مرتبطا بجوهر خصائصها The essence of the Busniess . ولقد صار أمراً مقضياً أن الأمم على اختلافها تفقد كثيراً من مصادر الثروة اللازمة لتقدمها، إذا أعيق عما لها – بناء على سنهم – من النفاذ إلى الأعمال التى لا زالوا قادرين على النهوض بها، والتى يتكافأون فى إن جازها أو يمتازون فى أدائها عمن يمارسونها فعلا، ليفقد المبعدون عنها فرص عملهم، وليكون التمييز بين هؤلاء وهؤلاء مصادما للدستور، وهو ما يفيد أن شرط السن فى نطاق الأعمال الحرة ، كثيراً ما يكون مؤشراً واهياً على القدرة على ممارستها.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية بتنظيم موضوع معين، فإن ما تقره من القواعد القانونية فى هذا النطاق، لا يجوز أن ينال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها، سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، ذلك أن إهدار هذه الحقوق أو تهميشها، عدوان على مجالاتها الحيوية التى لا تتنفس إلا من خلالها. ولا يجوز بالتالى أن يكون تنظيم هذه الحقوق اقتحاماً لفحواها، بل يتعين أن يكون منصفا ومبرراً.
وحيث إن ما نص عليه الدستور فى المادة (١٣) من اعتبار العمل حقا، مؤداه: ألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضاً لفحواه، وأن يكون فوق هذا اختياراً حراً، والطريق إليه محدداً وفق شروط موضوعية مناطها ما يكون لازماً لإن جازه، متوخياً دوما تطوير أن ماط الحياة وتشكيلها فى اتجاه التقدم، معززاً برامج رائدة تزيد من خبرة العامل وتنميها، وتكفل خلق مناخ ملائم يكون العمل فى إطاره إسهاماً وطنياً، وواجباً.
وحيث إن البين من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، أن المحاماة مهنة حرة لا يجوز أصلاً لغير المحامين مزاولتها [المادتان ١، ٣ من القانون] ويعتبر المحامى الذى يلحق بمكتب محام – ولو لم يكن شريكاً له فيه – ممارساً لمهنة حرة ، وما يحصل عليه مقابلاً لخدماتها، يمثل أتعاباً يقتضيها عن عمله [مادة ٦] ويجوز للمحامى مزاولة أعمال المحاماة فى البنوك وشركات المساهمة الخاصة والجمعيات التعاونية ، وتكون علاقة المحامى بهذه الجهات، علاقة وكالة ولو اقتصر عمله عليها [مادة ٩]. ولتنظيم القيد بجداول المحامين، نص هذا القانون، على أن يكون للمحامين المشتغلين جدول عام تقيد فيه أسماؤهم ومحال إقامتهم، ومقار ممارستهم للمهنة ،ويلحق به جدول للمحامين تحت التمرين [مادة ١٠]. وأبان هذا القانون كذلك عن الصلة الحتمية بين القيد بجدول المحامين تحت التمرين، والقيد بالجدول العام، بما نص عليه فى المادة (٢٣) من أن يقدم طلب القيد بجدول المحامين تحت التمرين مع طلب القيد بالجدول العام، ويعرض على لجنة القبول طبقاً لأحكام الفصل السابق.
وحيث إن قانون المحاماة – وعلى ما تقضى به مادته الثالثة – قد دل على أن أعمال المحاماة التى يزاولها المحامون، مناطها جهداً عقلياً يبذل فى أدائها، سواء من خلال الحضور عن موكليهم أمام المحاكم وهيئات التحكيم والجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائى ، ودوائر الشرطة وجهات التحقيق إداريا كان أم جنائياً؛ أو عن طريق الدفاع عنهم فى القضايا التى تقام منهم أو عليهم، ومباشرة إجراءتها القضائية ؛ أو بإبداء ما يكون مطلوباً منهم من آراء أو مشورة قانونية ؛ أو بصياغتهم العقود على اختلافها مع اتخاذ
الإجراءات
اللازمة لشهرها أو توثيقها. وهى بذلك لا ترتبط بقدرة بدنية تتحدد على ضوئها أهليتهم فى مجال ممارستها، ولا يجوز بالتالى أن يكون لتقدم عمرهم من أثر على متطلباتها، يؤيد ذلك أمران:
أولهما: أن شرط السن ليس من بين الشروط التى تطلبتها المادة (١٣) من قانون المحاماة ، للقيد فى الجدول العام.
ثانيهما: أنه عملاً بنص المادتين (٣٨، ٣٩) من هذا القانون، يقبل للقيد – لأول مرة – بالجدول الخاص للمحامين أمام محكمة النقض وما يعادلها – وأياً كانت سنهم – الشاغلون لوظيفة استاذ قانون فى جامعة مصرية ، وكذلك المستشارون السابقون بالمحاكم وما يعادلها من وظائف الهيئات القضائية . وكان منطقياً بالتالى ألا يفرض قانون المحاماة حداً أقصى لزمن الاشتغال بها، ولا لسن من يزاولونها، ليطلق ممارستها من كل قيد لا يكون عائداً إلى طبيعة مهامها. وما بلوغ المحامى سن الستين، إلا شرطاً لقيام حق المحامى فى الحصول على معاش كامل – ضمن شروط أخرى – حددتها المادة (١٩٦) من قانون المحاماة ، فلا يكون لبلوغ هذه السن بالتالى من شأن فى اعتزال المحامى أعمال المحاماة التى يزاولها وفقاً لتقديره، دون تقيد بزمن معين.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان شرط السن المقرر بالنص المطعون فيه كقيد على القبول بجدول المحامين تحت التمرين، لا يستقيم عقلاً إلا إذا كان ملتئماً مع أعمال المحاماة ، لازماً لمباشرتها، وكافلاً فوق هذا تحقيق الأغراض التى يتوخاها قانون المحاماة ، وقوامها الجهد المبدع الخلاق لضمان إرساء سيادة القانون؛ وكان بلوغ الحقيقة الواقعة أو الراجحة ، ليس إلا عدلاً يعاون المحامون السلطة القضائية فى الطريق إليه، وكان انقضاء مدة التمرين بعد القيد فى الجدول المعد لذلك، يعتبر مفترضاً أولياً لمباشرة أعمال المحاماه على استقلال؛ وكان المحامى خلال فترة التمرين – وعملاً بالمادة (٢٥) من قانون المحاماة – لا يباشر إلا عملاً عقلياً يتمثل فى إعداد البحوث والمراجع العلمية واستخلاص الأحكام وتحضير صحف الدعاوى ومستنداتها؛ وكان رفض قيده بجدول المحامين تحت التمرين لتجاوزه الخمسين عاماً عند تقديم طلب القيد، يعنى أن تنغلق فى وجهه – وبصفة نهائية – فرص مزاولة مهنة المحاماة ، ليرتد عبئاً على الدولة تعُينه – من خلال التأمين الاجتماعى – فى حدود إمكاناتها، وطاقة عاطلة يمزقها القهر وتميل معها النفس إلى العدوان والضيق بمجتمعها؛ وكان النص المطعون فيه قد أقام تمييزاً لا يستند إلى أسس موضوعية بين الذين بلغوا الخمسين من العمر عند طلبهم القيد بجدول المحامين تحت التمرين، وبين من جاوزوها، كافلاً للأولين دون الأخرين حق العمل ونصيباً فى الناتج القومى يكون عائداً إلى عملهم، فإن هذا التمييز لا يكون مقبولاً دستورياً، ذلك أن صور التمييز التى تناهض مبدأ المساواة أمام القانون، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تفضيل أو تقييد أو استبعاد ينال اعتسافاً من الحقوق التى كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .
وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن النص المطعون فيه يتمحض عن قاعدة مجردة لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها، بل تكفل مساواتهم فى فرص القيد التى أتاحتها وكذلك تلك التى حجبتها، مردود بأن أعمال مبدأ المساواة أمام القانون، رهن بتوافر الشروط الموضوعية التى يحدد المشرع على ضوئها، المراكز القانونية التى يتكافأ بها أصحابها أمام القانون، على أن يكون مفهوماً أن موضوعية هذه الشروط، مرجعها إلى اتصال النصوص التى تقتضيها بالحقوق التى تتناولها، بما يؤكد ارتباطها عقلاً بها من خلال تعلقها بطبيعة هذه الحقوق ومتطلباتها فى مجال ممارستها.ومجرد عمومية القاعدة القانونية وتجردها – وإن كان لازماً لإنفاذ أحكامها – إلا أن التمييز التشريعى المناقض لمبدأ المساواة أمام القانون، لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها.
وحيث إن الحق فى التعبير عن الآراء على اختلافها، وثيق الصلة بالحق فى الاجتماع، بل أن الحرية ذاتها لن تظفر بدونهما بالضمان الحاسم لحمايتها، ويتعين أن تنظر
المحكمة الدستورية العليا
بطريقة صارمة إلى القيود التى قد يفرضها المشرع على حرية الاجتماع، باعتبار أن من يضمهم تنظيم معين، إنما يدافعون فيه – باجتماعهم معاً – عن آرائهم ومعتقداتهم أياً كانت طبيعتها.ومع أن القيود التى تقوض حرية الاجتماع المنصوص عليها فى المادة (٥٤) من الدستور، قد لا يكون المشرع قد قصد إليها، إلا أن آثارها العملية هى التى يجب أن تخضعها هذه المحكمة لرقابتها، بما مؤداه: أن الحق فى تكوين تنظيم نقابى ، فرع من حرية الاجتماع، وكلما كان الإنضمام إلى نقابة بذاتها معلقاً على شرط لا يتصل منطقياً بطبيعة المهام التى تقوم عليها، فإن أعمال هذا الشرط يكون معطلا حق النفاذ إليها، وحائلاً دون مباشرة المؤهلين لعضويتها لحق الاجتماع فى إطارها، وهو حق يوفر لكل عضو من أعضائها – وانطلاقاً من الديموقراطية النقابية – الفرص ذاتها – التى يؤثر من خلالها – متكافئاً فى ذلك مع غيره ممن إنضموا إليها – فى إدارة شئونها واتخاذ قراراتها ومراقبة نشاطها بطريق مباشر أو غير مباشر.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان شرط السن المقرر بالنص المطعون فيه، مؤداه: حرمان المدعى – وعلى غير أسس موضوعية – من الإنضمام إلى نقابة هو مؤهل لعضويتها وفقاً للشروط التى بينتها المادة (١٣) من قانون المحاماه للقيد فى الجدول العام، فإن حكم هذا النص، يكون غريباً عنها، مجافياً لجوهر رسالتها، وحائلاً دون الإنضمام إليها، وهادماً لحق العمل، معطلاً آثاره، مناقضاً مبدأ المساواة أمام القانون، ومخالفاً بالتالى للمواد (١٣، ٢٥، ٤٠، ٤٧، ٥٤، ٥٦) من الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (٢١) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى