حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٥ لسنة ١٧ دستورية`

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٥ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ٢١ – ١٢ – ١٩٩٥

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة ٨ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٢ ديسمبر سنة ١٩٩٥ الموافق ٩ رجب ١٤١٦ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور / محمد إبراهيم أبوالعينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين اعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / أحمد عطية أحمد منسى أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٥ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

الأستاذ / محمد على مرعى المحامى
ضد
السيد / رئيس مجلس الوزراء
السيد / وزير الصناعة
السيد / وكيل أول وزارة الصناعة ومدير مكتب الوزير
السيد / وكيل وزارة الصناعة لشئون الادارات القانونية
بصفته رئيس لجنة شئون الإدارات القانونية بوزارة الصناعة
السيد / الممثل القانونى لشركة اسكندرية للمنتجات المعدنية
السيد / الممثل القانونى لشركة مصانع النحاس المصرية
الإجراءات

بتاريخ الحادى والعشرين من مارس سنة ١٩٩٥، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة الثامنة من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم، أصلياً: بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً: رفضها.
وقدم المدعى عليه الأخير مذكرة دفع فيها الدعوى بعدم قبولها، وطلب احتياطياً الحكم برفضها. وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى ، كان قد أقام – وعند ما كان محامياً بالإدارة القانونية للشركة المدعى عليها الأخيرة – الدعوى رقم ١٢٠١ لسنة ١٩٨٩ عمال كلى الاسكندرية ، طالباً الحكم ببطلان قرار الشركة المذكورة بتخطيه فى الترقية إلى الدرجة الأولى ، وأحقيته فى الترقية إليها إعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٩. ثم دفع أثناء نظر الدعوى الموضوعية ، بعدم دستورية المادة الثامنة من قانون المحاماة ، وذلك فيما تضمنته من حظر مزاولة أعمال المحاماة على محامى الإدارات القانونية فى شأن دعواهم الشخصية التى تكون جهة عملهم طرفاً فيها . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة الثامنة من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ – بعد تعديلها بالقانون رقم ٢٢٧ لسنة ١٩٨٤ – تنص على أنه: مع عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية ، لا يجوز لمحامى الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والمؤسسات الصحفية ، أن يزاولوا أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، وإلا كان العمل باطلاً.
كما لا يجوز للمحامى فى هذه الإدارات القانونية ، الحضور أمام المحاكم الجنائية إلا فى الادعاء بالحق المدنى فى الدعاوى التى تكون الهيئة أو الشركة أو المؤسسة طرفاً فيها، وكذلك الدعاوى التى ترفع على مديريها، أو العاملين بها، بسبب أعمال وظائفهم. ولا يسرى هذا الحظر بالنسبة للقضايا الخاصة بهم وبأزواجهم وبأقاربهم حتى الدرجة الثالثة ، وذلك فى غير القضايا المتعلقة بالجهات التى يعملون بها. وحيث إن البين من الأوراق، أن المدعى قصر الطعن بعدم الدستورية ، على نص الفقرة الثالثة من المادة الثامنة المشار إليها، باعتبار أن مصلحته الشخصية المباشرة تتعلق بإبطالها، وتجريدها من قوة نفاذها، بأثر رجعى يرتد إلى تاريخ العمل بها. وحيث إن كلاً من هيئة قضايا الدولة ، والشركة المدعى عليها الأخيرة ، قد دفعتا الدعوى الدستورية بعدم قبولها، تأسيساً على أن المدعى دفع بعدم دستورية النص المطعون فيه، بعد أن أحُيل إلى التقاعد، ولم يعد بالتالى عضواً بالإدارة القانونية لهذه الشركة ، وكان يستطيع بعد أن أحُيل إلى التقاعد أن يوقع بوصفه محامياً حراً على صحيفة دعواه الموضوعية ، ليصحح ما اعتراها من بطلان نشأ عن توقيعه عليها إبان عمله بتلك الإدارة ، بالمخالفة للحظر المقرر بالنص المطعون فيه، وهو بطلان لم تثره تلك الشركة أثناء نظر دعواه الموضوعية ، مما يجعل الفصل فى المسألة الدستورية غير لازم.
وحيث إن المصلحة الشخصية فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية ، لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل
المحكمة الدستورية العليا
فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ،وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة ، وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة ، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى . بما مؤداه: ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين الحق بهم النص المطعون فيه، ضرراً مباشراً، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً، ويتعين دوماً أن يكون الضرر المدعى به، من فصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها، عائداً فى مصدره إلى النص المطعون فيه، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية التى يقتضيها تسوية آثاره. وحيث أنه متى كان ما تقدم، وكان المدعى يعمل بالإدارة القانونية للشركة المدعى عليها الأخيرة حين أقام ضدها دعواه الموضوعية ، ناعياً البطلان على قرار تخطيه فى الترقية ، وكان النص المطعون فيه، مبلوراً لقاعدة آمرة لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تنحيها أو تتجاهلها، بل يتعين عليها تطبيقها من تلقاء نفسها، ويحول بالتالى دون مباشرة المدعى لدعواه الشخصية قبل الجهة التى كان يعمل بها، فإن المدعى يكون قد أضير من جراء تطبيق النص المطعون فيه بالنسبة إليه، وهو ما تقوم به مصلحته الشخصية فى الطعن بعدم دستوريته، وذلك فيما تضمنه من حظر مزاولة أعمال المحاماة ، على محامى الإدارات القانونية فى شركات القطاع العام، فى شأن قضاياهم الخاصة المتعلقة بالجهات التى يعملون بها.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة (٤٠) من الدستور، من زاويتين؛ أولاهما: أنه أقام تفرقة تحكمية بين عضو الإدارة القانونية بشركة القطاع العام وغيره من المحامين من جهة ، وكذلك بين أعضاء هذه الإدارات القانونية وغيرهم من العاملين بالقطاع العام من جهة أخرى . وآية ذلك أن قانون المحاماة ، يخول كل محام أن يقيم دعواه الشخصية ضد موكله، فى حين حظر النص المطعون فيه على محامى الإدارات القانونية مزاولة أعمال المحاماة فى قضاياهم الشخصية ضد جهة عملهم. كذلك يخول قانون مجلس الدولة ، العاملين بالقطاع العام، الطعن فى الجزاءات التأديبية التى توقعها عليهم جهة عملهم، ومباشرة الدفاع فيها بأنفسهم. ثانيتهما: أن النص المطعون فيه، حظر على محامى الإدارات القانونية بالقطاع العام، مباشرة دعاواهم الشخصية ضد جهة عملهم، بينما ظل حق هذه الجهة فى اختصامهم – بما تقيمه عليهم من الدعاوى – قائماً.
وحيث إن المدعى ينعى كذلك على النص المطعون فيه إهداره حق الدفاع بالأصالة ، حال أن هذا الحق أسبق وجوداً من حق الدفاع بالوكالة ، ومقدم عليه، باعتباره مترتباً على حق الدفاع على النفس. ولئن جاز القول بأن التطور الراهن قد آل إلى تعقد الخصومة القضائية ، وإحاطتها بعديد من القواعد الإجرائية الصارمة التى تكفل جديتها. فلا يرفعها إلا من كان محيطاً بالقواعد القانونية التى تنظمها وتضبط مسارها، ومن خلال القيد بجداول المحامين، إلا أن حرمان أعضاء الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، من مزاولة أعمال المحاماة فى قضاياهم الشخصية التى تتعلق بجهة عملهم – وهم مؤهلون قانوناً لمباشرتها – يناقض حق الدفاع بالأصالة ، ويخل بالأسس التى يقوم عليها.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (٨) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ تنص على أنه مع عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية ، لا يجوز لمحامى الإدارات القانونية للهيئات العامة ، وشركات القطاع العام، والمؤسسات الصحفية ، أن يزاولوا أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، وإلا كان العمل باطلا.
وحيث إن الفقرة الأولى المشار إليها، كان مطعوناً عليها فى القضية رقم ٤ لسنة ١٤ قضائية دستورية وانتهت
المحكمة الدستورية العليا
فى ٢٩ يونيو سنة ١٩٩٣، إلى رفض المطاعن الموجهة إليها، وتقرير موافقتها للدستور، محمولاً قضاؤها فى ذلك على أن هيئات القطاع العام وشركاته الصادر فى شأنها القانون رقم ٩٧ لسنة ١٩٧٣، وإن استعيض عنها بالشركات القابضة والشركات التابعة لها بحسب الأحوال بمقتضى نص المادة الثانية من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ – المعمول به إعتباراً من ٢٠ يوليه سنة ١٩٩١ – إلا أن المادة الرابعة من قانون الإصدار، نصت على استمرار خضوع العاملين فى هيئات القطاع العام وشركاته – المنقولين إلى الشركات الجديدة بنوعيها، والموجودين بالخدمة فى تاريخ العمل بهذا القانون – لكل النظم والقواعد التى كانت تحكم شئونهم الوظيفية ، وذلك إلى أن تصدر النظم الخاصة بالعاملين بالشركات المنقولين إليها طبقاً لأحكام القانون المرافق؛ إذ كان ذلك، وكانت لائحة النظام الخاص للشركة التى يتبعها المدعيان لم تصدر بعد؛ وكان ما ينعاه المدعيان من إخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة فى الحقوق أمام القانون، مردود، بأن القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٣ بشأن الإدارات القانونية بالهيئات والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها، لم يخرج أعضاءها الفنيين من عداد العاملين بها، وأخضعهم بالتالى للواجبات المنصوص عليها فى نظام العاملين فى القطاع العام الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٨، ومن بينها ألا يقوم العامل – بالذات أو بالوساطة – بأعمال من شأنها الإخلال بواجبات وظيفته أو مقتضياتها أو الحط من كرامتها؛ وكانت هذه القيود جميعها مردها إلى أصل واحد، يتمثل فى وجوب أن يكرس العاملون بشركات القطاع العام – وهى من أشخاص القانون الخاص – وقتهم وجهدهم لأعمال شركتهم؛ وكان قانون المحاماة لم يغير من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التى تربط شركات القطاع العام بمحامى إداراتها القانونية ؛ وكان ما قرره النص المطعون فيه، من عدم جواز مزاولتهم أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها وإلا كان العمل باطلاً، يندرج فى إطار الضوابط التى حدد بها المشرع واجباتهم تحديداً قاطعاً؛ وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، أنها سلطة تقديرية ، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة ؛ وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة ، وأكثرها ملائمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، فإن النعى على النص التشريعى المطعون فيه مخالفته للدستور، يكون مفتقراً إلى دعامته.
وحيث إن ما تقرره هيئة قضايا الدولة – فى مقام دفاعها عن النص المطعون فيه – من أن الفقرة الأولى من المادة الثامنة من قانون المحاماة ، يستغرق حكمها الحظر المقرر بفقرتها الثالثة ، وأن رفض
المحكمة الدستورية العليا
المطاعن الموجهة إلى فقرتها الأولى ، يمنعها من الخوض فى المناعى التى أثارها المدعى فى شأن النص المطعون فيه، مردود أولاً: بأن المشرع لا يردد بالنصوص القانونية أحكاما قررتها نصوص سابقة عليها، وإلا كان عابثاً؛ ومردود ثانياً: بأن الفقرة الأولى المشار إليها، يقتصر حكمها على منع محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من مزاولة أعمال المحاماة لجهة غيرها،
ولاشأن لها بالتالى بمن يقيمون من بينهم – وضد جهة عملهم – القضايا الخاصة بهم أو بأزواجهم أو أقاربهم حتى الدرجة الثالثة ؛ ومردود ثالثاً: بأن نطاق المسألة الدستورية التى واجهتها
المحكمة الدستورية العليا
بحكمها الصادر فى الدعوى رقم ٤ لسنة ١٤ قضائية دستورية من حصر فى نص الفقرة الأولى من المادة الثامنة من قانون المحاماة . وتعلق حكمها بهذا النطاق وحده، لا يمنعها من نظر الخصومة الدستورية فيما جاوز حدوده؛ ومردود رابعاً: بأن مد آثار قضاء
المحكمة الدستورية العليا
فى شأن دستورية نص معين، إلى نص آخر كان غير مطروح عليها، هو عدوان على ولايتها؛ ومردود خامساً: بأن النصوص القانونية التى ينتظمها موضوع واحد، وإن جمعتها وحدة الغرض، وكان الأصل فيها أنها لاتتهادم فيما بينها أو تتماحى ، إلا أن لكل منها مضموناً مستقلاً، لا يمزجها بغيره، فلا تتداخل مع بعضها البعض.
وحيث إن من المقرر فى مجال الدعوى الدستورية ، أنها ينبغى أن تؤكد بما هية الخصومة التى تتناولها، التعارض بين المصالح المثارة فيها، بما يعكس حدة التناقض بينها، ويبلور من خلال تصادمها ومجابهتها لبعض، حقيقة المسألة الدستورية التى تدعى
المحكمة الدستورية العليا
للفصل فيها، وكان لا يتصور أن يكون للحقوق التى كفلها الدستور قيمة مجردة فى ذاتها، ولا أن تعمل فى فراغ، ولا أن يكون تأمينها ناشئاً عن مجرد وزنها أو أهميتها فى بناء النظام القانونى للدولة ، ودعم حرياته المنظمة ، ذلك أن تقرير هذه الحقوق ، تغيا دوماً توفير الحماية القانونية التى تكفلها، بما فى ذلك الحق فى الدعوى ، وهو حق يقوم مستقلاً عن الحقوق موضوعها، متوخياً رد الأضرار الناشئة عن الإخلال بتلك الحقوق.
وحيث إن ضمان الحق فى الخصومة القضائية ، لا يكون إلا بوصفها طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضى المنصوص عليه صراحة فى المادة (٦٨) من الدستور؛ وكان هذا الحق يعتبر لازماً لإنفاذ سيادة القانون التى عقد لها الدستور باباً مستقلاً، هو بابه الرابع، محدداً فيه تلك القواعد التى لا تقوم سيادة القانون – فى تقديره – بدونها، وهى قواعد تتكامل فيما بينها، ودل بها على أن سيادة القانون فى الدولة ، هى محور نظامها القانونى وأساس شرعيتها، و أن ممارستها لسلطاتها، لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد، ولكنها تباشرها نيابة عن الجماعة ولصالحها، مقيدة فى ذلك بقواعد قانونية تعلوها، وتعصمها من جموحها لضمان ردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها. وإذ كان الدستور، قد أقام من حصانة القضاء واستقلاله، ضمانين أساسيين لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، فقد أضحى لازماً – وحق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولاً بنص صريح فى الدستور، كى لا تنعزل حقوق الأفراد وحرياتهم عن وسائل حمايتها، بل تكون معززة بها، وتقارنها، لضمان فعاليتها.
وحيث إن العناصر التى يتكون منها حق التقاضى ، لا تكتمل مالم يوفر المشرع للخصومة القضائية – فى نهاية مطافها – حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية judicial relief التى يبتغيها من يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، وكان حق الدفاع – أصالة أو بالوكالة – يتوخى إجتناءها من خلال وسائل الدفاع التى يعرض الخصوم بموجبها أدلتهم – واقعاً وقانوناً – بما لاتمييز فيه بين بعضهم البعض، بل تتكافأ أسلحتهم فى مجال الحقوق التى يدعونها، فإن هذه الترضية – وبافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون – تشكل جزءاً غير من قسم من حق التقاضى . وترتبط بالأغراض النهائية التى يعمل لبلوغها، يؤيد ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصالح نظرية لا تتولد عنها فائدة عملية ، بل غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتبلور حقيقتها نطاق المسائل المتنازع عليها، وحكم القانون بشأنها.
وحيث إن قضاء
المحكمة الدستورية العليا
، قد جرى على أن إنكار أو تقييد الحق فى الترضية القضائية ، سواء بحجبها عمن يطلبها ابتداء، أو من خلال تقديمها متراخية متباطئة دون مسوغ، أو إحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة فى ذاتها عيباً جوهريا، إنما يعد إهداراً أو تهويناً من الحماية التى يفرضها الدستور أو القانون للحقوق التى وقع الإخلال بها، بما ينال من جوهر هذه الترضية ، ولايدفعها لكامل مداها، ليتمحض ذلك عدواناً على حق التقاضى ينحل إلى إنكار للعدالة فى أخص مقوماتها، على أن يكون مفهوماً أن هذا الإنكار، لا يقوم فى محتواه على مجرد الخطأ فى تطبيق القانون، بل هو الإخفاق فى تقديم الترضية القضائية ذاتها، و بوجه خاص كلما كانت الوسائل القضائية التى أتاحها المشرع للخصوم، لا توفر لمن استنفذها الحماية اللازمة لصون الحقوق التى يدعيها، أو كانت ملاحقته لخصمه للحصول على الترضية القضائية التى يأملها، لا طائل من ورائها.
وحيث إن الترضية القضائية التى لا تقترن بوسائل تنفيذها، لحمل الملزمين بها على الرضوخ لها، تغدو وهماً وسراباً، وتفقد قيمتها عملاً، بما يؤول إلى تجريدها من قوة نفاذها، وإهدار الحقوق التى كفلتها، وتعطيل دور السلطة القضائية فى مجال تأمينها، وإفراغ حق اللجوء إليها من كل مضمون. وهو كذلك تدخل فى أخص شئونها، وعدوان على ولايتها، بما يقلص دورها، وينال من الحدود التى تفصل بينها وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية . يؤيد ذلك أن الحماية القضائية للحق أو الحرية – على أساس من سيادة القانون والخضوع لأحكامه – لازمها التمكين من اقتضائها، والعمل من أجل تنفيذها، ولو باستعمال القوة عند الضرورة .
وحيث إن الدستور حرص بنص المادة (٦٨)، على أن يكون لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية ، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأً للفصل فيها، وكان هذا الحق مخولاً للناس جميعاً،
فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصوراً على بعضهم، ولا منصرفاً إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفراً من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، من ضبطاً وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولا تصل فى مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن ضمانة الدفاع التى كفلها الدستور بنص المادة (٦٩)، لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضى ، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معاً فى دائرة الترضية القضائية التى يعتبر إجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية . فلا قيمة لحق التقاضى ، مالم يكن متسانداً لضمانة الدفاع، مؤكداً لأبعادها، عام لاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيداً عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعما لها واقعاً وراء جدران صامته Behind walls of silence. يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها، تتجرد من قيمتها العملية ، إذا كان من يطلبها عاجزاً عن بلوغها من خلال حق التقاضى ، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها، لا يتماثلون فيما بينهم فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها.
وحيث إن الدستور – فى إطار من سيادة القانون – نظم ضمانة الدفاع محدداً بعض جوانبها، كافلاً إنفاذها باعتبارها مفترضاً أولياً لصون حقوق الأفراد وحرياتهم؛ وكان الحق فيها يظل قائماً ولو لم يصرح الدستور بها، إلا أن الدستور حرص على أن يرددها بنص الفقرة الأولى من المادة (٦٩) التى كفل بموجبها حق الدفاع، سواء كان من يباشره أصيلاً أم وكيلاً. بل إن الدستور خطا خطوة أبعد، بأن نص فى فقرتها الثانية ، على أن يكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء أو الدفاع عن حقوقهم، ليؤمن بذلك حق المعوزين فيما يُعينهم على صون حقوقهم وحرياتهم، من خلال ضمانة الدفاع عنها. وقد غدا حق الدفاع غائراً فى وجدان البشر، مرتبطاً بالقيم التى تؤمن بها الأمم المتحضرة ، مؤكداً مبدأ الخضوع للقانون، ناهياً عن التسلط والتحامل، معززاً إرادة الاختيار، مبلوراً الدور الاجتماعى للسلطة القضائية فى مجال تأمينها للحقوق على اختلافها، واقعاً فى إطار الأسس الجوهرية للحرية المنظمة ، نائياً عن أن يكون ترفاً عقيماً أو سرفاً زائداً، قائماً كضرورة تفرض نفسها ليبطل كل تنظيم تشريعى على خلافها، فلا يكون القبول بها رمزياً، بل فاعلاً ومؤثراً، تغليباً لحقائقها الموضوعية على أهدابها الشكلية ، إنفاذاً لمحتواها، وتقيداً بأهدافها، فلا ينازع أحد فى ثبوتها أو يحجبها.
وحيث إن إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها، لا يعدو كذلك أن يكون إخلالاً بالحق المقرر دستورياً لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعى . وليس النزول عليها إلا توكيداً للحق فى الحياة والحرية ، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها، متصلاً بحق كل شخص فى أن يعرض بنفسه وجهة نظره فى شأن الواقعة محل التداعى ، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحباً إلى الحق فى أن يقيم باختياره محامياً يطئمن إليه لخبرته وملكاته، ويراه – لثقته فيه – أقدر على تأمين المصالح التى يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطاً بالخصومة القضائية التى تتناولها، نائياً عن الانحدار بمتطلباتها، إلى ما دون مستوياتها الموضوعية ، التى يمليها التبصر، وتفرضها العناية الواجبة .
وحيث إن الخصومة القضائية ، تمثل فى نطاق ضمانة الدفاع، مجالها الأكثر أهمية من الناحية العملية ، وهو ما يحتم إنصرافها إلى كل دعوى ، سواء كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية ، أم كان الاتهام الجنائى موضوعها. وإذا جاز القول بأن تمثيل الشخص بمحام يكون وكيلاً عنه، يعد ضمانة أولية يقتضيها مسار الخصومة القضائية حقاً وانصافاًFairness and Right، فإن حرمان الشخص من أن يكون أصيلاً فى مباشرة الدفاع، إنما يصادم النبض الجماعى لحقائق العدل Shocking to a Universal Sense of Justice.
ولقد كان تقدير
المحكمة الدستورية العليا
لضمانة الدفاع ، واقرارها لأهميتها، واضحاً وقاطعاً فى مجال تحديدها للشروط التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائياً، وذلك بما جرى عليه قضاؤها، من أن القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين، لايكون قراراً قضائياً، إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى تنظم هذه الولاية ، وتبين حدودها.
وحيث إن حق الشخص فى اختيار محام يكون وكيلاً عنه فى دعواه، وإن كان يعكس فى الأعم من الأحوال، ما آل إليه تطور النظم القضائية ، ومايكتنفها من قواعد معقدة تدق على الكثيرين، وباعتبار أن ما قد يبدو واضحاً فى الأذهان لرجال القانون، يكون شائكاً محاطاً بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى غيرهم، أياً كان شكل ثقافتهم أو عمقها وعلى الأخص فى مجال تطبيق بعض أفرع القانون، بالنظر إلى تطور أبعادها، وخفاء عديد من جوانبها، إلا أن حق الدفاع أصالة ، كان دائماً أسبق وجوداً من الحق فى اختيار محام، وكان كذلك أكثر اتصالاً بخصائص الشخصية الإنسانية ، وارتباطاً بتكاملها. فإذا كان من يتولى هذا الدفاع محامياً، فإن من المفترض أن يكون قادراً على إدارة شئون قضاياه الشخصية ، فلا تفقد الضمانة الدستورية لحق الدفاع، مضمونها، ولا تنحسر عنها أهدافها، وعلى تقدير أن المحامين – من كان منهم أصيلاً أو وكيلاً – جميعهم شركاء للسلطة القضائية – على تعدد تنظيماتها – فى سعيها للوصول إلى الحقيقة ، وإلتماس الوسائل القانونية التى تُِعينها على تحريها. وحيث إن قيام المحامين بالدفاع عن بعض الحقوق التى كفلها الدستور Constitutionally Protected Rights ، كالحق فى العمل، وحق الحصول على أجر عادل – وسواء كان ذلك من خلال قضاياهم الشخصية ، أو تلك التى وكلوا فيها – لا يعتبر مجرد ارتكان إلى الوسائل الفنية التى يقتضيها الفصل فى الخصومة القضائية ، بل تبدو ضمانة الدفاع فى هذه الفروض أكثر اتصالاً بإنفاذ هذه الحقوق، من خلال إحاطتها بالحماية التى وفرها الدستور لها، وهو ما يعلو بمبدأ سيادة القانون، ليكون كافلاً دعم البنية الخلقية لإدارة العدالة .
The Ethical Fabric of the Administration of Justice
وحيث إن الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور، أنها لا تتمايز فيما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمى يجعل لبعضها علوا على ما سواها، وكان قضاء
المحكمة الدستورية العليا
قد اضطرد على أن خضوع الدولة للقانون، محدد على ضوء مفهوم ديموقراطى ، مؤداه: ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديموقراطية ، مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية ، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة ، ويندرج تحتها طائفة من الحقوق وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور، من بينها ألا تكون العقوبة مهينة فى ذاتها، أو مجاوزة فى قسوتها للحدود التى توازنها بالأفعال التى أثمها المشرع، ليكون إيقاعها شاذاً منافياً لحكم العقل، وكان لايجوز كذلك تقييد الحرية الشخصية إلا بعد اتباع الوسائل القانونية التى يكون تطبيقها موافقاً لأسس الشرعية الدستورية وضوابطها، وكان من بين ما تشتمل عليه هذه الوسائل، ضمان فرص جادة يباشر الشخص من خلالها، حق الاستماع إليه The Right to be Heard، فإن ولوجها – وبوجه خاص فى مجال ارتباطها بضمانة الدفاع التى لا تقوم الشرعية الدستورية فى غيبتها – يكون أكثر لزوماً فى نطاق الخصومة القضائية ، ولو كان الذين يفيدون منها – مثلما هو الحال فى الدعوى الراهنة – محامين يعملون بوصفهم أصلاء عن أنفسهم pro se.
يؤيد ماتقدم بنيان الفقرة الأولى من المادة (٦٩) من الدستور ذاتها، ذلك أن مضمونها لا يقتصر على مجرد تقرير حق الشخص فى اختيار محام يتولى الدفاع عنه، ولكنها تؤكد الملامح الشخصية لحق الدفاع، من خلال استصحابها أصل الحق فيه، بتخويلها إياه لمن يكون أصيلاً فى إدارته – The Right of Self Representation، وهو ما يفيد استقلال كل من الحقين عن الأخر، فلا يتهادمان، وعلى تقدير أن اختيار الشخص لمحام يكون وكيلاً عنه، لا يعدو أن يكون شكلاً من أشكال المعاونة التى يطلبها، وأن إنفراد الوكيل بالخصومة القضائية التى وكل فيها، لا يتصور أن يتم إلا بقبول الأصيل ، ليتحمل بعدئذ – دون غيره – بآثارها ونتائجها.
وحيث إن البين من أحكام المادتين (١، ٣) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية فى تحقيق العدالة ، وتأكيد سيادة القانون، وضمان الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، وأن المحامين يمارسون مهنتهم فى استقلال، ولا سلطان عليهم فى ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون، وأنه مع عدم الإخلال بأحكام القوانين المنظمة للهيئات القضائية ، وبأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية ، لايجوز لغير المحامين مزاولة أعمال المحاماة ، ويندرج تحتها الحضور عن ذوى الشأن أمام جهات التحقيق إدارياً كان أم جنائياً، وكذلك أمام دوائر الشرطة والمحاكم على اختلافها، ودفاعهم عنهم فيما يقام منهم أو عليهم من الخصومات القضائية ، والقيام بما يتصل بها من أعمال المرافعات و
الإجراءات
القضائية .
وحيث إن المادتين (٢، ٣) من قانون المحاماة ، تصرحان كذلك بأن كل من يقيد بجداول المحاماة التى ينظمها هذا القانون ، يعد محامياً، وأن مهنة المحاماة يجوز أن يمارسها المحامون فى إداراتهم القانونية بشركات القطاع العام.
ولئن كان المشرع قد دل بنص الفقرة الأولى من المادة (٨) من قانون المحاماة ، على أن الأصل المقرر بها، هو أن من يعملون من المحامين بالإدارة القانونية لإحدى شركات القطاع العام، لا يمارسون لغير جهة عملهم أعمال المحاماة المنصوص عليها فى المادة (٣) من هذا القانون، وإلا كان العمل باطلاً، إلا أن الفقرة الثالثة من المادة (٨) المشار إليها، خولتهم مباشرة أعمال المحاماة هذه، بالنسبة إلى قضاياهم الشخصية ، بشرط ألا تكون جهة عملهم خصماً فيها، لتحول بينهم وبين مقاضاتها دفاعاً عن الحقوق التى يطلبونها لأنفسهم – وبوصفهم أصلاء فيها – ولتمنعهم بالتالى من أن يباشروا قبلها أعمال المحاماة المنصوص عليها فى المادة الثالثة من قانون المحاماة ، حال كونهم مؤهلين للقيام بها كوكلاء عنها. ولا يعدو حرمانهم من مباشرتها فيما يخصهم من القضايا، أن يكون عدواناً على الطبيعة الشخصية لحق الدفاع التى كفلتها الفقرة الأولى من المادة (٦٩) من الدستور، من خلال ضمانها حق الدفاع أصالة لكل مواطن.
وحيث إن ما قررته الشركة المدعى عليها الأخيرة ، من أن شركات القطاع العام، هى التى تقوم بنفسها بأداء الرسوم اللازمة لقيد محاميها بالجدول الخاص المعد لهذا الغرض، والمنصوص عليه بالفقرة الثانية من المادة (١٠) من قانون المحاماة ، وأن عليهم بالتالى أن يتفرغوا للعمل لحسابها، فلا يختصمونها؛ مردود بأن الحقوق التى كفلها الدستور – ويندرج تحتها حق الدفاع أصالة – لايجوز إسقاطها أو تنحيتها عن مجال تطبيقها، سواء بعمل تشريعى ، أو من خلال مقابل مالى أياً كان مقداره. بل يتعين اقتضاؤها عيناً كلما كان ذلك ممكناً. كذلك فإن مصلحة المدعى عليها الأخيرة فى عدم اختصامها، لاتتعادل مع المصالح التى توخى الدستور بلوغها من وراء ضمانة الدفاع، ذلك أن صون حقوق المواطنين وحرياتهم أولى بالاعتبار، وأدخل إلى القيم العليا التى لا يقوم بنيان شرعى لمجتمعهم بعيداً عنها، وهى قيم لا يجوز التفريط فيها، بل يتعين ضمانها بكل الوسائل، ولو عَرَضَ من يتولى الدفاع عنها – أصيلاً كان أم وكيلاً – لتلك الحقائق التى تريد جهة العمل إخفاءها من خلال التذرع بسريتها.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً لأحكام المواد (٦٥، ٦٨، ٦٩) من الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة (٨) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، من حظر مباشرة محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام لأعمال المحاماة بالنسبة إلى القضايا الخاصة بهم وتكون متعلقة بالجهات التى يعملون بها، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى