حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٤ لسنة ١٣ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٤ لسنة ١٣ دستورية
تاريخ النشر : ٠٧ – ٠٧ – ١٩٩٤

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ بتعديل المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ وبسقوط مادته الثانية.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم الاثنين ٢٠ يونية ١٩٩٤ الموافق ١١ المحرم ١٤١٥ هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين اعضاء
وحضور السيد المستشار نجيب جمال الدين علما المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٤ لسنة ١٣ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / محمد فوزى السيد فوزى
ضد
السيد / رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية
السيد / مدير عام منطقة اسكندرية للتأمينات الاجتماعية
السيد / رئيس مجلس إدارة بنك مصر
السيد / رئيس مجلس الوزراء
الإجراءات

بتاريخ ٩ إبريل سنة ١٩٩١ أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ بتعديل المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، قدمت هيئة المفوضين تقريراً برأيها، ثم أعيدت القضية إليها بناء على طلبها فى جلسة المرافعة ، وقدمت تقريراً تكميلياً فيما أثاره هذا التقرير.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ١١٢١ لسنة ١٩٨٩ عمال كلى الإسكندرية – بعد أن استنفد طريق التظلم أمام لجنة فحص المنازعات الناشئة عن تطبيق قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ – طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهما الأول والثانى بصفتهما متضامنين بتعديل معاش الأجور المتغيرة المستحق له اعتباراً من أول يوليو سنة ١٩٨٧ إلى مبلغ ٨٨٥ر١٦١ جنيهاً شهرياً، وبأن يؤديا له مبلغ ٨١٢ر ٣٨٩٢ جنيهاً قيمة متجمد معاش الأجور المتغيرة المستحق له عن المدة من أول يولية ١٩٨٧ حتى ٣٠ أكتوبر سنة ١٩٨٩، بخلاف ما يستجد من معاش شهرى عن الأجور المتغيرة بواقع ٨٨٥ ر١٦١ جنيهاً شهرياً اعتباراً من أول نوفمبر سنة ١٩٨٩، مع إلزامهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة . وبعد أن قضت المحكمة الإبتدائية بجلسة ٢٧ مايو سنة ١٩٩٠ برفض الدعوى ، طعن فى حكمها أمام محكمة إستئناف الاسكندرية بالطعن رقم ٤٦٠ لسنة ٤٦ قضائية . وأثناء نظره، دفع بعدم دستورية القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١. وإذ قدرت محكمة الاستئناف جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن البين من تقصى نصوص قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، أنه لم يكن يقررللمؤمن عليه – وقت العمل به اعتباراً من أول سبتمبر١٩٧٥ – معاشاً عن أجره المتغير فى الحالة المنصوص عليها فى البند (١) من المادة (١٨) منه المتعلقة باستحقاق المعاش عند انتهاء خدمة المؤمن عليه لبلوغه سن التقاعد المنصوص عليه بنظام التوظف المعامل به، أو لبلوغه سن الستين بالنسبة للمؤمن عليهم المنصوص عليهم بالبندين (ب، ج) من المادة (٢) من ذلك القانون. ثم تقرر للمؤمن عليه لأول مرة معاشاً عن أجره المتغير بمقتضى القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٨٤ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، وذلك اعتباراً من الأول من إبريل سنة ١٩٨٤ امتداداً للحماية التأمينية لتشمل كامل أجر المؤمن عليه بعناصره المختلفة ، فنصت المادة (١٨ مكرراً) المضافة بهذا القانون على أن يستحق المعاش عن الأجر المتغير أياً كانت مدة اشتراك المؤمن عليه عن هذا الأجر وذلك متى توافرت فى شأنه إحدى حالات استحقاق المعاش عن الأجر الأساسى …… وبتاريخ ٢٧ يوليو سنة ١٩٨٧، صدر القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى ، ونص فى مادته الأولى على أنه:
إذا قل معاش المؤمن عليه عن أجر اشتراكه المتغير المستحق فى الحالة المنصوص عليها فى البند (١) من المادة (١٨) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ عن ٥٠ % من متوسط أجر تسوية هذا المعاش، رفع إلى هذا القدر متى توافرت الشروط الآتية :
(أ) أن يكون المؤمن عليه مشتركاً عن الأجر المتغير فى ١ / ٤ / ١٩٨٤ ومستمراً فى الاشتراك عن هذا الأجر حتى تاريخ انتهاء خدمته.
(ب) أن تكون للمؤمن عليه فى تاريخ توافر واقعة استحقاق المعاش مدة اشتراك فعلية عن الأجر الأساسى مقدارها ٢٤٠ شهرا على الأقل.
وفى تطبيق حكم هذه المادة يحسب معاش عن المدة المحسوبه فى مدة الاشتراك عن الأجر المتغير وفقاً للمادة (٣٤) من قانون التأمين الاجتماعى المشار إليه، ويضاف إلى المعاش المنصوص عليه فى الفقرة السابقة . وقضت مادته الثانية بأن يكون الحد الادنى لمعاش الأجر المتغير ٢٠ % من مجموع المعاش والزيادات المستحقة عن الأجر الأساسى بالنسبة إلى المؤمن عليه الموجود بالخدمة فى ١ / ٧ / ١٩٨٧ وتوافرت فى شأنه إحدى حالات استحقاق المعاش لبلوغ سن الشيخوخة أو الفصل بقرار من رئيس الجمهورية أو لإلغاء الوظيفة أو للعجز أو للوفاة المنصوص عليها فى المادة (١٨) من قانون التأمين الاجتماعى المشار إليه خلال فترة تنتهى حتى ٣٠ / ٦ / ١٩٩٠ – مدت بالقانون رقم ١٤ لسنة ١٩٩٠ – إلى ٣٠ / ٦ / ١٩٩٣. وقد عمل بهذه النصوص اعتباراً من أول يوليو سنة ١٩٨٧ بالتطبيق للمادة السابعة عشرة من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ المشار إليه. وبتاريخ ٥ يناير سنة ١٩٩١ صدر القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ – موضوع الطعن الماثل – بتعديل المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، ونص فى مادته الأولى على أن يضاف إلى المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ فقرة أخيرة نصها الآتى : ولا تسرى أحكام هذه المادة إلا على المؤمن عليه الموجود بالخدمة فى أول يوليه سنة ١٩٨٧ والذى لم تتوافر فى شأنه حتى ٣٠ يونية سنة ١٩٨٧ شروط استحقاق المعاش وفقاً لأحكام تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة فى القانون المشار إليه. ونص فى المادة (٢) على أن ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل بها اعتباراً من أول يوليه سنة ١٩٨٧.
وحيث إن المدعى ينعى على القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ المطعون فيه، إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة (٤٠) من الدستور، وذلك على سند من أن المراكز القانونية فيما يتعلق بالحق فى الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير الذى قررته المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧، هى مراكز متماثلة بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها. وإذ جاء القانون المطعون فيه منطوياً على تفرقة فى المعاملة بين أصحاب هذه المراكز القانونية بأن قصر الحق فى الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير على الموجودين فى الخدمة فى أول يوليه ١٩٨٧ دون أولئك الذين أحيلوا إلى التقاعد قبل هذا التاريخ، فإنه يكون قد تضمن تفرقة تحكمية بين أفراد هاتين الطائفتين لا تقوم على أسس واقعية ولا تتفق مع العدالة ، كما تخالف مفهوم التضامن الاجتماعى الذى اعتبره الدستور من مقومات المجتمع على ما نصت على ذلك المادة (٧) منه، بالإضافة إلى تعارضها مع نظام التأمين الاجتماعى ومبادئه. فضلاً عن أن القانون المطعون فيه عدوان على الحق فى الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير بعد أن ثبت ديناً فى ذمة الجهة الملتزمة بأدائه، وهو يعوق كذلك مباشرة القضاء لولايته بضمان الحق الذى كفله القانون بالنسبة إلى من أحيلوا إلى التقاعد قبل أول يوليو سنة ١٩٨٧ مستوفين للشروط التى تطلبها، وهو ما يُخل بحق الملكية واستقلال السلطة القضائية ، ويعد تدخلاً فى شئون العدالة ، وذلك بالمخالفة للمواد ( ١٧، ٣٤، ٦٨، ٦٩، ١٦٦ ) من الدستور.
وحيث إن نظام التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ يشمل التأمين ضد مخاطر بذاتها تندرج الشيخوخه والعجز والوفاة تحتها، وكان من المسلم فى تطبيق أحكام هذا القانون أن كلمة المؤمن عليه يقصد بها العامل الذى تسرى عليه أحكام ذلك القانون ويفيد من المزايا التأمينية التى نص عليها عند تحقق الخطر المؤمن منه، سواء أكان من العاملين المدنيين بالدولة أو هيئاتها أو مؤسساتها العامة أو وحداتها الاقتصادية أو غيرها من وحدات القطاع العام الاقتصادية ،
أم كان من العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل بالشروط التى نص عليها قانون التأمين الاجتماعى . ذلك أن محل التأمين أو العنصر الجوهرى فيه – جماعياً كان هذا التأمين أم فردياً – هو تحقق الخطر المؤمن منه. بل إن التأمين من هذا الخطر لمواجهة آثاره بعد وقوعها، هو الدافع إلى التأمين أيا كانت الجهة التى تنظم عملية توزيع المخاطر وتشتيتها بين المؤمن عليهم. وما التأمين الاجتماعى إلا صورة من صور التأمين، تقوم الدوله فيها بدور المؤمن. وقد فصل قانون التأمين الاجتماعى قواعد هذا النظام ونطاق سريان أحكامه وحدد الصناديق التأمينية التى توفر لمختلف صور التأمين ما يتصل بها من الحقوق المالية . فقرر بصريح مادته السابعة عشرة أن المشمولين بتأمين الشيخوخة مؤمن عليهم، وأن مقابل التأمين بالنسبة إليهم يتكون من عدة عناصر من بينها الحصة التى يلتزمون بأدائها من أجورهم سواء أكان الأجر أساسياً أم كان أجراً متغيراً. وأبان كذلك بمادته الثامنة عشرة عن أن المعاش يستحق بانتهاء خدمة المؤمن عليه لبلوغه سن التقاعد المنصوص عليه بنظام التوظف المعامل به.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان قد تقرر أصل الحق فى المعاش عن الأجر المتغير بمقتضى القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٨٤ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ امتداداً للحماية التأمينية لتشمل أجر المؤمن عليه بمختلف عناصره، وكان ما تغياه المشرع بذلك هو أن يوفر للمؤمن عليه معاشاً مناسباً مقارباً لما كان يحصل عليه من أجر أثناء مدة خدمته، يفى باحتياجاته الضرورية بعد بلوغ سن التقاعد التى يتحقق عندها الخطر المؤمن منه، فإن عبارة المؤمن عليه التى تضمنتها المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ المشار إليه – قبل تعديلها – لا يجوز قصرها على فئة بذاتها من المحالين إلى التقاعد هى تلك التى تكون فى الخدمة فى الأول من يوليو ١٩٨٧. ذلك أن المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ تقرر الحق فى الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير للمؤمن عليه بتوافر شروط ثلاث : ذأولها أن تكون خدمة العامل قد انتهت فى الحالة المنصوص عليها فى البند (١) من المادة (١٨) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، وهى انتهاء خدمة المؤمن عليه لبلوغ سن التقاعد المنصوص عليه بنظام التوظف المعامل به أو لبلوغه سن الستين بالنسبة للمؤمن عليهم المنصوص عليهم بالبندين (ب، ج) من المادة (٢) من قانون التأمين الاجتماعى .
ثانيها أن يكون المؤمن عليه مشتركاً عن الأجر المتغير فى ١ / ٤ / ١٩٨٤ ومستمراً فى الاشتراك عن هذا الأجر حتى تاريخ انتهاء خدمته. ثالثها أن يكون للمؤمن عليه فى تاريخ توافر واقعة استحقاق المعاش مدة اشتراك فعلية عن الأجر الأساسى مقدارها ٢٤٠ شهراً على الأقل. متى كان ذلك، وكان من المقرر أنه فى مجال استظهار المقاصد التى رمى المشرع إلى بلوغها من وراء إقراره حكماً معيناً، فإن العبارة التى صاغ المشرع بها النص التشريعى – فى سياقها ومحددة على ضوء طبيعة الموضوع محل التنظيم التشريعى والأغراض التى يتوخاها – هى التى يتعين التعويل عليها ابتداء، ولايجوز العدول عنها إلى سواها إلا إذا كان التقيد بحرفيتها يناقض أهدافاً واضحة مشروعة سعى إليها المشرع، وكان استقراء الشرطين الثانى والثالث اللذان علق عليهما القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ – قبل تعديل مادته الأولى – استحقاق المحالين إلى التقاعد الحد الادنى لمعاش الأجر المتغير، يدل على أن مدد الاشتراك عن هذا الأجر يعتد فى حسابها بزمن معين نهايته واقعة انتهاء الخدمة وأن مدد الاشتراك عن الأجر الاساسى يجب الا تقل عن فترة زمنية محددة فى تاريخ توافر واقعة استحقاق المعاش وكان ليس ثمة دليل من عبارة النص على أن هاتين الواقعتين كلتاهما – واقعة انتهاء الخدمة وواقعة استحقاق المعاش – متراخيتان إلى الأول من يوليو ١٩٨٧، فان قصر الحق فى الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير على هؤلاء الموجودين فى الخدمة فى هذا التاريخ، لا يعدو أن يكون حملاً للمادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ – قبل تعديلها – على شرط لا تتضمنه. وآية ذلك أن كلمه المؤمن عليه فى جميع مواضعها من هذه المادة قد ورد لفظها عاماً دون تخصيص، مطلقاً دون تقييد بما مؤداه: إنصرافها على سبيل الشمول والاستغراق إلى كل الأفراد الذين يندرجون تحتها، ذلك أن العام لايخصص إلا بدليل ولا يقيد المطلق إلا بقرينة . وبانتفائهما لا يجوز إسباغ معنى آخر على النص التشريعى ، وإلا كان ذلك تأويلاً غير مقبول، والتفافاً حول المصلحة الاجتماعية التى تظاهر النصوص التشريعية جميعها، وتعتبر هدفاً نهائياً لها. وقوامها فى الطعن الماثل توفير الأمن والطمأنينة لهؤلاء الذين تحقق خطر الشيخوخه بالنسبة إليهم، وذلك بضمان حد أدنى لمعاشاتهم عن الأجور المتغيرة لا يجوز النزول عنه بحال. ولازم ذلك ومقتضاه أن مفهوم المؤمن عليه فى تطبيق أحكام المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ – قبل تعديلها بالمادة الأولى من القانون المطعون فيه – ينصرف إلى كل من تعرض لخطر الشيخوخة من المؤمن عليهم، سواء كان قد بلغ سن التقاعد قبل العمل بالقانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧، أم كانت خدمته قد انتهت بعد نفاذه.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان من المسلم أنه إذا توافرت فى المؤمن عليه – محددا على هذا النحو – الشروط التى تطلبتها المادة الأولى من هذا القانون – قبل تعديلها – لاستحقاق الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير، فإن مركزه القانونى بالنسبة إلى هذا المعاش يكون قد استقر بصفة نهائية . ولا يجوز من بعد التعديل فى العناصر التى قام عليها. ذلك أن التغيير فيها بعد اكتمالها ليس إلا هدماً لوجوده، وإحداثاً لمركز قانونى جديد يستقل عن المركز السابق الذى نشأ مستوفياً لشرائطه بما يخل بالحقوق التى رتبها بإنكار موجباتها. ولئن كان الدستور قد فوض السلطة التشريعية فى مادته الثانية والعشرين بعد المائة – فى أن تقرر القواعد التى يتحدد الحق فى المعاش على ضوئها، إلا أن الشروط التى يفرضها المشرع لقيام حق من الحقوق، تعتبر من عناصره، بها ينهض سوياً على قدميه، ولا يتصور وجوده بدونها، ولا أن يكتمل كيانه فى غيبتها. ومن ثم لا تنعزل هذه الشروط عن الحق الذى تولد عنها، لأنها من مقوماته. ولا يتم وجوده إلا مرتبطاً بها، بما مؤداه : امتناع التعديل فيها بعد نشوء الحق مستجمعاً لها، وإلا كان ذلك نقضاً للحق بعد تقريره. وهو ما ينحل إلى مصادرته على خلاف احكام الدستور التى تبسط حمايتها على الحقوق الشخصية جميعها باعتبار أن لها قيمة مالية لا يجوز الانتقاص منها. ولا كذلك الشروط التى تكون الإرادة – صريحة كانت أم ضمنية – مصدراً لها، إذ يجوز أن تعدلها الإرادة التى أنشأتها. وهى كذلك أمر عارض يدخل على الحق بعد تمام وجوده وتكامل عناصره، ليغدو بعدئذ حقاً موصوفا. ومن ثم تكون هذه الشروط مضافة إلى الحق بعد تكوينه، ومن المتصور أن يوجد الحق بدونها.
وحيث إن القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ المطعون فيه قد صدر بمقولة أنه تشريع مفسر لأحكام المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ وأن الغرض من إصداره – وعلى مايبين من تقرير لجنة القوى العاملة فى شأن مشروع القانون المطعون فيه، وهو التقرير الذى نشر فى مضبطة الجلسة السادسة لمجلس الشعب المعقودة فى ٣١ ديسمبر ١٩٩٠ – هو قطع كل جدل حول المقصود بكلمة المؤمن عليه. كما أوضحت السيدة وزيرة الشئون الاجتماعية فى مضبطة الجلسة ذاتها أن مشروع القانون المعروض من قبلها لا ينشئ أية قاعدة جديدة ، ولا يمس المراكز القانونية القائمة ، بل هو من قبيل مزيد من التفسير لقصد المشرع فى شأن مفهوم المؤمن عليه الوارد فى القانون الأصلى ، وهو القانون رقم ٧٥ لسنة ١٩٧٩ الذى يحيل إليه القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ آنف البيان. متى كان ذلك، وكان من المقرر أن سلطة تفسير النصوص التشريعية سواء تولتها السلطة التشريعية أم باشرتها الجهة التى عُهد إليها بهذا الاختصاص، لايجوز أن تكون موطئاً إلى تعديل هذه النصوص ذاتها بما يخرجها عن معناها أو يجاوز الأغراض المقصودة منها. وبوجه خاص لا تتناول هذه السلطة تعديل مراكز قانونية توافرت مقوماتها وفقاً للقانون – محدد على ضوء الإرادة الحقيقية للمشرع – واكتمل تكوينها بالتالى قبل صدور قرارالتفسير، إذ يعتبر ذلك عدواناً على الحقوق التى ولدتها هذه المراكز وتجريداً لأصحابها منها بعد ثبوتها. وهو مالا يجوز أن ينزلق التفسير التشريعى اليه أو يخوض فيه. ذلك أن المجال الطبيعى لهذا التفسير لا يعدو أن يكون وقوفاً عند المقاصد الحقيقية التى توختها السلطة التشريعية من وراء إقرارها للنصوص القانونية ، وهى مقاصد لايجوز توهمها أو افتراضها كى لا تُحمل هذه النصوص على غير المعنى المقصود منها ابتداء. بل مناطها ما تغياه المشرع حقاً حين صاغها. وتلك هى الإرادة الحقيقية التى لا يجوز الإلتواء بها، ويفترض فى النصوص القانونية أن تكون كاشفة عنها مبلورة لها. وهى بعد إرادة لايجوز انتحالها بما يناقض عبارة النص ذاتها أو يعتبر مسخاً أو تشويها لها أو نكولاً عن حقيقة مراميها أو انتزاعاً لبعض ألفاظها من سياقها. كذلك لا يجوز أن يتخذ التفسير التشريعى ذريعة لتصويب أخطاء وقع المشرع فيها، أو لمواجهة نتائج لم يكن قد قدر عواقبها حق قدرها حين أقر النصوص القانونية المتصلة بها، إذ يؤول ذلك إلى تحريفها، ويتمحض عن تعديل لها.
وحيث إن البين من مقارنة أحكام القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى ، بالقانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ بتعديل المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧، أن هذا القانون – كما جاء بعنوانه ودل على ذلك بمضمونه – لا يتغيا تفسير المقاصد التى توختها المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧، بل رمى إلى تعديلها عن طريق إضافة شرط جديد إلى الشروط التى تطلبتها لاستحقاق الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير، هادفاً من وراء ذلك إلى تقييد أو تضييق مجال تطبيقها لمواجهة متطلبات تمويل هذا المعاش. ومن ثم تكون الأغراض المالية وحدها هى الغاية النهائية التى قصد المشرع – بإصداره القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ – إلى بلوغها. وهى بعد أغراض تنافى بطبيعتها حقيقة أبعاد التفسير التشريعى وليس لها من صلة بها. يؤكد ذلك ما قررته وزيرة الشئون الاجتماعية من أن سريان أحكام القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ – قبل تعديل مادته الأولى – على من خرج من الخدمة قبل الأول من يوليو ١٩٨٧ يخل بالأمن والأمان، وهما لا يتحققان إلا من خلال صناديق تقوم على أسس إكتوارية سليمة روعيت فى جميع التعديلات التى تم إدخالها على قوانين التأمين الاجتماعى ويناقضها مثلاً مد ميزة بأثر رجعى لأن ذلك سيرتب أضراراً جسيمة بالصناديق يخل باستمرار وفائها بالمزايا التأمينية ويجب بالتالى الحفاظ على مراكزها المالية . وإذ كان القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ قد نص فى مادته الأولى على ألا تسرى أحكام المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ إلا على المؤمن عليه الموجود بالخدمة فى أول يوليو لسنة ١٩٨٧ والذى لم تتوافر فى شأنه حتى ٣٠ يونيو سنة ١٩٨٧ شروط استحقاق المعاش وفقاً لأحكام تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة فى قانون التأمين الاجتماعى ، وكان القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ – قبل تعديل مادته الأولى على النحو المتقدم – لم يعلق استحقاق الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير على هذا الشرط، فإنه يكون شرطاً جديداً يعدل من المراكز القانونية القائمة قبل العمل به مقيماً على أنقاضها مراكز قانونية جديدة مختلفة عنها، وهو ما يجافى طبيعة التفسير التشريعى والأغراض التى يتوخاها.
وحيث إن موضوع تنظيم الحقوق وإن كان يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يمارسها المشرع وفق أسس موضوعية ولاعتبارات يقتضيها الصالح العام، إلا أن هذا التنظيم يكون مجانباً أحكام الدستور منافياً لمقاصده إذا تعرض للحقوق التى تناولها سواء بإهدارها أو بالانتقاص منها.
متى كان ذلك، وكان القانون المطعون فيه قد أكد – بعنوانه وحقيقة مضمونه – أنه توخى بمادته الأولى تعديل الشروط التى تطلبتها المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ لقيام الحق فى الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير، مقيدا بذلك من نطاق تطبيقها، ومحدثاً تغييراً جوهرياً فى عناصر هذا الحق، ومخلاً بالتإلى بالمركز القانونى للمؤمن عليهم الذين عناهم هذا القانون وعلق حقهم فى الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير على استيفاء الشروط التى تطلبها والتى يعد ذلك القانون مصدراً مباشراً لها، وكان التعديل فى هذا المركز – الذى نشأ مكتملاً مستوفياً لعناصره جميعها قبل نفاذ القانون المطعون فيه – مؤداه: الحتمى حرمان فئة من المؤمن عليهم من المزايا التأمينية التى كفلها لهم القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ قبل تعديل مادته الأولى ، ويتمحض بالتالى عدوانا على حقوقهم الشخصية التى سعى الدستور إلى صونها، فإن القانون المطعون فيه يكون قد جاوز نطاق السلطة التقديدية التى يملكها المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق باقتحام المجال الذى يؤكد جوهرها، ويكفل فعاليتها.
وحيث إن الدستور وإن فوض السلطة التشريعية فى تقرير قواعد منح المعاش، إلا أن من المقرر – على ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن الحق فى المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه – فإنه ينهض إلتزاماً على الجهة التى تقرر عليها مترتباً فى ذمتها بقوة القانون. وإذا كان الدستور قد خطا خطوة أبعد فى اتجاه دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة فى مادته السابعة عشرة تقرير معاش يواجه به المواطنون بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى هى التى تكفل بمداها واقعا أفضل يؤمن المواطن فى غده ويرعى موجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع على ما تقضى به المادة السابعة من الدستور. يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها نظام التأمين الاجتماعى بصوره المختلفة لا يقتصر أثرها على ضمان مايُعين أسرة المؤمن عليه على مواجهة إلتزاماتها الحيوية ، ولكنها فى الوقت ذاته مفترض أولى وشرط مبدئى لإسهام المؤمن عليه فى الحياة العامة والاهتمام بوسائل النهوض بها ومراقبة كيفية تصريف شئونها، متحرراً فى ذلك من عثرات النهوض بمسئوليته هذه وهو ما يتحقق بوجه خاص إذا مانزل المشرع باحتياجاته عن حدودها الدنيا التى لا يجوز التفريط فيها على ما قررته ديباجة دستور جمهورية مصر العربية التى تعتبر مدخلاً إليه، وتكون مع الأحكام التى ينتظمها كلاً غير من قسم Bloc de Constitutionnalite ذلك أن هذه الديباجة – التى تسميها بعض الدساتير العربية بالتوطئة دلالة على اتصالها بالدستور وإندامجها فى أحكامه – تؤكد أن مكانة الوطن وهيبته وقوته هى انعكاس لقيمة الفرد وعمله وكرامته، وأن عزته وطبيعته الإنسانية هى الشعاع الذى هداه ووجهه إلى التطور الهائل الذى قطعته البشرية فى اتجاهها نحو مثلها الأعلى .
وحيث إن الدستور أفرد بابه الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة ، وصدّره بالنص فى المادة الأربعين منه على أن المواطنين لدى القانون سواء، وكان الحق فى المساواة أمام القانون هو ما رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى وعلى تقدير أن الغاية التى يتوخاها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وتأمين حرياتهم فى مواجهة صور من التمييز تنال منها، أو تُقيد ممارستها. وغدا هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة ، والتى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى تلك التى يقررها القانون ويكون مصدراً لها، وكانت السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، وكان الأصل فى الأحكام هو استلهام روحها ومقاصدها، وكان لا شبهة فى أن القانون المطعون فيه قصد أن يضيف بمادته الأولى شرطاً علق عليه الإفادة من الحد الادنى لمعاش الأجر المتغير هو أن يكون المؤمن عليه موجوداً فى الخدمة فى أول يوليو ١٩٨٧، وهو شرط لم يكن قائماً أو مقرراً من قبل بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧، ولا متصلاً بمتطلبات تطبيقها عند إقرارها من السلطة التشريعية ، بل أُقحم عليها، وجاء بالتالى مصادماً للأغراض التى توختها وهادماً لعلاقات قانونية تتصل بالشخصية المتكاملة للمواطن وبالحدود التى لا يجوز النزول عنها للحق فى الحياة فى إطار من الأمن والطمأنينة ، متبنياً كذلك تمييزاً تحكمياً منهياً عنه بنص المادة الأربعين من الدستور بين فئتين إحداهما تلك التى أحيل أفرادها إلى التقاعد اعتباراً من الأول من يوليو ١٩٨٧ وأخراهما تلك التى بلغ أفرادها سن التقاعد قبل ذلك دون أن يستند التمييز بين هاتين الفئتين إلى أسس موضوعية ، ذلك أنه اختص الفئة الأولى بحقوق تأمينية حجبها عن الفئة الثانية حال أن الخطر المؤمن ضده قائم فى شأن أفراد هاتين الفئتين – وجميعهم مؤمن عليهم – وكان يجب ضماناً للتكافؤ فى الحقوق بينهما أن تنتظمها قواعد موحدة لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها.
وحيث إن المؤمن عليه الذى انتهت خدمته بالتقاعد قبل أول يوليو ١٩٨٧ – وإن كان قد أفاد من الزيادة فى المعاش التى تقررت بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم ١٠٢ لسنة ١٩٨٧ التى تنص على أن تزاد بنسبة ٢٠% اعتباراً من أول يوليو ١٩٨٧، المعاشات المستحقة قبل هذا التاريخ وفقاً لأحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، إلا أن هذه الزيادة – وأيا كانت القاعدة التى إلتزمها المشرع فى طريقة حسابها – تنسحب إلى كامل المعاش بمختلف عناصره، وليس من شأنها أن تنحى قاعدة تستقل فى مضمونها عنها، ويجوز إعمالها إلى جانبها، هى تلك التى أو ردها المشرع بالمادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ فى شأن الحد الأدنى لمعاش الأجر المتغير، بما مؤداه: أن لكل من هاتين القاعدتين مجالاً تعمل فيه، وأنهما لاتتصادمان بالتالى . وليس ثمة ما يحول بين المشرع وبين أن يعيد النظر فى أحد العناصر التى يتكون المعاش منها لضمان عدم النزول بمبلغ المعاش الذى يقابلها عن حد معين، ولو كان قد قرر من قبل زيادة تتناول العناصر المختلفة للمعاش وتشملها جميعاً. والقول بعدم الاتساق التشريعى بين هاتين المزيتين مردود بأنهما لاتتناقضان على ما سلف البيان. والحرمان من أحداهما بعد قيام موجبها، لا يعدو أن يكون عدواناً على الحقوق المتولدة عنها. كذلك فإن انتفاء التجانس بين النصوص التشريعية فى حالة بعينها لا يشكل – فى ذاته – مخالفة دستورية يستنهض الفصل فيها ولاية
المحكمة الدستورية العليا
.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الحماية التى أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان وفقاً لنص المادة الرابعة والثلاثين منه لا تنحصر فى الملكية الفردية كحق عينى أصلى تتفرع عنه الحقوق العينية جميعها، ويعتبر جماعها وأوسعها نطاقاً. بل تمتد هذه الحماية إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية ، وكان ما يميز الملكية الفردية عن الحقوق الشخصية هو أنه بينما تخول الملكية الفردية صاحبها السلطة المباشرة على الشئ محلها تصرفاً واستغلالاً واستعمالاً لتعود إليه دون غيره ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها يستخلصها منها دون وساطة أحد، فإن الحقوق الشخصية ترتبط بمدين معين أو بمدينين معينين، وبوساطتهم يكون اقتضاء الدائن لها، وكان التمييز بين الملكية الفردية والحقوق الشخصية على هذا النحو لاينال من كونهما من الأموال، ذلك أن الحقوق العينية التى تقع على العقار – بما فى ذلك حق الملكية – تعتبر مالاً عقارياً. أما الحقوق العينية التى تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية – أيا كان محلها – فإنها تعد
مالاً منقولاً. ويتعين بالتالى أن تمتد الحماية المنصوص عليها فى المادة الرابعة والثلاثين من الدستور إلى الحقوق الشخصية والعينية على سواء. ذلك أن التمييز بينهما فى مجال هذه الحماية ينافى مقاصد الدستور فى سعيها لتأمين الأموال جميعها من العدوان عليها وبما يردع مغتصبيها.
متى كان ماتقدم، وكان النص المطعون فيه قد أهدر الحد الأدنى للمعاش عن الأجر المتغير بالنسبة إلى هؤلاء الذين بلغوا سن التقاعد قبل أول يوليو ١٩٨٧، وكان اقتضاء هؤلاء ذلك الحد الأدنى قد أضحى حقاً ثابتاً لهم، وإلتزاماً مترتباً فى ذمة الجهة المدينة على ما سلف البيان، وكان حقهم هذا من الحقوق الشخصية التى تعد من الأموال التى كفل الدستور تأمينها من العدوان، فإن نكول المادة الأولى من القانون المطعون فيه عن إيفائها بعد استقرارها ديناً فى ذمة الملتزم بها، يكون عملا مخالفاً لنص المادة الرابعة والثلاثين من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت هذه المحكمة قد انتهت إلى عدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ بتعديل المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، وكانت مادته الثانية تتناول الأثر الرجعى لهذا القانون بنصها على سريان أحكامه اعتباراً من أول يوليو ١٩٨٧، فإنها تسقط تبعاً لإبطال مادته الأولى ، إذ لايتصور وجودها مستقلة عنها بالنظر إلى ارتباطهما ارتباطاً لايقبل التجزئة .
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم ١ لسنة ١٩٩١ بتعديل المادة الأولى من القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، وبسقوط مادته الثانية ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى