حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ١٣ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ١٣ دستورية
تاريخ النشر : ١٥ – ٠٥ – ١٩٩٣

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الخامسة والعشرين من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٦٢ بتسليم الأعيان التي تديرها الأوقاف إلي الهيئة العامة للإصلاح الزراعي والمجالس المحلية، وذلك فيما تضمنته من اعتبار نصيب كل من لم يتقدم بطلبه إلي وزارة الأوقاف – خلال الميعاد المنصوص عليه فيها – وقفاً خيرياً.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء ومحمد خيرى طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
إذا كان ناظر الوقف على الأعيان التى إعتبر وقفها منتهياً عملاً بنص المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ بإنهاء الوقف على غير الخيرات – قد عين حارساً قضائياً على الأعيان التى كانت موقوفة ، فقد أضحى ملزماً بأن يعمل على حفظها و أن يقوم بإدارتها ، ذلك أن الأحكام التى تنتظم الحراسة ، و بها تتحدد حقوق الحارس و نطاق سلطاته ، هى مزاوجة بين عقدين هما عقد الوديعة و عقد الوكالة ، و إنطباقها معاً على الحارس ، مؤداه أن له مهمتين تتمحض إحداهما عن صون المال و حفظه بصفته مودعاً عنده ، و تخوله ثانيتهما إدارته بإعتباره وكيلاً عن أصحابه . و إندماج هذين العقدين معاً لا يدل على أنهما متكافئان فى مجال بيان المهمة التى يقوم الحارس عليها ، و حدود مسئوليته ، ذلك أن إلتزامه بصون الأموال التى يرعاها أظهر من واجبه كوكيل فى إدارتها . و مرد ذلك أن الحراسة فى حقيقتها لا تعدو أن تكون صورة خاصة من صور الوديعة ، بل هى الصورة الأكثر وقوعاً فى العمل . إذ كان ذلك ، و كانت وزارة الأوقاف – و على ما تقضى به المادة الخامسة و العشرون من القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٦٢ بتسليم الأعيان التى تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى و المجالس المحلية – هى التى تقوم بحصر الأوقاف المقيدة بسجلاتها بإعتبارها أوقافاً أهلية ليس لها مستحقون معلومون ، و هى التى تعد الكشوف المتعلقة بها و المتضمنة بيان مقرها و مساحتها و حدودها على أن تنشر بالكيفية التى نظمتها هذه المادة لضمان إعلام كل ذى شأن بها ، و كانت هذه المادة عينها قد ألزمت كل ذى شأن بأن يتقدم لوزارة الأوقاف مطالباً بإستحقاقه فى تلك الأوقاف خلال ستة أشهر من تاريخ النشر ، و إلا إعتبر نصيب من لم يتقدم وقفاً خيرياً . متى كان ما تقدم ، و كان إعمال نص المادة الخامسة و العشرين المشار إليها – فيما تضمنته من إعتبار نصيب كل من لم يتقدم مطالباً بإستحقاقه خلال الميعاد المحدد بها وقفاً خيرياً – مؤداه إنتزاع الأعيان التى إعتبر وقفها منتهياً من يد الحارس عليها و إخراجها بأكملها من نطاق ولايته ، و غل يده عنها ، و إنتقالها إلى غير مستحقيها ، بل و التغيير فى طبيعتها بتحويلها من أموال مملوكة يباشر عليها أصحابها كل الحقوق المتفرعة عن الملكية ، إلى أموال مرصودة على البر موجهة لتحقيق أغراضه ، و هو ما يخل بمهمة الحارس كأمين عليها تقع عليه مسئولية أعمال الحفظ التى تلزمها – إلى أن يتم تسليمها إلى أصحابها – بما فى ذلك الطعن بعدم دستورية النص التشريعى الذى إنتزع هذه الأعيان من ذويها ، و أحال حقوقهم فى شأنها عدماً . و من ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها من غير ذى صفة حرياً بالرفض .

– – – ٢ – – –
إذا كان ناظر الوقف على الأعيان التى إعتبر وقفها منتهياً عملاً بنص المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ بإنهاء الوقف على غير الخيرات – قد عين حارساً قضائياً على الأعيان التى كانت موقوفة ، فقد أضحى ملزماً بأن يعمل على حفظها و أن يقوم بإدارتها ، ذلك أن الأحكام التى تنتظم الحراسة ، و بها تتحدد حقوق الحارس و نطاق سلطاته ، هى مزاوجة بين عقدين هما عقد الوديعة و عقد الوكالة ، و إنطباقها معاً على الحارس ، مؤداه أن له مهمتين تتمحض إحداهما عن صون المال و حفظه بصفته مودعاً عنده ، و تخوله ثانيتهما إدارته بإعتباره وكيلاً عن أصحابه . و إندماج هذين العقدين معاً لا يدل على أنهما متكافئان فى مجال بيان المهمة التى يقوم الحارس عليها ، و حدود مسئوليته ، ذلك أن إلتزامه بصون الأموال التى يرعاها أظهر من واجبه كوكيل فى إدارتها . و مرد ذلك أن الحراسة فى حقيقتها لا تعدو أن تكون صورة خاصة من صور الوديعة ، بل هى الصورة الأكثر وقوعاً فى العمل . إذ كان ذلك ، و كانت وزارة الأوقاف – و على ما تقضى به المادة الخامسة و العشرون من القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٦٢ بتسليم الأعيان التى تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى و المجالس المحلية – هى التى تقوم بحصر الأوقاف المقيدة بسجلاتها بإعتبارها أوقافاً أهلية ليس لها مستحقون معلومون ، و هى التى تعد الكشوف المتعلقة بها و المتضمنة بيان مقرها و مساحتها و حدودها على أن تنشر بالكيفية التى نظمتها هذه المادة لضمان إعلام كل ذى شأن بها ، و كانت هذه المادة عينها قد ألزمت كل ذى شأن بأن يتقدم لوزارة الأوقاف مطالباً بإستحقاقه فى تلك الأوقاف خلال ستة أشهر من تاريخ النشر ، و إلا إعتبر نصيب من لم يتقدم وقفاً خيرياً . متى كان ما تقدم ، و كان إعمال نص المادة الخامسة و العشرين المشار إليها – فيما تضمنته من إعتبار نصيب كل من لم يتقدم مطالباً بإستحقاقه خلال الميعاد المحدد بها وقفاً خيرياً – مؤداه إنتزاع الأعيان التى إعتبر وقفها منتهياً من يد الحارس عليها و إخراجها بأكملها من نطاق ولايته ، و غل يده عنها ، و إنتقالها إلى غير مستحقيها ، بل و التغيير فى طبيعتها بتحويلها من أموال مملوكة يباشر عليها أصحابها كل الحقوق المتفرعة عن الملكية ، إلى أموال مرصودة على البر موجهة لتحقيق أغراضه ، و هو ما يخل بمهمة الحارس كأمين عليها تقع عليه مسئولية أعمال الحفظ التى تلزمها – إلى أن يتم تسليمها إلى أصحابها – بما فى ذلك الطعن بعدم دستورية النص التشريعى الذى إنتزع هذه الأعيان من ذويها ، و أحال حقوقهم فى شأنها عدماً . و من ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها من غير ذى صفة حرياً بالرفض .

– – – ٣ – – –
حرص الدستور على صون الملكية الخاصة و كفل عدم المساس بها إلا على سبيل الإستثناء ، و فى الحدود و بالقيود التى أوردها ، بإعتبار أنها فى الأصل مترتبة على الجهد الذى بذله صاحبها بكده و عرقه ، و حافزه إلى الإنطلاق إلى آفاق التنمية مقتحماً دروبها ، معبداً من خلالها طريقه إلى التقدم ، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها و بتهيئة الإنتفاع المفيد بها لتعود إليه ملحقاتها و ثمارها و منتجاتها ، و ذلك دون ما إخلال بالقيود التى تفرضها وظيفتها الإجتماعية ، و هى وظيفة يتحدد نطاقها و مرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية ، و الأغراض التى ينبغى توجيهها إليها ، و بمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع و يرجح من خلالها ما يراه من المصالح أواى بالرعاية و أجدر بالحماية .

– – – ٤ – – –
من المقرر أن حق الملكية نافذ فى مواجهة الكافة ، و أن حصانته تدرأ عنه كل عدواناً أياً كانت الجهة التى صدر عنها ، و أنه صوناً لحرمتها كفل الدستور حمايتها – على الأخص – من جهتين ، أولاهما : أنها لا تزول بعدم إستعمالها ، و لا يجوز أن يجردها المشرع من لوازمها ، و لا أن يفصل عنها أجزاءها المكونة لها ، و لا أن ينتقص من أصلها أو يعدل من طبيعتها ، و لا أن يقيد من مباشرة الحقوق المتفرعة عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الإجتماعية ، و بوجه خاص لا يجوز أن يسقطها المشرع عن صاحبها سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر ، و لا أن يقرر زوال حقه على الأموال محلها إلا إذا كسبها غيره وفقاً للقانون ، و طبقاً للأوضاع المنصوص عليها فيه . ثانيتهما : أنه لا يجوز نزع الملكية من ذويها – سواء عن طريق التأميم أو غيره – إلا فى الأحوال التى يقرها القانون ، و بالكيفية المنصوص عليها فيه ، و مقابل تعويض يكون معادلاً لقيمتها الحقيقية فى تاريخ نزعها ، و لمنفعة أو مصلحة عامة لها إعتبارها . و دون ذلك تفقد الملكية الخاصة ضماناتها الجوهرية ، و يكون العدوان عليها غصباً لها أدخل إلى مصادرتها ، و هو ما حرص الدستور على توكيده فى المادتين ٣٢ ، ٣٤ منه التى تقرر أولاهما حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم فى جوهرها على الإستغلال ، و دعمها لها شريطة أدائها لوظيفتها الإجتماعية التى يبن المشرع حدودها مراعياً أن تعمل فى خدمة الإقتصاد القومى و فى إطار خط التنمية . و تقرر ثانيتهما صون الملكية الخاصة بما يحول دون نزعها لغير منفعة عامة ، و مقابل تعويض وفقاً للقانون . متى كان ما تقدم ، و كان المستحقون فى الأعيان التى أصبح وقفها منتهياً – و سواء كانوا معلومين للجهة الإدارية أم كانوا غير معلومين لها – قد صاروا مالكين لحصص فيها ملكية باته غير معلقة على شرط بقدر الأنصبة التى كانت لهم قبل هذا الإنهاء ، و كان النص التشريعى المطعون فيه قد ألزمهم بأن يتقدموا إلى الجهة الإدارية التى عينها ، و خلال الموعد الذى حدده ، مطالبين بملكيتهم و إلا حرموا منها بصفة نهائية بإنقلابها وقفاً خيرياً ، و كان هذا النص – و قد جرى على هذا النحو – قد تمحض عن عدوان مباشر على حق الملكية الخاصة بإرصاده الأموال محلها وقفاً خيرياً ، و هو ما يناقض طبيعتها و يعدل من خصائصها ، و ينحل إلى إنتزاعها من ذويها لغير منفعة عامة ، و دون تعويض ، و كان إسقاط الملكية عن أصحابها بعمل تشريعى يناقض الحقيقة القانونية التى لا يجوز بمقتضاها أن تنتقل الملكية من شخص معين إلا إذا كسبها غيره وفقاً للقانون ، فإن لازم ما تقدم أن النص التشريعى المطعون فيه يكون قد أزال الملكية عن أصحابها بإعدامه لها . و آية ذلك أن المستحقين لحصص فى الأعيان التى إعتبر وقفها متنتهياً لا يفقدون – بالنص المطعون فيه – ملكيتهم لها لأن حقهم فيها يفتقر إلى دليل إثباته ، و إنما تزول هذه الملكية عنهم بناء على واقعة لا شأن لها بإستحقاقهم للحصص مثار النزاع ، هى عدم مطالبتهم الجهة الإدارية بها خلال موعد محدد .

– – – ٥ – – –
إن السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق مقيدة بالتخوم التى فرضها الدستور حداً لها ، و من بينها ألا يكون التنظيم التشريعى للحق مؤدياً إلى مصادرته أو منطوياً على إغتيال وجوده . و هو ما نحاه النص المطعون فيه بإعتبار حصص المستحقين الذين قعدوا عن طلبها خلال موعد معلوم ، وفقاً مرصوداً على جهة بر ، مهدراً بذلك الحق فى الملكية عاصفاً بخصائصها ، و بما يناهض كذلك مبدأ خضوع الدولة للقانون ما يتطلبه من إستقامة المنحى عند إقرار النصوص التشريعية ، و ذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور لحماية الحقوق التى كفلها .

– – – ٦ – – –
إن النص التشريعى المطعون فيه قد أخل كذلك بمبدأ الحماية القانونية المتكافئة المنصوص عليه فى المادة ٤٠ من الدستور ، ذلك أنه خص الفئة التى تعلق بها مجال تطبيقه بمعاملة إستثنائية لا تستند إلى أسس موضوعية جاوز بها ما تقتضيه الحماية المتكافئة بين المركز القانونية المتماثلة ، و هى معاملة رتبها على واقعة لا يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين ، تلك هى عدم تقدم المستحقين إلى الجهة الإدارية التى حددها ، خلال موعد معين، مطالبين بالحصص التى يملكونها . و من ثم يكون النص المطعون فيه قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية .

[الطعن رقم ١٨ – لسنــة ١٣ ق – تاريخ الجلسة ١٥ / ٠٥ / ١٩٩٣ – مكتب فني ٥ – رقم الجزء ٢ – رقم الصفحة ٣٠٤ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن بعض مدعى الاستحقاق فى وقف المرحوم شهاب الدين أحمد الشهير نسبه بالرويعى، كانوا قد أقاموا أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية “نفس” الدعاوى أرقام ١٥٦٨ لسنة ١٩٨٨، ١٩٦٨ لسنة ١٩٨٨، ١٩٦٩ لسنة ١٩٨٨، ١١٦ لسنة ١٩٨٩ ضد المدعى – فى الدعوى الماثلة – بصفته حارساً قضائياً على الوقف المذكور طالبين فيها الحكم باستحقاقهم لأنصبة غير محددة فى أعيان ذلك الوقف يصير تحديدها بواسطة لجان القسمة تأسيساً على أنهم جميعاً من نسل الواقف ويستحقون فى وقفه، وأنه فيما جاوز حصة شائعة تضمن غلتها الوفاء بالأغراض الخيرية التى رصد الوقف عليها، فإن باقى ريعه يتعين صرفه لمن حددهم الواقف من ذريته، وأنه إذ كان المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ قد نص فى مادته الثانية على أن يعتبر منتهياً كل وقف لا يكون مصرفه فى الحال خالصاً لجهة بر، فإن ملكية الأعيان التى أصبح الوقف فيها منتهياً على هذا النحو تؤول إلى المستحقين كل بقدر حصته أو حصة أصله فى الاستحقاق، وإذ كانت محكمة الموضوع قد قررت ضم الدعاوى أرقام ١٩٦٨ لسنة ١٩٨٨ و١٩٦٩ لسنة ١٩٨٨ و١١٦ لسنة ١٩٨٩ إلى الدعوى رقم ١٥٦٨ لسنة ١٩٨٨ لارتباطها وليصدر فيها جميعاً حكم واحد، وكانت وزارة الأوقاف – التى أدخلتها المحكمة خصماً جديداً – قد نازعت رافعيها استحقاقهم لأنصبة فى أعيان الوقف سالف الذكر قولاً منها بأنه كان يتعين عليهم أن يتقدموا بطلبها وفقاً للأحكام التى تضمنتها المادة الخامسة والعشرون من القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٦٢ بتسليم الأعيان التى تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى والمجالس المحلية، وإذ كانت هذه المادة ذاتها تنص على أنه إذا لم يتقدم كل ذى شأن مطالباً باستحقاقه وفقاً لأحكامها، فإن نصيبه يعتبر وقفاً خيرياً، فقد دفع المدعى بعدم دستوريتها، ثم أقام الدعوى الماثلة بعد تقدير محكمة الموضوع لجدية دفعه. وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول هذه الدعوى تأسيساً على أن صفة رافعها كحارس على الأعيان التى كانت موقوفة تقف عند حد المحافظة عليها والقيام بإدارتها، ومباشرة حق التقاضى فيما ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات لا تمس أصل الحق. وذلك إلى أن يتمكن أصحابها من استلامها، وأنه إذ كان الحارس ليس من طالبى الاستحقاق فى الدعاوى الموضوعية، فإن صفته فى الدعوى الدستورية التى أقامها تكون منتفية. وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ناظر الوقف على الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً عملاً بنص المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ بإنهاء الوقف على غير الخيرات – قد عين حارساً قضائياً على الأعيان التى كانت موقوفة، وأضحى ملزماً بالتالى بأن يعمل على حفظها وأن يقوم بإدارتها، ذلك أن الأحكام التى تنتظم الحراسة وبها تتحدد حقوق الحارس ونطاق سلطاته، هى مزاوجة بين عقدين هما عقد الوديعة وعقد الوكالة، وانطباقهما معاً على الحارس مؤداه ان له مهمتين تتمحض إحداهما عن صون المال وحفظه بصفته مودعاً عنده، وتخوله ثانيتهما إدارته باعتباره وكيلاً عن أصحابه. واندماج هذين العقدين معاً لا يدل على أنهما متكافئان فى مجال بيان المهمة التى يقوم الحارس عليها، وحدود مسئوليته، ذلك أن التزامه بصون الأموال التى يرعاها أظهر من واجبه كوكيل فى إدارتها، ومرد ذلك أن الحراسة فى حقيقتها لا تعدو أن تكون صورة خاصة من صور الوديعة، بل هى الصورة الأكثر وقوعاً فى العمل. إذ كان ذلك، وكانت وزارة الأوقاف – وعلى ما تقضى به المادة الخامسة والعشرون من القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٦٢ – هى التى تقوم بحصر الأوقاف المقيدة بسجلاتها باعتبارها أوقافاً أهلية ليس لها مستحقون معلومون، وهى التى تعد الكشوف المتعلقة بها والمتضمنة بيان مقرها ومساحتها وحدودها على أن تنشر بالكيفية التى نظمتها هذه المادة لضمان إعلام كل ذى شأن بها، وكانت هذه المادة عينها قد ألزمت كل ذى شأن بأن يتقدم لوزارة الأوقاف مطالباً باستحقاقه فى تلك الأوقاف خلال ستة أشهر من تاريخ النشر، وإلا اعتبر نصيب من لم يتقدم وقفاً خيرياً. متى كان ما تقدم، وكان إعمال نص المادة الخامسة والعشرين المشار إليها – فيما تضمنته من اعتبار نصيب كل من لم يتقدم مطالباً باستحقاقه خلال الميعاد المحدد بها وقفاً خيرياً – مؤداه انتزاع الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً من يد الحارس عليها وإخراجها بأكملها من نطاق ولايته، وغل يده عنها، وانتقالها إلى غير مستحقيها، بل والتغيير فى طبيعتها بتحويلها من أموال مملوكة يباشر عليها أصحابها كل الحقوق المتفرعة عن الملكية، إلى أموال مرصودة على البر موجهة لتحقيق أغراضه، وهو ما يخل بمهمة الحارس كأمين عليها تقع عليه مسئولية أعمال الحفظ التى تلزمها – إلى أن يتم تسليمها إلى أصحابها – بما فى ذلك الطعن بعدم دستورية النص التشريعى الذى انتزع هذه الأعيان من زويها، وأحال حقوقهم فى شأنها عدماً. ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها من غير ذى صفة حرياً بالرفض. وحيث إن المدعى ينعى على المادة الخامسة والعشرين من القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٦٢ – المشار إليه – مخالفتها للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية قولاً منه بأنه وفقاً للمادتين الثانية والثالثة من المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ بإنهاء الوقف على غير الخيرات، فإن المستحقين فى الأوقاف وقت العمل بأحكامه أصبحوا ملاكاً للقدر الذى انتهى فيه الوقف، وكان يتعين بالتالى صون ملكيتهم من العدوان، إلا أن النص المطعون عليه ألزمهم بأن يتقدموا لوزارة الأوقاف – خلال ميعاد معلوم – مطالبين بالحصص التى يملكونها فى هذه الأوقاف، وإلا اعتبر نصيب كل من لم يتقدم لطلبها وقفاً خيرياً بما مؤداه التعرض لملكيتهم بإسقاطها بالمخالفة للدستور الذى كفل حمايتها وحال دون مصادرتها بغير حكم قضائى، ومنع نزعها لغير المنفعة العامة ومقابل تعويض. وحيث إن هذا النعى فى محله ذلك أن المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ تنص على أن يعتبر منتهياً كل وقف لا يكون مصرفه فى الحال خالصاً لجهة من جهات البر، فإذا كان الواقف قد شرط فى وقفه لجهة بر خيرات أو مرتبات دائمة معينة المقدار أو قابلة للتعيين مع صرف باقى الريع إلى غير جهات البر، اعتبر الوقف منتهياً فيما عدا حصة شائعة تضمن غلتها الوفاء بنفقات تلك الخيرات أو المرتبات. وتنص مادته الثالثة على أن يصبح ما ينتهى فيه الوقف على الوجه المبين فى المادة السابقة ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه، فإن لم يكن، آلت الملكية إلى المستحقين الحاليين كل يقدر حصته أو حصة أصله فى الاستحقاق. ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٦٢ المشار إليه، ونص فى مادته الخامسة والعشرين على أن تقوم وزارة الأوقاف بحصر الأوقاف المقيدة بسجلاتها باعتبارها أوقافاً أهلية لها مستحقون غير معلومين. وتعد الوزارة كشوفاً بهذه الأوقاف يوضح بها أسم الوقف وأعيانه ومقرها ومساحتها ينشر فى جريدتين يوميتين، كما تلصق لمدة ثلاثة أشهر على الباب الرئيسى لمقر ديوان عام وزارة الأوقاف وبمقر الشرطة أو العمدة فى المدينة أو القرية التى توجد بدائرتها أعيان الوقف، ويكون لكل ذى شأن أن يطالب بإستحقاقه فى هذه الأوقاف، وذلك بموجب طلب يقدم إلى وزارة الأوقاف خلال ستة أشهر من تاريخ النشر، فإذا مضت هذه المدة دون أن يتقدم ذوو الشأن بهذا الطلب أعتبر نصيب كل من لم يتقدم وقفاً خيرياً. وعملاً بالمادة السادسة والعشرين من ذلك القانون، تتولى فحص الطلبات المقدمة من ذوى الشأن طبقاً لأحكام المادة السابقة لجنة أو أكثر يرأسها قاضى تعينه وزارة العدل، ويصدر بتشكيلها وتحديد مكان انعقادها قرار من وزير الأوقاف، وتكون قرارات هذه اللجان نهائية ولا يجوز الطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن. وحيث إن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها فى الأصل مترتبة على الجهد الذى بذله صاحبها بكده وعرقه، وحافزه إلى الانطلاق إلى آفاق التنمية مقتحماً دروبها، معبداً من خلالها طريقه إلى التقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وبتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ملحقاتها وثمارها ومنتجاتها، وذلك دون ما إخلال بالقيود التى تفرضها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية. وحيث إن من المقرر أن حق الملكية نافذ فى مواجهة الكافة، وأن حصانته تدرأ عنه كل عدوان أياً كانت الجهة التى صدر عنها، وأنه صوناً لحرمتها كفل الدستور حمايتها – على الأخص – من جهتين، أولاهما: أنها لا تزول بعدم استعمالها، ولا يجوز أن يجردها المشرع من لوازمها، ولا أن يفصل عنها أجزاءها المكونة لها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يعدل من طبيعتها، ولا أن يقيد من مباشرة الحقوق المتفرعة عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبوجه خاص لا يجوز أن يسقطها المشرع عن صاحبها سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، ولا أن يقرر زوال حقه على الأموال محلها إلا إذا كسبها غيره وفقاً للقانون وطبقاً للأوضاع المنصوص عليها فيه. ثانيتهما: أنه لا يجوز نزع الملكية من ذويها – سواء عن طريق التأميم او غيره – إلا فى الأحوال التى يقرها القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه، ومقابل تعويض يكون معادلاً لقيمتها الحقيقية فى تاريخ نزعها، ولمنفعة أو مصلحة عامة لها اعتبارها. ودون ذلك تفقد الملكية الخاصة ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصباً لها أدخل إلى مصادرتها، وهو ما حرص الدستور على توكيده فى المادتين ٣٢، ٣٤ منه التى تقرر أولاهما حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم فى جوهرها على الاستغلال ودعمها لها شريطة آدائها لوظيفتها الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها مراعياً أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية، وتقرر ثانيتهما صون الملكية الخاصة بما يحول دون نزعها لغير منفعة عامة، ومقابل تعويض وفقاً للقانون. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المستحقون فى الأعيان التى أصبح وقفها منتهياً – وسواء كانوا معلومين للجهة الإدارية أم كانوا غير معلومين لها – قد صاروا مالكين لحصص فيها ملكية باته غير معلقة على شرط بقدر الأنصبة التى كانت لهم قبل هذا الإنهاء، وكان النص التشريعى المطعون فيه قد ألزمهم بأن يتقدموا إلى الجهة الإدارية التى عينها، وخلال الموعد الذى حدده، مطالبين بملكيتهم وإلا حرموا منها بصفة نهائية بانقلابها وقفاً خيرياً، وكان هذا النص – وقد جرى على هذا النحو – قد تمحض عن عدوان مباشر على حق الملكية الخاصة بإرصاده الأموال محلها وقفاً خيرياً، وهو ما يناقض طبيعتها ويعدل من خصائصها، وينحل إلى انتزاعها من ذويها لغير منفعة عامة، ودون تعويض، وليس ذلك إلا إسقاطاً للملكية عن أصحابها بعمل تشريعى يناقض الحقيقة القانونية التى لا يجوز بمقتضاها أن تنتقل الملكية من شخص معين إلا إذا كسبها غيره وفقاً للقانون، بما مؤداه أن النص التشريعى المطعون فيه قد أزال الملكية عن أصحابها بإعدامه لها. وآية ذلك أن المستحقين لحصص فى الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً لا يفقدون – بالنص المطعون فيه – ملكيتهم لها لأن حقهم فيها يفتقر إلى دليل إثباته، وإنما تزول هذه الملكية عنهم بناء على واقعة لا شأن لها باستحقاقهم للحصص مثار النزاع، هى عدم مطالبتهم الجهة الإدارية بها خلال موعد محدد. ولا محاجة فيما قررته هيئة قضايا الدولة من أن النص المطعون فيه قد صدر فى حدود السلطة التقديرية التى يملكها المشرع مستهدفاً تصفية أوضاع الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً وليس لها مستحقون معلومون، ذلك أن السلطة التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق مقيدة بالتخوم التى فرضها الدستور حداً لها، ومن بينها إلا يكون التنظيم التشريعى للحق مؤدياً إلى مصادرته أو منطوياً على اغتيال وجوده، وهو ما نحاه النص المطعون فيه باعتباره حصص المستحقين الذين قعدوا عن طلبها خلال موعد معلوم، وقفاً مرصوداً على جهة بر، وهو ما يعتبر إهداراً للحق فى الملكية عاصفاً بخصائصها، ومناهضاً مبدأ خضوع الدولة للقانون بما يتطلبه من استقامة المنحى عند إقرار النصوص التشريعية، وذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور لحماية الحقوق التى كفلها. وحيث إن النص التشريعى المطعون فيه قد أخل كذلك بمبدأ الحماية القانونية المتكافئة المنصوص عليه فى المادة ٤٠ من الدستور، ذلك أنه خص الفئة التى تعلق بها مجال تطبيقه بمعاملة استثنائية لا تستند إلى أسس موضوعية جاوز بها ما تقتضيه الحماية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة، وهى معاملة رتبها على واقعة لا يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين. تلك هى عدم تقدم المستحقين إلى الجهة الإدارية التى حددها، خلال موعد معين، مطالبين بالحصص التى يملكونها. ومن ثم يكون النص المطعون فيه قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية لأحكام المواد ٣٢، ٣٤، ٤٠، ٦٥ من الدستور. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الخامسة والعشرين من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٦٢ بتسليم الأعيان التى تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى والمجالس المحلية، وذلك فيما تضمنته من اعتبار نصيب كل من لم يتقدم بطلبه إلى وزارة الأوقاف – خلال الميعاد المنصوص عليه فيها – وقفاً خيرياً، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى