حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٥ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٥ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٤ – ٠٨ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولي من المادة ٣٥ من قانون رسوم الطيران المدني ومقابل استغلال حقوق النقل الجوى وإشغال واستغلال مباني وأراضي الموانىء الجوية والمطارات الصادر بالقانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٨٣، وذلك فيما نصت عليه من “وتتولي مؤسسة مصر للطيران الوكالة أو الكفالة في هذه الحالة”.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٢ أغسطس سنة ١٩٩٧ الموافق ٢٨ ربيع الأول ١٤١٨ هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٥ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / الممثل القانونى لشركة طيران الخليج
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد / وزير السياحة والطيران المدنى
٤ – السيد / الممثل القانونى لمؤسسة مصر للطيران
الإجراءات

فى الثامن والعشرين من مايو سنة ١٩٩٥، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلبا للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة ٣٥ من القانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٨٣ فيما قرره من تولى مؤسسة مصر للطيران الوكالة أو الكفالة عنها
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليها الرابعة – مؤسسة مصر للطيران – كانت قد أقامت الدعوى رقم ٢٢٧٦ لسنة ١٩٩٤ مدنى كلى جنوب القاهرة ضد المدعية ابتغاء القضاء بأحقيتها فى أن تكون وكيلا عاما عنها بجمهورية مصر العربية ، مع إلزامها بغرامة قدرها الف جنيه عن كل يوم يمضى من تاريخ صدور الحكم دون قيامها بذلك، مسندة طلبها الأول إلى نص المادة ٣٥ من قانون رسوم الطيران المدنى ومقابل استغلال حقوق النقل الجوى الصادر بالقانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٨٣ الذى يخولها هذا الحق
وبتاريخ ٢٨ / ١١ / ١٩٩٤ قضت تلك المحكمة بتعيين المدعى عليها الرابعة وكيلا عاما عن الشركة المدعية فى مصر؛ ورفضت ماعدا ذلك من الطلبات• وقد استأنف الطرفان ذلك الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئنافين المقيدين بجدولها برقمى ٣٥٩ و ٥٢٢ لسنة ١١٢ قضائية • وقررت محكمة الاستئناف ضم الاستئناف الثانى إلى الأول ليصدر فيهما حكم واحد. وبجلسة ٢٩ / ٣ / ١٩٩٥ – المحددة لنظره – قدمت المدعية مذكرة دفعت فيها بعدم دستورية المادة ٣٥ من القانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٨٣ المعدل بالقانون رقم ٢٠٩ لسنة ١٩٩١، وذلك فيما نصت عليه من وتتولى مؤسسة مصر للطيران الوكالة أو الكفالة فى هذه الحالة • وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت للمدعية بإقامة دعواها الدستورية ، فقد أقامتها• وبجلسة ١٣ / ١٢ / ١٩٩٥ قضت المحكمة الاستئنافية بوقف الاستئنافين سالفى الذكر وقفا تعليقيا لحين الفصل فى الدعوى الدستورية الراهنة
وحيث إن المادة ٣٥ من قانون رسوم الطيران المدنى ومقابل استغلال حقوق النقل الجوى وإشغال واستغلال مبانى وأراضى الموانى الجوية والمطارات الصادر بالقانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٨٣ كانت تنص – فى أصل نشأتها – على أنه: لا يجوز لأية شركة أو منشأة نقل جوى أجنبية فتح فرع أو مكتب لها فى جمهورية مصر العربية إلا على أساس مبدأ المعاملة بالمثل؛ فإذا كانت الدولة التى تتبعها الشركة أو المنشأة تشترط لذلك تعيين وكيل أو كفيل فيتعين أن يكون لها بالمثل وكيل أو كفيل فى مصر؛ وتتولى مؤسسة مصر للطيران الوكالة أو الكفالة فى هذه الحالة
وبتاريخ ٩ من يوليو سنة ١٩٩١ صدر القانون رقم ٢٠٩ لسنة ١٩٩١ بتعديل نص المادة ٣٥ من قانون رسوم الطيران المدنى المشار إليه، ليجرى على النحو التالى : إذا كانت الدولة الأجنبية التى تتبعها شركة أو منشأة النقل الجوى تشترط لممارسة الشركات أو المنشآت المصرية نشاطها فيها، ضرورة أن يكون لها وكيل أو كفيل فى هذه الدولة ، فيتعين أن يكون لهذه الشركات أو المنشآت الأجنبية وكيل أو كفيل فى مصر؛ وتتولى مؤسسة مصر للطيران الوكالة أو الكفالة فى هذه الحالة
وفى حالة مخالفة أحكام هذه المادة تلتزم الشركات أو المنشآت الأجنبية بأداء تعويض عن مبيعاتها فى مصر يحسب بذات النسب ووفقا للقواعد التى يتم على أساسها محاسبة الشركات والمنشآت الوطنية فى الدول الأجنبية . وقد عمل به اعتبارا من ١٨ أغسطس سنة ١٩٩١
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه فيما قرره من تولى مؤسسة مصر للطيران الوكالة أو الكفالة عن شركات ومنشآت الطيران الأجنبية فى مصر؛ مخالفته لنصوص المواد ٣٤ و٤٠ و٤١ من الدستور قولا منها بأن المشرع قد عمد إلى فرض هذه المؤسسة بالذات وتعيينها وكيلة عن تلك الشركات الأجنبية على غير إرادتها واختيارها دون غيرها من المؤسسات والشركات والأفراد المرخص لهم قانونا بالقيام بأعمال الوكالة عن شركات الطيران الأجنبية فى مصر والتى يمارسونها ويباشرونها فعلا من قديم وحتى الآن، وتمكينها بذلك – وهى الشركة المنافسة – من الهيمنة على نشاط المدعية ، والتصرف فى كافة حقوقها وأموالها جبرا عنها، وهو ما يشكل عدوانا على ملكيتها لتلك الأموال متمثلا فى حرمانها من حقها فى استغلالها والانتفاع بها والتصرف فيها بملء إرادتها؛ فضلا عن أن فرض الوكالة وشخص الوكيل على الموكل يصطدم والحرية الشخصية المفترضة فى عقد الوكالة بالذات، وقوامه الثقة فى شخص الوكيل؛ سيما وأن المدعية كانت وما تزال متعاقدة مع إحدى الشركات السياحية على الوكالة عنها فى مباشرة نشاطها فى نقل الركاب وشحن البضائع بطريق الجو
وحيث إن المدعية قدمت كذلك مذكرة بدفاعها، قررت فيها مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد ٣٤ و ٤٠ و ٤١ من الدستور، مستندة فى ذلك إلى أن هذا النص جعل مصر للطيران وكيلا وحيدا وجبريا عن شركات الطيران الأجنبية التى تباشر نشاطها فى جمهورية مصر العربية ؛ مجردا بذلك ملكيتها من لوازمها؛ ومقيما مركز الأجنبى فى مصر، على قاعدة الحرمان الأصلى من الحقوق، ولو كانت تقع فى نطاق الحدود الدنيا لمعاملتهم فى الدول الأجنبية التى يقيمون فيها؛ وبما يناقض قاعدة الاعتماد المتبادل التى يصونها الدستور، ويخل بأصل مساواتهم بالمواطنين، وهو أصل لايجوز تقييده إلا استثناء؛ ومتبنيا كذلك تمييزا تحكميا بين المواطنين المهيأين كوكلاء أو كفلاء عن شركات الطيران الأجنبية عند مباشرتها لبعض مظاهر نشاطها فى مصر؛ ومتضمنا – فوق هذا – انحرافا Détournement de procedure بالإجراء، مع التذرع بظاهر النصوص القانونية لستر حقيقتها Couvert legislation؛ بل إن الاحتيال على الدستور Fraude à la constitution يبدو جليا من خلال تقييد إرادة الشركة الأجنبية فى اختيار وكيلها، بما يهدر أصل الحرية فى التعاقد، وهو مبدأُ مُتَضَمِّن فى الحرية الشخصية التى لا يقيمها غير اعتبار العقود شرائع لأطرافها
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع• متى كان ذلك؛ وكانت المدعى عليها الرابعة قد أقامت دعواها المستأنف حكمها مضمنة طلباتها الختامية ، الحكم بأحقيتها فى أن تكون وكيلا عن المدعية فى مصر، وذلك بحسبانها من شركات النقل الجوى التابعة لدولة أجنبية تشترط لممارسة منشآت النقل الجوى المصرية نشاطها فيها أن يكون لها وكيل أو كفيل من رعاياها؛ وكان تسليط الرقابة الدستورية على عجز الفقرة الأولى من المادة ٣٥ من قانون رسوم الطيران المدنى – المطعون عليها – والتى تقضى بأن تكون مؤسسة مصر للطيران وكيلا – بقوة القانون – عن شركات ومنشآت النقل الجوى الأجنبية التى تباشر نشاطها فى مصر؛ هو ما تقوم به مصلحة المدعية فى الطعن الماثل؛ فإن نطاق المسائل الدستورية التى تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها يتحدد على ضوء حكمها هذا، ولا يمتد لغيره من أجزاء النص المطعون فيه
وحيث إن البين من مضبطة الجلسة السادسة والسبعين للفصل التشريعى السادس لمجلس الشعب المعقودة صباح يوم الاثنين الموافق ٣ من يونيه ١٩٩١، إن أحد الأعضاء قرر أن مضمون المادة ٣٥ – المطعون على عجز فقرتها الأولى – ربما كان مفهوما حين كانت شركة مصر للطيران هى وحدها التى تعمل فى مجال الطيران بمصر، أما وقد أبيح للشركات الخاصة حرية العمل فى هذا المجال، فإذا كانت الدولة الأجنبية التى تتبعها شركة أو منشأة النقل الجوى تشترط لممارسة الشركات أو المنشآت المصرية نشاطها فيها ضرورة أن يكون لها وكيل أو كفيل بها، فإن معاملتها بالمثل بالنسبة إلى نشاطها فى مصر، أمر لاغبار عليه، ولكن لا يصح أن تكون شركة بعينها – هى شركة مصر للطيران – وكيلا أو كفيلا عن الشركة أو المنشأة الأجنبية التى تعمل فى مصر، والتى تنافسها شركة مصر للطيران، وإلا كان ذلك إخلالا بمبدأ المساواة ، وانحرافا عن العدل، وخروجا على المنطق، وأن درء ذلك لا يكون إلا بضمان حق الشركة الأجنبية فى أن تتولى بنفسها اختيار من يمثلها فى مصر حين تباشر نشاطها فيها
وحيث إن الدولة القانونية – محدد مفهومها على ضوء أحكام المواد ١ و ٣ و ٤ و٥٦ من الدستور، ووفق ماجرى به قضاء هذه المحكمة – هى التى تقرر لمن يقيمون على إقليمها تلك الحقوق والحريات والأساسية التى يتوافق مضمونها مع الضوابط التى التزمتها الدول الديموقراطية باطراد فى مجتمعاتها، واستقر نهجها على التقيد بها فى مظاهر سلوكها على اختلافها، فلا تنزل بالحماية التى توفرها لمن يمارسونها عما يكون لازما لضمان فعاليتها
وحيث إن للدول – على صعيد علاقاتها الدولية – حقوقا أساسية تتمثل فى ضمان استقلالها؛ ومباشرتها لولايتها فوق إقليمها؛ ودفاعها الشرعى ضد العدوان عليها؛ وتكافئها قانونا مع غيرها من الدول•بيد أن حقوقها هذه تقابلها وتوازيها واجباتها التى تمنعها من التدخل فى الشئون الداخلية لغيرها من الدول؛ وتحول بينها وإثارة القلاقل ضدها؛ وتقيدها كذلك بصون حقوق الإنسان وتنفيذ التزاماتها الدولية بحسن نية ، وبمراعاة أن تكون الوسائل السلمية وحدها طريقا لفض نزاعاتها
وتدل النظرة المتعمقة لحقوق الدول وواجباتها الأساسية على قبولها فيما بينها بعلو قواعد القانون الدولى وسيادتها، وأن صلاتها الودية وفقا لميثاق الأمم المتحدة تقتضيها أن تتعاون مع بعضها لضمان تقدمها، ولبناء أسس سليمة لحسن الجوار تتهيأ بها فرص تعايشها وتداخل مصالحها
وحيث إن استقلال الدول عن بعضها، وتكافئها فى السيادة فيما بينها، وإن خول كلا منها، أن تنظم شروط دخول غير مواطنيها إليها، وأن تقرر كذلك قواعد ممارستهم لنشاطهم فيها على ضوء مصالحها القومية التى تمليها توجهاتها الاقتصادية وسياستها الخارجية ، إلا أن سلطتها هذه لايجوز القول بإطلاقها؛ وإنما تقيدها تلك القواعد الآمرة التى ارتضتها أسرة الدول سلوكا لأعضائها يبلور أعرافها التى استقر العمل عليها فيما بينها؛ بما مؤداه أن القواعد التى تنظم بها الدول شئون غير مواطنيها الذين يعبرونها أو يستقرون فيها، وإن لم تكن هى ذاتها التى تشبههم بمواطنيها، إلا أنها تمثل بمستوياتها تلك الحدود الدنيا التى لا يجوز النزول بمعاملتهم عنها، والتى لا تستقيم حياتهم بدونها The international minimum standard، فلا تقاس تصرفاتها قبلهم إلا على ضوئها• فكل ما كان العمل الصادر عنها متضمنا اغتيالا للحقوق التى كفلتها هذه المعايير، أو تحديدا لآثارها، أو كان دالا على سوء نيتها، أو إخلالها قصدا بواجباتها، أو منحدرا – بوجه عام – بمعاملتهم إلى ما دون مستوياتها الدولية التى لا يجوز التخلى عنها، كان إبطال هذا العمل – من خلال الرقابة التى تفرضها هذه المحكمة فى شأن الشرعية الدستورية – لازما ُُُ The propriety of governmental acts should be put to the test of inter – national standards the treatment of an alien, in order to constitute an international delinquency should amount to an outrage, to bad faith , to wilful neglect of duty , or to an insuffciency of governmental action so far short of international standards that every reasonable and impartial man would readily recognize its insufficiency.
وحيث إن إبداء بعض الدول لتخوفها من تطبيق المعايير الدولية فى شأن الحقوق التى تكفلها لغير المواطنين المقيمين بإقليمها، تقديرا بأن إهما لها لها قد يتخذ ذريعة للتدخل فى شئونها، مردود أولا: بأن الحقوق التى تكفلها هذه المعايير لهؤلاء يتصل أغلبها بحقهم فى الحياة ، وضد التمييز غيرالمبرر، وبحرمة حياتهم الخاصة ، وصون شرفهم وسمعتهم، وكذلك بحرية العقيدة ، وبضمان حريتهم الشخصية من خلال تكامل مقوماتها؛ وهى بعد حقوق تنتظمها تلك القيم التى تتقاسمها الجماعة الإنسانية ، والتى لا يمكن إرجاعها إلى عصر معين، ولا إلى زمن محدد، ولا القول بأنها نتاج ثقافة بذاتها، ولكنها تنظر إلى الإنسان – وطنيا كان أم أجنبيا – بوصفه بشرا سويا• ومردود ثانيا: بأن الضوابط التى تطبقها هذه المحكمة فى مجال الشرعية الدستورية ، لا شأن لها بإقحام إحدى الدول نفسها فى الشئون الداخلية لغيرها، وإن أثار ذلك مسئوليتها وفقا لميثاق الأمم المتحدة
وحيث إن من المقرر كذلك، أن المعايير الدولية المتقدم بيانها، لايجوز إهدارها من خلال أعمال تناهضها تأتيها الدول التى يقيم غير المواطنين بها، ولو بررتها بمجرد تطابقها مع تشريعاتها المعمول بها فى شأن مواطنيها، ذلك أن الحماية التى تكفلها تشريعاتها هذه، قد تقل عن تلك التى توفرها المعايير الدولية التى أنتجتها واقعة اتصال الدول فيما بينها، وضرورة تحقيق نوع من التداخل بين مصالحها، فلا يكون الفصل بين الأشخاص المعنيين بها ودولهم، مقبولا
ولئن جاز القول بأن تلك المعايير التى قبلتها الدول فيما بينها، محددة بها أعرافها فى مجال العلائق بينها وبين غير مواطنيها، قد يكتنفها – من بعض جوانبها – قدر من الغموض فى مجال تطبيقها، إلا أن وجودها قانونا حقيقة مستعصية على الجدل، ولا يعدو الإخلال بها أن يكون نكولا من الدول التى نقضتها عن واجباتها الدولية ُThere has grown up in the field of international relations, a body of customs defining with more or less certainty the duties owing by all nations to alien residents ( Hins V ز. Davidourtz , ٢١٣ U . S . ٢٥ per justice Black, at . P. ٦٥ (١٩٤١
وحيث إنه استصحابا لهذه المعايير، وتوكيدا لضرورة العمل بمقتضاها، صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم ٤٠ / ٤٤١ المؤرخ ١٣ / ١٢ / ١٩٨٥ متضمنا إعلانها فى شأن حقوق غير المواطنين فى البلد الذى يعيشون فيه، مقررا سريان أحكامه فى شأن كل فرد يوجد فى إحدى الدول ولا يكون من رعاياها؛ ومنوها بضرورة أن تتقيد فى كل تشريعاتها التى تنظم بها دخول غير مواطنيها إليها، وشروط إقامتهم فيها، ومايمكن أن يقوم بينهم وبين رعاياها من الفروق، بالحدود التى رسمتها التزاماتها الدولية ، بما فى ذلك ما يتعلق منها بحقوق الإنسان؛ ومبينا على الأخص أن حقهم فى الحياة ، وكذلك تأمين أشخاصهم ضد الاعتقال أو الاحتجاز غير المشروع، وصون حريتهم الشخصية التى لايجوز الإخلال بها إلا وفقا للقانون، مما ينبغى أن يكون مكفولا بقوانينها المحلية ، ودون إخلال بالتزاماتها الدولية المتصلة بها
ويؤكد هذا الإعلان كذلك، حق هؤلاء فى حرية التعبير، وتملك الأموال، والاجتماع ومغادرة البلد، وذلك كله وفق القيود التى يجوز أن تفرضها الدول الديموقراطية فى مجتمعاتها لأغراض محددة ، يندرج تحتها حماية أمنها القومى ، ودعم نظامها العام، وصون أخلاقها، مع ضمان حقوق الآخرين، وبما لا يخل بغيرها من الحقوق المنصوص عليها فى هذا الإعلان، وكذلك تلك التى قررتها المواثيق الدولية التى تنظمها
وحيث إن المعايير الدولية التى تطبقها الدول على غير مواطنيها، لا يقتصر سريانها على من يكون منهم فردا، ولكنها تمتد كذلك إلى كل مجموع منهم تضمهم وحدة قانونية لها ذاتيتها واستقلالها
وحيث إن حرية التعاقد، قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صونا للحرية الشخصية التى لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التى يملكها كل شخص، فلايكون بها كائنا يُحمل على ما لا يرضاه، بل بشرا سويا بيد أن حرية التعاقد هذه التى تعتبر فى القضاء المقارن حقا طبيعيا لازما لكل إنسان تطويرا لإرادة الخلق والإبداع؛ وانحيازا لطرائق فى الحياة يختارها، ويكون بها أكثر اطمئنانا لغده؛ يستحيل وصفها بالإطلاق، بل يجوز فرض قيود عليها وفق أسس موضوعية تكفل متطلباتها دون زيادة أو نقصان، فلا تكون حرية التعاقد بذلك إلا حقا موصوفا A qualified right، ذلك أن الحرية الشخصية لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها؛ بين تمردها على كوابحها والحدود المنطقية لممارستها؛ بين مروقها مما يحد من اندفاعها، وردها إلى ضوابط لا يمليها التحكم • وفى إطار هذا التوازن، تتحدد دستورية القيود التى يفرضها المشرع عليها، تقديرا بأن الحرية الشخصية ليس لها من نفسها ما يعصمها مما يكون ضروريا لتنظيمها، وأن تعثرها لايكون إلا من خلال قيود ترهقها دون مقتض
وحيث إن من المقرر كذلك أن حرية التعاقد فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية ، فإنها كذلك وثيقة الصلة بالحق فى الملكية ؛ وذلك بالنظر إلى الحقوق التى ترتبها العقود فيما بين أطرافها، أيا كان المدين بأدائها• ولئن جاز القول بأن تأمين الجماعة لمصالحها فى مجال الصحة والأمن ودعم آدابها ورخائها العام، قد يقتضيها إلغاء عقود لا اعتبار لها، كتلك التى تدعو للجريمة وتنظمها؛ أو تعرقل دون حق تدفق التجارة فى سوق مفتوحة تحكمها قوانين العرض والطلب؛ وكانت السلطة التشريعية وإن ساغ لها استثناء أن تتناول أنواعا من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم آمر يكون مستندا إلى مصلحة مشروعة ؛ إلا أن هذه السلطة ذاتها لا يسعها أن تدهم الدائرة التى تباشر فيها الإرادة حركتها، فلا يكون لسلطانها بعد هدمها من أثر، ذلك أن الإرادة وإن لم يكن دورها كاملا فى تكوين العقود وتحديد الآثار التى ترتبها، بل يجوز أن يتدخل المشرع ليُحَمِّلها ببعض القيود التى لايجوز الاتفاق على خلافها، إلا أن الدائرة المنطقية التى تعمل الإرادة الحرة فى نطاقها – والتى توازن انفلاتها بضرورة ضبطها بدواعى العدل وبحقائق الصالح العام – لا يجوز اغتيالها بتمامها، وإلا كان ذلك إنهاءً لوجودها، ومحوا كاملا للحرية الشخصية فى واحد من أكثر مجالاتها تعبيرا عنها، ممثلا فى إرادة الاختيار استقلالا عن الأخرين، بما يصون لهذه الحرية مقوماتها، ويؤكد فعاليتها
وحيث إن التطور الراهن للحقوق الأساسية للإنسان، قد جعل منها جزءاً لا يتجزأ من المعايير الدولية التى تبنتها الأمم المتحضرة كقاعدة للتعامل مع غير المواطنين المقيمين بها؛ وكان التمييز غير المبرر فى مجال مباشرتها – ولو كان مبناه كون من يطلبها أجنبيا – يعتبر نقضا لها يخل بالحماية المقررة على صعيد تطبيقها؛ وكانت المعايير الدولية لايجوز تفسيرها بأنها تخول أحدا أو جماعة أو تنظيما سياسيا، أن ينال من الحقوق التى تقارنها، سواء بمحوها أو بإيراد قيود فى شأنها تزيد عن تلك التى ترتضيها الدول الديموقراطية فى مجتمعاتها؛ وكانت الحرية الشخصية وما يتصل بها من إرادة الاختيار – وعلى ضوء الضوابط الموضوعية التى يحيطها المشرع بها – تقعان فى نطاق الحقوق التى تكفلها المعايير الدولية لغير المواطنين؛ وكان الحق فى إدارة أعمال بذواتها، فرعا من جواز مباشرتها قانونا، ويفترض أن تخلص لأصحابها تنظيم شئونها، بما فى ذلك اختيار وكلائهم أو كفلائهم فى مجال تسييرها، فلا ينهض بمسئوليتها غير من يصطفونهم لثقتهم فى قدراتهم؛ وكان لا يجوز للمدعية – وفقا للنص المطعون فيه – أن تباشر عملياتها فى مصر إلا من خلال شركتها الوطنية التى تمثلها مصر للطيران دون غيرها، ولو كانت الدولة الأجنبية – التى تباشر مصر للطيران نشاطها فيها – لا تقتضى مثل هذا الشرط منها؛ فإن النص المطعون فيه يكون بذلك قد نقض مبدأ المعاملة بالمثل المقرر بصدر فقرته الأولى ، وجاوز كذلك الحدود المنطقية التى تعمل فيها إرادة الاختيار، وهى فرع من الحرية الشخصية تقيمها على سوائها، فلا تنفصل عنها، وأهدر بالتالى نص المادة ٤١ من الدستور
وحيث إن اتصال الحرية الشخصية – فى دائرة العقود بما ينشأ عنها من الحقوق لأطرافها – بالحق فى الملكية ، مؤداه أن تحدد المدعية بنفسها نطاق حقوقها والتزاماتها من خلال انتقائها – من بين الوكلاء أو الكفلاء الذين يتزاحمون فيما بينهم لمباشرة أعمالها فى مصر – واحدا من مجموعهم يكون اختياره وفق تقديرها ميسرا لمصالحها على ضوء ما تراه من الشروط ملبيا لها؛ فإن حرمانها من هذا الحق – عن طريق إلزام ها بأن تكون مصر للطيران دون غيرها وكيلا أو كفيلا عنها – إنما ينافى الحق فى الملكية الخاصة التى صانها الدستور بنص المادتين ٣٢ و ٣٤
وحيث إن اعتبار مصر للطيران – دون غيرها – وكيلا أو كفيلا عن المدعية ، مؤداه إقصاء غيرها من المواطنين عن مباشرة مهامها فى نطاق وكالتها أو كفالتها هذه، مما يخل بتساويهم معها فى الحقوق التى كفلها الدستور، بالمخالفة لنص مادته الأربعين
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة ٣٥ من قانون رسوم الطيران المدنى ومقابل استغلال حقوق النقل الجوى وإشغال واستغلال مبانى وأراضى الموانى الجوية والمطارات الصادر بالقانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٨٣، وذلك فيما نصت عليه من وتتولى مؤسسة مصر للطيران الوكالة أو الكفالة فى هذه الحالة وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى