حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٧ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٧ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٦ – ٠٤ – ١٩٩٨

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة: أولاً: بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة ٥٤ من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦، وذلك فيما نصت عليه من اعتبار أموال المنظمة النقابية العمالية أموالاً عامة في غير مجال تطبيق قانون العقوبات. ثانياً: بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من هذا القانون وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز الحجز على الأموال اللازمة لمباشرة المنظة النقابية العمالية لنشاطها.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
إن المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ مناطها إرتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية ، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، وكان النزاع الموضوعى متعلقاً بديون إستحقتها الجهة المصرفية قبل المنظمة النقابية العمالية ” المدعى عليها الرابعة ” ، وكان قانون النقابات العمالية ــ بالنصوص التى تضمنها ، والتى تحول دون تحصيل هذه الجهة لديونها ــ قد أعاقتها عن الرجوع بها على المنظمة النقابية العمالية ، فإن هذه النصوص هى التى يتحدد بها نطاق الخصومة الدستورية ، وكذلك إطار المسائل التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها .

– – – ٢ – – –
إن الحقوق جميعها ــ وكذلك النظم القانونية التى تضمها ــ إنما تستمد أوصافها من مكوناتها ، فلا يجوز أن يخرجها المشرع عن طبيعتها من خلال مفاهيم قانونية يجريها عليها بما يناقض خصائصها ، ويحور بنيانها .

– – – ٣ – – –
المنظمة النقابية العمالية ــ وعلى ما تنص عليه المادة ٨ من قانون النقابات العمالية ــ تتوخى الدفاع عن مصالح أعضائها من العمال المنضمين إليها ، وكذلك حماية حقوقهم المشروعة وتطوير أوضاع وشروط العمل ، والنهوض بثقافتهم وتطوير كفايتهم المهنية ، وحثهم على دعم المال العام وحماية الإنتاج ، فضلاً عن رعايتهم صحياً وإجتماعياً هم وعائلاتهم ، وكانت المنظمة النقابية بالنظر إلى أغراضها هذه ــ وعلى ضوء طبيعتها وكيفية تكوينها ــ تعد من أشخاص القانون الخاص ، فلا تباشر نشاطها أصلاً إلا وفقاً لقواعد هذا القانون ، ولو كان المشرع قد منحها جانباً من خصائص السلطة العامة وإمتيازاتها ــ كتلك التى تخولها حق اللجوء إلى الطريق الإدارى لرد العدوان على أموالها ــ ذلك أن وسائل السلطة العامة التى تمارس المنظمة النقابية بعض جوانبها ، لا تحيلها إلى جهة إدارية فى مقوماتها ، ولا تلحقها بها أو تجعلها من فروعها ، بل تظل المنظمة العمالية ــ حتى مع تمتعها ببعض من خصائص السلطة العامة ــ محتفظة بعناصر تكوينها الخاص ، التى ينافيها إعتبار أموالها من الأموال العامة ــ لا فى مجال محدد أو دائرة بذاتها تتصل بإعمال النصوص العقابية فى شأن أموالها لردع مختلسيها أو من يستولون عليها دون حق أو يسهلون ذلك لآخرين ــ بل كذلك على صعيد غيرها من النصوص القانونية التى تؤمن أشكالاً أخرى من الحماية التى يقتضيها ضمان تحقيق المنظمة العمالية لأهدافها من خلال أموالها .

– – – ٤ – – –
الحماية التى أضفتها الفقرة الأولى من المادة ٥٤ المطعون عليها ، فى شأن أموال المنظمات النقابية العمالية ، والتى تتمثل فى إعتبارها مشبهة حكماً بالأموال العامة فى مجال قانون العقوبات وغيره من القوانين ، مؤداها إسباغ حصانة على أموال المنظمة النقابية تحيط بها ، وكان المجال الطبيعى لهذه الحماية يقتضى إنصرافها إلى نصوص قانون العقوبات دون غيرها صوناً لأموال المنظمة النقابية بما يردع مغتصبيها ويردهم عنها من خلال جزاء جنائى يقارن إختلاسها أو تبديدها ، ويكفل إحكام الرقابة عليها وزجر المتلاعبين بها ، فإن مجاوزة هذه الحماية لذلك المجال ، يكون مناقضاً للدستور ، ومنافياً لخصائص المنظمة النقابية العمالية ومقوماتها التى تلحقها بأشخاص القانون الخاص ، وتخضعها لنظم هذا القانون .

– – – ٥ – – –
حق التقاضى يفترض إبتداء وبداهة أن لكل شخص ــ وطنياً أو أجنبياً ــ نفاذا ميسراً إلى الجهات القضائية على إختلافها ، فلا توصد أى منها أبوابها فى وجهه ، بل يكون الفصل فى الخصومة التى يطرحها عليها مقتضياً عرضها على محكمة تتوافر لها ــ ومن خلال حيدتها وإستقلالها وحصانة أعضائها ، وعلى ضوء الأسس الموضوعية لضماناتها العملية ــ المقاييس المعاصرة التى توفر لكل شخص حقاً مكتملاً متكافئاً فيه مع غيره فى مجال الفصل فى الحقوق التى يدعيها إنصافاً ، وعلانية ، وخلال مدة لا تستطيل دون مبرر ، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة ، وقواعد تنظيمها ، وطبيعة الضوابط الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها ، وكيفية تطبيقها عملاً ، هى التى تقيم لها صحيح بنيانها .

– – – ٦ – – –
لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها ، تمثلها الترضية القضائية التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يدعونها . وتندمج هذه الترضية ــ وبافتراض إتساقها مع أحكام الدستور والقانون ــ فى الحق فى التقاضى باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه ، ولأنها ترتبط بصلة وثقى بالأغراض النهائية التى تستهدفها الخصومة القضائية . ذلك أن هذه الخصومة لا يقيمها ذوو الشأن فيها للدفاع عن مصالح عقيمة نظرية فى طبيعتها وخصائصها ، وإنما غايتها إقتضاء منفعة يقرها القانون ، وبها تتحقق للخصومة القضائية جوانبها العملية ، فلا تعمل فى فراغ .

– – – ٧ – – –
إنكار الحق فى الترضية القضائية ــ سواء بمنعها إبتداء ، أو من خلال إرهاقها بقيود تعسر الحصول عليها ، أو عن طريق تباطؤ ملحوظ فى تقديمها ، مؤداه أن من يطلبونها لا يقتضونها فى وقتها الملائم ، أو يردون أصلاً عنها ، أو يحصلون على قدر منها بعد إنتقاصها من أطرافها ، مما يعتبر إهدار للحماية التى كفلها الدستور أو المشرع للحقوق على إختلافها ، وإنكاراً لحقائق العدل فى جوهر ملامحها وتوجهاتها .

– – – ٨ – – –
الترضية القضائية التى لا تقترن بوسائل الحمل على تنفيذها ، تفقد قيمتها عملاً . وكلما تعذر قهر المدين على أداء الحقوق التى ماطل فى إيفائها لأصحابها ، وكان سند إقتضائها مستوفياً قوة نفاذه ، فإن إعمال مبدأ الخضوع للقانون يكون سراباً ، ويغدو عبثاً كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها من خلال مباشرة السلطة القضائية لولايتها التى حدد الدستور والمشرع تخومها ، وغايتها إيصال الحقوق لأصحابها ، وحمل من ينازعون فيها إعناتاً على ردها ، تقديراً بأن الحماية القضائية للحق أو الحرية ، لازمها أن يكون الطريق إليها عبوراً إلى محصلتها النهائية ، وإنتقالاً من مرحلة التداعى بشأن الحق أو الحرية المتنازع عليها ، إلى أشكال ضمانها ، ومنها إلى وسائل فرضها على من يجحدونها ، فلا يكون النزول عليها ــ ولو باستعمال القوة عند الضرورة ــ إلا أمراً كامناً فى خصائص الحق أو الحرية التى قام الدليل على الإخلال بها ، وكان العدوان عليها موضوع الخصومة القضائية ، وصونها غايتها .

– – – ٩ – – –
الترضية القضائية التى لا تقترن بوسائل الحمل على تنفيذها ، تفقد قيمتها عملاً . وكلما تعذر قهر المدين على أداء الحقوق التى ماطل فى إيفائها لأصحابها ، وكان سند إقتضائها مستوفياً قوة نفاذه ، فإن إعمال مبدأ الخضوع للقانون يكون سراباً ، ويغدو عبثاً كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها من خلال مباشرة السلطة القضائية لولايتها التى حدد الدستور والمشرع تخومها ، وغايتها إيصال الحقوق لأصحابها ، وحمل من ينازعون فيها إعناتاً على ردها ، تقديراً بأن الحماية القضائية للحق أو الحرية ، لازمها أن يكون الطريق إليها عبوراً إلى محصلتها النهائية ، وإنتقالاً من مرحلة التداعى بشأن الحق أو الحرية المتنازع عليها ، إلى أشكال ضمانها ، ومنها إلى وسائل فرضها على من يجحدونها ، فلا يكون النزول عليها ــ ولو باستعمال القوة عند الضرورة ــ إلا أمراً كامناً فى خصائص الحق أو الحرية التى قام الدليل على الإخلال بها ، وكان العدوان عليها موضوع الخصومة القضائية ، وصونها غايتها .

– – – ١٠ – – –
دستورية النصوص القانونية ، مناطها إرتباطها عقلاً بالأغراض التى تتوخاها ، والتى تبلور إطاراً لمصلحة مشروعة تحيط بها . فإذا كان إتصال هذه النصوص بالأغراض التى تبتغيها ــ وبافتراض مشروعيتها ــ مفتقداً أو واهياً ، كان إبطال هذه النصوص لازماً ، وكانت الأموال التى يملكها المدين ــ سواء كان شخصاً طبيعياً أو إعتبارياً ــ يشملها الضمان العام لدائنيه ، فإن ردهم عنها بنص تشريعى ــ ودون مسوغ ــ مؤداه أن يكون هذا النص باطلاً .

– – – ١١ – – –
دستورية النصوص القانونية ، مناطها إرتباطها عقلاً بالأغراض التى تتوخاها ، والتى تبلور إطاراً لمصلحة مشروعة تحيط بها . فإذا كان إتصال هذه النصوص بالأغراض التى تبتغيها ــ وبافتراض مشروعيتها ــ مفتقداً أو واهياً ، كان إبطال هذه النصوص لازماً ، وكانت الأموال التى يملكها المدين ــ سواء كان شخصاً طبيعياً أو إعتبارياً ــ يشملها الضمان العام لدائنيه ، فإن ردهم عنها بنص تشريعى ــ ودون مسوغ ــ مؤداه أن يكون هذا النص باطلاً .

– – – ١٢ – – –
الفقرة الثانية من المادة ٥٤ المطعون عليها ، تحول بذاتها دون الحجز على مقار المنظمة النقابية وأثاثها ومعداتها ، وكذلك أموالها اللازمة لمباشرة نشاطها ، وكانت الأغراض التى تقوم المنظمة النقابية عليها ــ مع تعددها وتنوعها وإتساعها ــ تقتضيها أن تعمل على إشباعها بكل الوسائل التى تملكها ، ومن بينها إستخدامها لأموالها فى مجموعها بما يعود بالفائدة على أعضائها ، سواء تعلق الأمر بصونها لعناصر هذه الأموال أو إنمائها ، فإن أموالها تلك ، تكمل بأكملها ضرورية لمباشرتها لنشاطها ، فلا يبقى بعدئذ شئ منها لدائنيها ، ولن تكون الأحكام القضائية الصادرة لصالحهم غير أوراق مهملة لا قيمة لها ، بما يجرد الحقوق التى كفلتها من قوة نفاذها . ولا يعدو ذلك أن يكون عدواناً بئيساً على حق التقاضى ، وتدخلاً غير مباشر فى شئون العدالة بما يناقض متطلباتها ، وإفراداً لأى منظمة نقابية ــ ودون مسوغ ــ بمعاملة تفضيلية تختص بها دون غيرها من أشخاص القانون الخاص فى مجال الرجوع عليها بالديون المترتبة فى ذمتها .

– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليها الرابعة، كانت قد أقامت الدعوى رقم ٥٧١٠ لسنة ١٩٩٤ مستعجل القاهرة ضد البنك المدعى ابتغاء القضاء بعدم الاعتداد بالحجز الموقع منه بتاريخ ١٧ / ٧ / ١٩٩٤ على رصيد اللجنة النقابية للعاملين بسكك حديد مصر، المودع لدى الفرع الرئيسى لبنك العمال وقدره ٨٤ر٧٩٧٦١ جنيها؛ وذلك على سند من أن البنك المدعى يداين اللجنة بأكثر من المبلغ المحجوز من أجله؛ وقد حَلَّ أجل الوفاء بالدين فى ٣١ / ١٢ / ١٩٩٣ . وإذ تقاعست اللجنة المدينة عن السداد؛ فقد أوقع المدعى الحجز الإدارى على رصيدها لدى البنك المحجوز تحت يده؛ وإذ يعد هذا الرصيد من قبيل أموال المنظمة النقابية اللازمة لمباشرة نشاطها؛ فإن الحجز عليه – فى تقديرها – يكون غير جائز عملا بنص الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من قانون النقابات العمالية . وبتاريخ ١٤ / ١١ / ١٩٩٧ قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى محكمة قصر النيل الجزئية . وقيدت بجدولها برقم ٢٤٨٠ لسنة ١٩٩٦ تنفيذ قصر النيل . وأثناء نظرها، دفع المدعى بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من قانون النقابات العمالية . وبعد تقديرها جدية الدفع، خولت محكمة الموضوع المدعى إقامة دعواه الدستورية، فأقامها. وحيث إن الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦ – المطعون عليها – لاتجيز الحجز على مقار المنظمات النقابية أو أثاثها أو معداتها أو الأموال اللازمة لمباشرة نشاطها >>. وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه مخالفته أحكام المادتين ٤٠ و ٦٨ من الدستور، وذلك تأسيسا على أن إخلال المدين بالوفاء بالدين اختياراً، يخول دائنه أن يقتضيه منه جبراً . كذلك، فإن حظر إيقاع الحجز على أموال المدين فى مجموعها، إنما يعطل الضمان العام لدائنيه، ويفرغ الخصومة القضائية – وهى الوسيلة التى رسمها المشرع لحماية الحق أو الحرية – من مضمونها؛ ويمايز – دون مسوغ – بين المنظمة النقابية العمالية – فى مجال الرجوع عليها بالديون المترتبة فى ذمتها – وبين غيرها من الجهات المدينة. وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلا بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية، لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعى متعلقا بديون استحقتها الجهة المصرفية قبل المنظمة النقابية العمالية <<المدعى عليها الرابعة>>؛ وكان قانون النقابات العمالية – بالنصوص التى تضمنها، والتى تحول دون تحصيل هذه الجهة لديونها – قد أعاقتها عن الرجوع بها على المنظمة النقابية العمالية، فإن هذه النصوص هى التى يتحدد بها نطاق الخصومة الدستورية؛ وكذلك إطار المسائل التى تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها. وحيث إن المادة ٥٤ من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦ تنص فى فقرتيها الأولى والثانية على مايأتى: – فقرة أولى: << مع مراعاة الأحكام الواردة فى هذا القانون واللوائح والأنظمة الأساسية الصادرة تنفيذا له، تعتبر أموال المنظمات النقابية أموالا عامة << بصفة خاصة >> فيما يتعلق بتطبيق أحكام قانون العقوبات. فقرة ثانية: ولايجوز الحجز على مقار المنظمات النقابية أو الأثاثات أو المعدات أو الأموال اللازمة لمباشرة نشاطها >>. وحيث إن مؤدى هاتين الفقرتين مترابطتين، أنه فيما عدا ماورد فى قانون النقابات العمالية من أحكام خاصة فى شأن أموالها، كتلك التى تنص على عدم جواز الحجز على الأموال اللازمة لمباشرة نشاطها؛ فإن أصلا يحيط بأموال هذه المنظمات وينبسط عليها، يقتضى اعتبارها من الأموال العامة – لافى مجال تطبيق أحكام قانون العقوبات وحدها – ولكنها تكون كذلك فى غير ذلك من صور الحماية التى تتعلق بها. وحيث إن المدعى وإن طعن بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من قانون النقابات العمالية، إلا أن ربطها بالفقرة الأولى من هذه المادة، يبلور إطار الحماية التى كفلها هذا القانون لأموالها، ويتعين بالتالى قراءتهما معا. وحيث إن الحقوق جميعها – وكذلك النظم القانونية التى تضمها – إنما تستمد أوصافها من مكوناتها، فلايجوز أن يُخِْرجها المشرع عن طبيعتها من خلال مفاهيم قانونية يجريها عليها بما يناقض خصائصها، ويحور بنيانها. وحيث إن المنظمة النقابية العمالية – وعلى ماتنص عليه المادة ٨ من قانون النقابات العمالية – تتوخى الدفاع عن مصالح أعضائها من العمال المنضمين إليها؛ وكذلك حماية حقوقهم المشروعة وتطوير أوضاع وشروط العمل؛ والنهوض بثقافتهم وتطوير كفايتهم المهنية؛ وحثهم على دعم المال العام وحماية الإنتاج؛ فضلا عن رعايتهم صحيا واجتماعيا هم وعائلاتهم؛ وكانت المنظمة النقابية بالنظر إلى أغراضها هذه – وعلى ضوء طبيعتها وكيفية تكوينها – تعد من أشخاص القانون الخاص، فلاتباشر نشاطها أصلا إلا وفقا لقواعد هذا القانون، ولوكان المشرع قد منحها جانبا من خصائص السلطة العامة وامتيازاتها – كتلك التى تخولها حق اللجوء إلى الطريق الإدارى لرد العدوان على أموالها – ذلك أن وسائل السلطة العامة التى تمارس المنظمة النقابية بعض جوانبها، ولا تحيلها إلى جهة إدارية فى مقوماتها، ولاتلحقها بها أو تجعلها من فروعها؛ بل تظل المنظمة العمالية – حتى مع تمتعها ببعض من خصائص السلطة العامة – محتفظة بعناصر تكوينها الخاص، التى ينافيها اعتبار أموالها من الأموال العامة – لا فى مجال محدد أو دائرة بذاتها تتصل بإعمال النصوص العقابية فى شأن أموالها لردع مختلسيها أو من يستولون عليها دون حق أو يسهلون ذلك لآخرين – بل كذلك على صعيد غيرها من النصوص القانونية التى تؤمن أشكالا أخرى من الحماية التى يقتضيها ضمان تحقيق المنظمة العمالية لأهدافها من خلال أموالها. وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الحماية التى أضفتها الفقرة الأولى من المادة ٥٤ المطعون عليها، فى شأن أموال المنظمات النقابية العمالية، والتى تتمثل فى اعتبارها مشبهة حكما بالأموال العامة فى مجال قانون العقوبات وغيره من القوانين، مؤداها إسباغ حصانة على أموال المنظمة النقابية تحيط بها؛ وكان المجال الطبيعى لهذه الحماية يقتضى انصرافها إلى نصوص قانون العقوبات دون غيرها صونا لأموال المنظمة النقابية بما يردع مغتصبيها ويردهم عنها من خلال جزاء جنائى يقارن اختلاسها أو تبديدها، ويكفل إحكام الرقابة عليها وزجر المتلاعبين بها؛ فإن مجاوزة هذه الحماية لذلك المجال، يكون مناقضا للدستور، ومنافيا لخصائص المنظمة النقابية العمالية ومقوماتها التى تلحقها بأشخاص القانون الخاص، وتخضعها لنظم هذا القانون. وحيث إن حق التقاضى يفترض ابتداء وبداهة أن لكل شخص – وطنيا أو أجنبيا – نفاذا ميسرا إلى الجهات القضائية على اختلافها، فلاتُوصِد أى منها أبوابها فى وجهه، بل يكون الفصل فى الخصومة التى يطرحها عليها مقتضيا عرضها على محكمة تتوافر لها – ومن خلال حيدتها واستقلالها وحصانة أعضائها، وعلى ضوء الأسس الموضوعية لضماناتها العملية – المقاييس المعاصرة التى توفر لكل شخص حقا مكتملا متكافئا فيه مع غيره فى مجال الفصل فى الحقوق التى يدعيها إنصافا، وعلانية، وخلال مدة لاتستطيل دون مبرر، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة الضوابط الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملا، هى التى تقيم لها صحيح بنيانها. وحيث إن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يدعونها . وتندمج هذه الترضية – وبافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون – فى الحق فى التقاضى باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، ولأنها ترتبط بصلة وثقى بالأغراض النهائية التى تستهدفها الخصومة القضائية . ذلك أن هذه الخصومة لايقيمها ذوو الشأن فيها للدفاع عن مصالح عقيمة نظرية فى طبيعتها وخصائصها؛ وإنما غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وبها تتحقق للخصومة القضائية جوانبها العملية، فلاتعمل فى فراغ. وحيث إن إنكار الحق فى الترضية القضائية – سواء بمنعها ابتداء؛ أو من خلال إرهاقها بقيود تُعَسِّر الحصول عليها؛ أو عن طريق تباطؤ ملحوظ فى تقديمها؛ مؤداه أن من يطلبونها لايقتضونها فى وقتها الملائم، أو يردون أصلا عنها؛ أو يحصلون على قدر منها بعد انتقاصها من أطرافها؛ مما يعتبر إهداراً للحماية التى كفلها الدستور أو المشرع للحقوق على اختلافها، وإنكاراً لحقائق العدل فى جوهر ملامحها وتوجهاتها. وحيث إن الترضية القضائية التى لا تقترن بوسائل الحمل على تنفيذها، تفقد قيمتها عملا. وكلما تعذر قهر المدين على أداء الحقوق التى ماطل فى إيفائها لأصحابها؛ وكان سند اقتضائها مستوفيا قوة نفاذه؛ فإن إعمال مبدأ الخضوع للقانون يكون سرابا . ويغدو عبثا كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها من خلال مباشرة السلطة القضائية لولايتها التى حدد الدستور والمشرع تخومها؛ وغايتها إيصال الحقوق لأصحابها، وحمل من ينازعون فيها إعناتا على ردها؛ تقديرا بأن الحماية القضائية للحق أو الحرية، لازمها أن يكون الطريق إليها عبورا إلى محصلتها النهائية، وانتقالا من مرحلة التداعى بشأن الحق أو الحرية المتنازع عليها، إلى أشكال ضمانها، ومنها إلى وسائل فرضها على من يجحدونها؛ فلا يكون النزول عليها – ولو باستعمال القوة عند الضرورة – إلا أمرا كامنا فى خصائص الحق أو الحرية التى قام الدليل على الإخلال بها، وكان العدوان عليها موضوع الخصومة القضائية،وصونها غايتها. وحيث إن من المقرر كذلك أن أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه، وأن الدائنين جميعهم متكافئون فى هذا الضمان، عدا من كان منهم مخولا حق التقدم على غيره طبقا للقانون؛ وكان الأصل جواز التنفيذ على أموال المدين بأكملها؛ وأن يتخذ الدائن بشأنها مايراه من الطرق التحفظية والتنفيذية؛ وكانت دستورية النصوص القانونية، مناطها ارتباطها عقلا بالأغراض التى تتوخاها والتى تبلور إطارا لمصلحة مشروعة تحيط بها . فإذا كان اتصال هذه النصوص بالأغراض التى تبتغيها – وبافتراض مشروعيتها – مفتقداً أو واهيا، كان إبطال هذه النصوص لازما؛ وكانت الأموال التى يملكها المدين – سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا – يشملها الضمان العام لدائنيه، فإن ردهم عنها بنص تشريعى – ودون مسوغ – مؤداه أن يكون هذا النص باطلا. وحيث إن الفقرة الثانية من المادة ٥٤ المطعون عليها تحول بذاتها دون الحجز على مقار المنظمة النقابية وأثاثها ومعداتها، وكذلك أموالها اللازمة لمباشرة نشاطها؛ وكانت الأغراض التى تقوم المنظمة النقابية عليها – مع تعددها وتنوعها واتساعها – تقتضيها أن تعمل على إشباعها بكل الوسائل التى تملكها، ومن بينها استخدامها لأموالها فى مجموعها بما يعود بالفائدة على أعضائها، سواء تعلق الأمر بصونها لعناصر هذه الأموال أو إنمائها، فإن أموالها تلك، تكون بأكملها ضرورية لمباشرتها لنشاطها، فلايبقى بعدئذ شئ منها لدائنيها، ولن تكون الأحكام القضائية الصادرة لصالحهم غير أوراق مهملة لا قيمة لها، بما يجرد الحقوق التى كفلتها من قوة نفاذها. ولايعدو ذلك أن يكون عدوانا بئيسا على حق التقاضى؛ وتدخلا غير مباشر فى شئون العدالة بما يناقض متطلباتها؛ وإفراداً لأى منظمة نقابية – ودون مسوغ – بمعاملة تفضيلية تختص بها دون غيرها من أشخاص القانون الخاص فى مجال الرجوع عليها بالديون المترتبة فى ذمتها؛ ومن ثم إخلالا بأحكام المواد ٤٠ و ٦٥ و ٦٨ و ١٦٥ من الدستور.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى