حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٦ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٦ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٩ – ٠٦ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية المادة ٨، ٩ من القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجرين، والمادتين ١٢، ١٣ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٧ يونيه سنة ١٩٩٧ الموافق ٢ صفر سنة ١٤١٨ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور / محمد إبراهيم أبوالعينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبدالحميد خلاف وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وعدلى محمود منصور
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٦ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / السعيد عبد المقصود المرسى
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الشعب
٣ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٤ – السيد المستشار / وزير العدل
٥ – السيد / أمل الدين محمد الموجى
٦ – السيد / رئيس مجلس مدينة دكرنس
٧ – السيد / محافظ الدقهلية
الإجراءات

بتاريخ ٢٣ مارس سنة ١٩٩٥، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً فى ختامها الحكم بعدم دستورية المادتين (٨، ٩) من القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، والمادتين (١٢، ١٣) من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أنه بتاريخ ٢١ / ١٢ / ١٩٨٦ استأجر المدعى عليه الخامس من المدعى شقة بملكه الكائن بدكرنس بإيجار شهرى مقداره ستون جنيهاً. وإذ أخطر لجنة تقدير الإيجارات بشغله المكان المؤجر، وكانت هذه اللجنة قد حددت أربعين جنيهاً كأجرة لهذه العين، فقد قام كل من المدعى عليه الخامس والمدعى بالطعن على هذا القرار بالدعويين رقمى ٣٠٩ و٣١٠ لسنة ٩٣ مدنى كلى مساكن دكرنس طالبين إلغاءه، فقررت المحكمة ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد. وبجلسة ٢٩ / ١٢ / ١٩٩٤ دفع المدعى بعدم دستورية المادتين (٨، ٩) من القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ والمادتين (١٢، ١٣) من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليهما، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة ٣٠ / ٣ / ١٩٩٥ لتمكينه من إقامة الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة . وبجلسة ٢٨ / ١٢ / ١٩٩٥ قضت مأمورية دكرنس الكلية بوقف الدعوى تعليقاً إلى حين الفصل فى الدعوى الدستورية .
وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل
المحكمة الدستورية العليا
فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية . وهو كذلك يقيد تدخلها فى هذه الخصومة ، فلا تفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى . ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين:
أولهما: أن يقيم المدعى – وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص المطعون فيه – الدليل على أن ضرراً واقعياً – اقتصادياً أو غيره – قد لحق به، سواء أكان مهدداً بهذا الضرر، أم كان قد وقع فعلاً. ويتعين دوماً أن يكون الضرر المدعى به مباشراً، من فصلا عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية ، تسوية لآثاره.
ثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائداً إلى النص المطعون فيه، وليس ضرراً متوهماً أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور؛ أو كان من غير المخاطبين بأحكامه؛ أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه؛ دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، عما كان عليه قبلها.
وحيث إن تقرير الخبير المنتدب من قبل محكمة الموضوع بجلسة ١٦ / ١ / ١٩٩١، أفاد بأن المبنى الذى تقع فيه الشقة موضوع التداعى قد أقيم خلال عامى ٦٩ و١٩٧٠؛ وكان ما ادعاه المدعى من أنه أدخل تحسينات عليها فى وقت لا حق، قد حدا بمحكمة الموضوع إلى ندب خبير آخر لمباشرة المأمورية التى بينها الحكم؛ وكان هذا الخبير قد أعد تقريراً خلص فيه إلى أن العقار أقيم وقت العمل بأحكام القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين؛ وكان المدعى يتغيا إبطال العمل بقرار لجنة تحديد الإيجارات فى شأن عين التداعى ؛ فإن مصلحته الشخصية المباشرة تتحدد بالأحكام المنصوص عليها فى المادتين (٨، ٩) من هذا القانون فى شأن ضوابط تحديد الأجرة ، ولا شأن لها بالتالى بالمادتين (١٢، ١٣) من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر اللتين ينحصر مجال تطبيقهما فى تلك المبانى التى تنشأ بعد العمل بهذا القانون.
وحيث إن المادة (٨) من القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٠ تنص على أن تتولى تحديد أجرة الأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون وتوزيعها على وحداته لجان يصدر بتشكيلها قرار من المحافظ المختص تتكون من اثنين من المهندسين وأحد العاملين من المختصين بربط أو تحصيل الضريبة على العقارات المبنية وعضوين يرشحهما الاتحاد الاشتراكى العربى يكون أحدهما من بين ملاك العقارات المبنية بالمدينة أو القرية وتكون رئاستها للأقدم من المهندسين.
ويشترط لانعقادها حضور أحد المهندسين والعضو المختص بربط أو تحصيل الضريبة وأحد عضوى الاتحاد الاشتراكى العربى ، وتصدر قرارات اللجنة بأغلبية أصوات الحاضرين وعند التساوى يرجح رأى الجانب الذى منه الرئيس.
ويصدر وزير الإسكان والمرافق قراراً بالقواعد و
الإجراءات
التى تنظم أعمال هذه اللجان.
وتنص المادة (٩) من ذات القانون على أن على مالك البناء فى موعد لا يجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ نفاذ أول عقد إيجار عن أية وحدة من وحدات المبنى أو من تاريخ شغلها لأول مرة بأية صورة من صور الإشغال، أن يخطر اللجنة المشار إليها فى المادة السابقة والتى يقع فى دائرتها المبنى لتقوم بتحديد أجرته وتوزيعها على وحداته بعد مراجعة ما تم إن جازه ومطابقته للمواصفات الصادر على أساسها موافقة لجنة تنظيم وتوجيه أعمال البناء وترخيص المبانى . وللمستأجر أن يخطر اللجنة المذكورة بشغله الم كان المؤجر. وتنظم اللائحة التنفيذية إجراءات إخطار المالك والمستأجر للجنة . ويجوز للجنة أن تقوم بالتقدير من تلقاء نفسها أو بناء على إخطار من الجهة المختصة بحصر العقارات المبنية .
وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون عليهما، مخالفتهما للمواد (٢، ٨، ٣٤، ٤٠) من الدستور وذلك من وجهين :
أولهما: أن هذين النصين يحولان دون تحديد أجرة الأعيان وفقاً لإرادة المتعاقدين ويجيزان بالتالى تعديل الأجرة التى تراضيا عليها ونقضها بغير إرادتيهما، وهما بذلك يناهضان مبادئ الشريعة الإسلامية التى تقضى بأن العقد شريعة المتعاقدين.
ثانيهما: إخلالهما بمبدأى تكافؤ الفرص ومساواة المواطنين أمام القانون؛ ونكولهما كذلك عن الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة ؛ ذلك أنهما يعطيان المستأجر حق طلب لجنة تحديد الإيجارات فى أى وقت، ولا يفرضان عليه بالتالى حداً زمنياً يزول بانتهائه هذا الحق لمجرد أن العقار أنشئ فى تاريخ العمل بأحكام القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه. ويظل هذا الحق متحرراً من قيد الزمان حتى لو تم التعاقد وقت العمل بأحكام القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر التى لا تجيز للجان تحديد الأجرة أن تباشر عملها بعد مضى أكثر من تسعين يوماً من تاريخ التعاقد أو شغل العين فعلياً. وتلك تفرقة لا مبرر لها بين المبانى التى أنشئت بعد العمل بهذا القانون، وتلك التى أقيمت قبل نفاذه؛ ومؤداها زعزعة المراكز القانونية التى تكونت عند العمل بالقانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه، إذ تستطيع هذه اللجان خفض الأجرة المتفق عليها فى أى وقت إذا طلب المستأجر تدخلها.
وحيث إن قالة مخالفة النصين المطعون عليهما للمادة الثانية من الدستور مردودة بأن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن حكم هذه المادة – بعد تعديلها فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – يدل على أن الدستور – واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه: تقيدها – فيما تقرره من النصوص القانونية – بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية ، إذ هى جوهر بنيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغى أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازماً استمداد تلك النصوص مباشرة منها، بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التى فرضها الدستور على السلطة التشريعية فى ممارستها لاختصاصاتها الدستورية . ومن ثم لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التى تباشرها هذه المحكمة فى مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها. ولا كذلك نص المادتين (٨، ٩) من القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين المطعون عليهما، والتى لم يلحقهما تعديل بعد نفاذ المادة الثانية من الدستور، ومن ثم ينأيان عن الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن تطابق التشريعات المعمول بها مع القواعد الكلية للشريعة الإسلامية .
وحيث إن السلطة التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الملكية لضبطها وفقاً لوظيفتها الاجتماعية ، حدها قواعد الدستور؛ وكان الحق فى استعمال الشئ المؤجر من عناصرها؛ وكان تنظيم العلائق الإيجارية لايجوز أن يخل بالتوازن بين أطرافها؛ فقد غدا مخالفا للدستور، أن يكون إطارها العام، مؤدياً إلى انتقال الأعيان موضوعها إلى آخرين انتقالاً نهائياً ومؤبداً متضمناً خروج بعض مصادر الثروة من أصحابها لفائدة أغيار يباشرون على الأعيان المؤجرة سيطرة فعلية وكاملة لا تزول أبداً. وهو ما يعتبر اقتحاماً مادياً لها، ولو ظل سند ملكيتها بيد من يملكونها. ولا يجوز كذلك أن يكون التنظيم التشريعى لحق الملكية ، منتهيا إلى الانحدار بقيمتها بصورة ملحوظة تفقد بها كثيراً من مقوماتها بما يلحق بها إضراراً اقتصادية لايجوز التسامح فيها.
ويتعين بالتالى – وفى مجال تقييم النصوص القانونية التى تنظم العلائق الإيجارية – النظر إلى الآثار التى رتبتها على الحقوق التى كفلها الدستور، وبمراعاة أن كل تنظيم للملكية لايجوز أن يصل مداه إلى حد أخذها وانتزاعها – من ثم – من أصحابها.
وحيث إن حرية التعاقد، قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية التى لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التى يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائناً يُحمل على ما لايرضاه، بل بشراً سوياً. بيد أن حرية التعاقد هذه التى تعتبر فى القضاء المقارن حقاً طبيعياً؛ ولازماً كذلك لكل إنسان تطويراً لإرادة الخلق والإبداع؛ وانحيازاً لطرائق فى الحياة يختارها، ويكون بها أكثر اطمئنانا لغده؛ يستحيل وصفها بالإطلاق، بل يجوز فرض قيود عليها وفق أسس موضوعية تكفل متطلباتها دون زيادة أو نقصان، فلا تكون حرية التعاقد بذلك إلا حقاً موصوفاً A qualified right ذلك أن الحرية الشخصية لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولاجرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها؛ بين تمردها على كوابحها والحدود المنطقية لممارستها؛ بين مروقها مما يحد من اندفاعها، وردها إلى ضوابط لايمليها التحكم. وفى إطار هذا التوازن، تتحدد دستورية القيود التى يفرضها المشرع عليها، تقديراً بأن الحرية الشخصية ليس لها من نفسها ما يعصمها مما يكون ضرورياً لتنظيمها، وأن تعثرها لا يكون إلا من خلال قيود ترهقها دون مقتض.
وحيث إن من المقرر كذلك أن حرية التعاقد فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية ، فإنها كذلك وثيقة الصلة بالحق فى الملكية ؛ وذلك بالنظر إلى الحقوق التى ترتبها العقود فيما بين أطرافها، أيا كان المدين بأدائها. ولئن جاز القول بأن تأمين الجماعة لمصالحها فى مجال الصحة والأمن ودعم آدابها ورخائها العام، قد يقتضيها إلغاء عقود لا اعتبار لها، كتلك التى تدعو للجريمة وتنظمها؛ أو تعرقل دون حق تدفق التجارة فى سوق مفتوحة تحكمها قوانين العرض والطلب؛ وكانت السلطة التشريعية وإن ساغ لها استثناء أن تتناول أنواعا من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم آمر يكون مستنداً إلى مصلحة مشروعة ؛ إلا أن هذه السلطة ذاتها لا يسعها إنهاء العمل بعقود صحيحة دخل أطرافها فيها وفق أحكام القوانين المعمول بها عند إبرامها، مالم يكن تدخلها على هذا النحو مقترناً بتعويض يقابل الحقوق التى رتبتها، ويتكافأ معها.
وحيث إن البين من أحكام القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، أن الأماكن التى يسرى عليها، هى تلك التى رخص فى إقامتها وقت العمل بالأحكام التى تضمنها فى ١٨ / ٨ / ١٩٦٩ – وكان تحديد أجرة الأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون – وعلى ما تنص عليه المادة (٨) تتولاه لجان إدارية يصدر بتشكيلها قرار من المحافظ المختص؛ وكان هذا القانون قد حدد كذلك شروط صحة انعقادها، وأحال فى تنظيم عملها إلى قرار يصدر بذلك عن وزير الإسكان والمرافق؛ وكان ما تغياه المشرع من تنظيم هذه اللجان وتقرير اختصاصها بتحديد الأجرة ، هو أن يحيطها بقواعد وإجراءات ميسرة تضبط عملها، وبمراعاة ألا يكون تقديرها لهذه الأجرة نهائياً، بل تجوز مراجعتها فيه عن طريق الطعن فى قراراتها أمام المحكمة الإبتدائية الكائن فى دائرتها الم كان المؤجر؛ فإن حق التقاضى بشأنها يكون مكفولاً.
وحيث إن المشرع لم يطلق للجان تحديد الأجرة ، حرية تقديرها وفق إرادتها، وإنما إلزمها بأن ترد هذا التقدير إلى أسس موضوعية لا تريم عنها أو تنحيها، هى تلك التى حددتها المواد (١٠، ١١، ١٢) من القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه، والتى توخى بها المشرع تقديراً عادلاً ومتوازناً لتحديد أجرة المبانى التى تسرى عليها أحكام هذا القانون، ويندرج تحت هذه الأسس – التى أدركها المؤجر حين شرع فى تشييد مبناه – أن يكون عائد استثمار العقار بواقع ٥% من قيمة الأرض والبناء؛ ومقابل استهلاك رأس المال ومصروفات الإصلاحات والصيانة والإدارة بواقع ٣% من قيمة المبانى ؛ وأن تقدر قيمة المبانى وفقاً لسعر السوق عند إنشائها؛ وقيمة الأرض بمثل ثمنها عند البناء، مع جواز إعادة النظر فى هذا التقدير عند تعلية المبانى الأصلية بعد خمس سنوات من تاريخ إحداثها، وبقصد تحديد أجرة المبانى المستجدة فقط.
وهذه الأسس جميعها، وغيرها مما فصلته المواد (١٠، ١١، ١٢) من ذلك القانون، هى التى تراقبها المحكمة الإبتدائية الكائن فى دائرتها الم كان المؤجر، تحرياً لتقيد اللجان الإدارية بها، فلا يكون تقديرها للأجرة مجاوزاً لها، سواء بزيادتها أو خفضها عن الحدود التى ضبطها المشرع بها.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من أن النصين المطعون عليهما قد أهدرا الأجرة الاتفاقية التى قبلها الطرفان المتعاقدان، مردود بأن المشرع – وبما لا مخالفة فيه للدستور – لم يجعل لإرادة المتعاقدين شأناً فى تقدير هذه الأجرة ، بل ضبطها بقواعد آمرة . ولا يعدو كل اتفاق على مقدار الأجرة ، أن يكون تحديداً مبدئياً لمبلغها، لايبطل عمل القواعد الآمرة ولا يقفها، بل تظل هذه القواعد وحدها إطاراً نهائياً لتقديرها.
ولا يجوز بالتالى القول بأن المشرع عدل بهذه القواعد الآمرة ، عقداً نشأ صحيحاً وفقاً لأحكام القوانين المعمول بها. بل الصحيح أن العقد أبرم عند نفاذ القواعد الآمرة – وعلى خلافها – ويتعين بالتالى أن يُرد إلى أحكامها.
وحيث إن القول بأن المستأجر يستطيع أن يزعزع الأجرة المتفق عليها إذا طلب من اللجان فى أى وقت أن تتدخل لتقديرها، مردود أولاً: بأن مالك البناء يلتزم وفقاً لنص المادة (٩) من القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه – وفى موعد لا يجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ نفاذ أول عقد إيجار عن أية وحدة من وحدات المبنى أو من تاريخ شغلها لأول مرة – أن يخطر اللجنة المشار إليها فى المادة الثانية من هذا القانون، والتى يقع فى دائرتها المبنى ، لتقوم بتحديد أجرته، وتوزيعها على وحداته. فإن لم يفعل، وقعت عليه تبعة هذا الإهمال. ومردود ثانياً: بأن اللجان المنصوص عليها فى المادة الثانية من القانون، يجوز أن تقوم بالتقدير من تلقاء نفسها أو بناء على إخطار من الجهة المختصة بحصر العقارات المبنية .
وحيث إن القول بإخلال المشرع بمبدأ المساواة أمام القانون، تأسيساً على أن القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، لم يجز للمستأجر أن يطلب من اللجان الإدارية التى نص عليها تقدير الأجرة إلا خلال ميعاد محدد، خلافاً للقانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ المطعون على بعض نصوصه، والذى أطلق حق المستأجر فى طلب تدخل هذه اللجان فى أى وقت يراه.
مردود أولاً: بأن لكل من هذين القانونين مجال تطبيق، فلا يختلط زمن سريانهما، بل ينفصلان كلية فيما تضمناه من أحكام قدرها المشرع بالنسبة إلى كل منهما على ضوء الأوضاع القائمة عند إقراره.
ومردود ثانياً: بأن الملكية الخاصة لم تعد حقاً مطلقاً، بل يجوز تنظيمها بما يكفل أداءها لوظيفتها الاجتماعية التى تتحدد فى نطاق العلائق الإيجارية بمراعاة خصائص الأعيان المؤجرة وزمن إنشائها، وطبيعة المصالح التى تتزاحم من حولها، وضرورة موازنتها بما يكفل التوفيق بينها على ضوء استشراء أزمة الإسكان، وحدة تفاقمها فى زمن معين. وقد نظم القانون المطعون فيه – وفى مجال الأعيان التى سرى عليها – حقوق المؤجرين جميعهم وفقاً لأسس موحدة لا تمييز فيها بين بعضهم البعض، وانتظمتهم بالتالى القواعد ذاتها فى شأن تقدير أجرة هذه الأعيان.

ومردود ثالثا: بأن التباين فى المراكز القانونية ، يفترض تغايرها ولو فى بعض العناصر التى تقوم عليها. ولا تتحد المراكز القانونية فى بنيانها إلا إذا نشأ كل منها وفقاً للأسس الموضوعية ذاتها التى ضبطها بها القانون الذى أحدثها. ولا شأن لتجانسها أو تنافرها بالتالى بقانون لا حق عليها منقطع الصلة بها.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة النصين المطعون عليهما لمبدأ تكافؤ الفرص، مردود: بأن الفرص التى يستنهضها هذا المبدأ، هى تلك التى تتعهد الدولة بتقديمها، ويفترض ذلك بالضرورة أن تكون هذه الفرص محدودة عدداً، وأن من يطلبونها يتزاحمون فيما بينهم للنفاذ إليها، وأن ترتيبهم على ضوء أجدرهم بالحصول عليها، يقتضى تحديد شروطها الموضوعية وفق ضوابط يمليها التبصر والاعتدال؛ وكانت القواعد التى قررها المشرع فى شأن تقدير الأجرة ، سواء من حيث اللجان التى تتولاها، أو الأسس الموضوعية التى تطبقها فى مجال تحديد مقدارها، لا تتصل بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، فإن قالة الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، لايكون لها من سند.
وحيث إن النصين المطعون عليهما، لا يناقضان حكماً آخر فى الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى