حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣٩ لسنة ٢١ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣٩ لسنة ٢١ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ٠٣ – ٢٠٠٤

منطوق الحكم : عدم قبول دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم قبول الدعوى في طلب الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة ٧٧ من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون ٤٦ لسنة ١٩٧٢ المعدلة بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٤ .

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ٧ مارس سنة ٢٠٠٤ م ، الموافق ١٦ من المحرم سنة ١٤٢٥ ه .
برئاسة السيد المستشار / حمدى محمد على نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : محمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو وتهانى محمد الجبالى
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٣٩ لسنة ٢١ قضائية دستورية .
المقامة من

السيد / أحمد رجائى محمد أحمد خليل
ضد
١ السيد رئيس الجمهورية
٢ السيد رئيس مجلس الوزراء
٣ السيد وزير العدل
٤ السيد رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى
٥ السيد مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائى

الإجراءات

بتاريخ الأول من أغسطس سنة ١٩٩٩، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلباً للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (٧٧) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ المعدلة بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٤ .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الطلب رقم ١٦٤ لسنة ٦٢ قضائية أمام دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، طالباً الحكم بإلغاء قرار وزير العدل رقم ٢٥٥ لسنة ١٩٨٦ الصادر بتاريخ ٢٠ / ١ / ١٩٨٦ باعتباره مستقيلاً من وظيفته اعتباراً من ١ / ٨ / ١٩٨٥ مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال بياناً لطلبه انه بتاريخ ١ / ٨ / ١٩٧٩ أعير للعمل بدولة قطر وتجددت إعارته لمدة ست سنوات، ولدى تجديد إعارته للسنة السابعة أخطرته وزارة العدل بعدم الموافقة على هذا التجديد، وإذ لم يتلق رداً على طلبه إرجاء عودته حتى انتهاء العام الدراسى ، فقد قرّ فى نفسه أن إعارته قد جددت أسوة بزملاء له، غير أنه علم فيما بعد بصدور القرار المطعون فيه، فتظلم منه أمام مجلس القضاء الأعلى فرفض تظلمه، فأقام طلبه للحكم له بطلباته سالفة الذكر. وأثناء نظر الطلب دفع بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (٧٧) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ المعدلة بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٤، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (٧٧) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ المعدلة بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٤ تنص على أنه لا يجوز للقاضى أن يتغيب عن مقر عمله قبل إخطار رئيس المحكمة .
ولا أن ينقطع عن عمله لغير سبب مفاجئ قبل أن يرخص له فى ذلك كتابة ، فإذا أخل القاضى بهذا الواجب نبهه رئيس المحكمة إلى ذلك كتابة .
وفضلاً عن ذلك فإنه إذا زادت مدة الانقطاع بدون ترخيص كتابى عن سبعة أيام فى السنة اعتبرت المدة الزائدة إجازة عادية لمدة تحسب من تاريخ اليوم التالى لآخر جلسة حضرها القاضى وتنتهى بعودته إلى حضور جلساته. فإذا استمر القاضى فى مخالفة حكم هذه المادة وجب رفع الأمر إلى مجلس التأديب.
ويعتبر القاضى مستقيلاً إذا انقطع عن عمله مدة ثلاثين يوماً متصلة بدون إذن ولو كان ذلك بعد انتهاء مدة أجازته أو إعارته أو ندبه لغير عمله.
فإذا عاد وقدم أعذاراً عرضها الوزير على مجلس القضاء الأعلى ، فإن تبين له جديتها اعتبر غير مستقيل، وفى هذه الحالة تحسب مدة الغياب إجازة من نوع الإجازة السابقة أو إجازة عادية بحسب الأحوال.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة لنظرها لازماً للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات الموضوعية ، ولما كان جوهر النزاع الموضوعى ينحصر فى طلب المدعى إلغاء قرار وزير العدل باعتباره مستقيلاً من عمله إعمالاً لحكم الفقرة الثالثة من المادة (٧٧)، فإن حسم المسألة الدستورية المثارة من شأنه أن يكون كافلاً لمصلحة المدعى فى الدعوى الموضوعية ، مما تتحقق معه مصلحته الشخصية فى إقامة الدعوى الدستورية الماثلة .
وحيث إن حاصل مناعى المدعى على النص الطعين، الإخلال بمبدأ استقلال القضاء الذى يمثل ركيزة أساسية لنظام الحكم فى الدولة القانونية ، ولا يقوم هذا المبدأ إلا إذا أحيط القاضى بسياج من الحصانات والضمانات أهمها عدم قابليته للعزل، ولا استثناء لهذا المبدأ الأخير إلا عند مساءلة القاضى تأديبياً وفقاً للضمانات الدستورية المقررة وأهمها كفالة حق الدفاع، بيد أن النص الطعين يجيز عزل القاضى – حتى دون أن تتجه إرادته إلى ذلك – ودون تمكينه من استخدام حقه فى الدفاع مما يجعله عرضة للجزاء التأديبى دون ضمانات فعلية ، رغم أن القاضى يحاط بهذه الضمانات عند ارتكابه المخالفة الأقل وهى انقطاعه عن العمل لمدة سبعة أيام فقط، هذا بالإضافة إلى أن النص الطعين يخل بمبدأ أصل البراءة وضمان المحاكمة المنصفة ، كما يهدر الحق فى التقاضى إذ لا سبيل للطعن على القرار الصادر برفض التظلم من اعتبار القاضى مستقيلاً، ومن ناحية أخرى فإنه يخالف مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، إذ يضع القاضى – رغم عدم قابليته للعزل – فى وضع أسوأ من العاملين المدنيين بالدولة ، الذين لا يجوز اعتبارهم مستقيلين من عملهم بمجرد انقطاعهم عن العمل قبل إنذارهم كتابة ، ومن ثم يكون النص الطعين قد خالف أحكام المواد (٤٠، ٦٤، ٦٥، ٦٦، ٦٧، ١٦٥، ١٦٦، ١٦٨) من الدستور .
وحيث إن هذا النعى فى جملته مردود، ذلك أن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن الأصل فى اختصاص المشرع بسلطة تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدوداً لها وفواصل لا يجوز له تجاوزها، وأن الدولة القانونية – وفقاً لنص المادتين (٦٤، ٦٥) من الدستور – هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها. وأن استقلال السلطة القضائية أمر لازم لضمان الخضوع للقانون، وقد كفل الدستور للسلطة القضائية استقلالها وجعل هذا الاستقلال عاصماً من التدخل فى أعمالها أو التأثير فى مجرياتها باعتبار أن القرار النهائى فى شأن حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم هو بيد أعضائها. واطرد قضاء هذه المحكمة –كذلك – على أن عدم قابلية القضاة للعزل حصانة قررها الدستور والمشرع حماية للوظيفة القضائية وكضمانة لاستقلال السلطة القضائية ، وهى تلازمهم دوماً طالما ظل سلوكهم موافقاً لواجباتهم الوظيفية مستجيباَ لمتطلباتها معتصماً بالاستقامة والبعد عما يشينها. لما كان ذلك، وكان عمل القاضى لا يقاس بغيره من الموظفين العامين، ولا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها فى شأن واجباتهم الوظيفية ، وإنما يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزماً، لأن المغايرة فى هذا الخصوص تقوم على أساس موضوعى مرده إلى اختلاف المركز القانونى للقاضى عن المركز القانونى لسواه، فضلاً عما هو مفترض فى القاضى من ضرورة إلمامه إلماماً تاماً بما يرد فى القوانين المختلفة التى يدعى إلى تطبيقها، خاصة تلك القوانين التى تحكم سلوكه وأداءه الوظيفى . لما كان ذلك، وكان المشرع – فى حدود سلطته التقديرية – قد قدر أن انقطاع القاضى عن عمله مدة طويلة ، وتخليه عن النهوض بما هو منوط به من مسئوليات جسام فى إقامة العدل وإرساء دعائم القانون، إنما هو قرينة على رغبته فى الاستقالة ، فإن بان أن انقطاعه عن العمل فيما بعد كان لأسباب قهرية ، جاز لمجلس القضاء الأعلى المهيمن على شئون رجال القضاء، إن ارتأى جدية هذه الأسباب عند نظره فى تظلم القاضى ، أن يعيده إلى عمله، فإن رفض تظلمه، كان له أن يلجأ إلى الدائرة المختصة بنظر طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض. وكان هذا التنظيم الذى ارتآه المشرع إنما يقوم على أسس موضوعية راعت فى جوهرها طبيعة وقدسية عمل القاضى ، وما يستلزمه ذلك من ضرورة انتظام سير العمل بالمحاكم، وكان من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة أن الاستقالة الحكمية هى تعبير عن الإرادة الضمنية للعامل، إعراباً منه عن عزوفه عن العمل وإعراضه عن أدائه، فلا يجوز إجباره عليه، وكلتاهما – الاستقالة وما فى حكمها – يأتى تقنيناً لمبدأ حرية العمل الذى قننته المادة (١٣ فقرة ثانية ) من الدستور، ومن ثم لا يكون النص الطعين قد تضمن فى حقيقته أى عقوبة تأديبية ، كما أن قالة الإخلال بمبدأ استقلال القضاء، أو إهدار مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل، أو الإخلال بالحق فى التقاضى ، أو الحق فى الدفاع، أو الحق فى المحاكمة المنصفة ، تكون قائمة على أساس غير صحيح، كما أن الإخلال بمبدأ أصل البراءة – كما ذهب المدعى – يكون مقحماً فى دائرة لا تتعلق به، ولا تتصل بأبعاده .
وحيث إن ما ينعاه المدعى من إخلال النص المطعون فيه بحكم المادة (٤٠) من الدستور، مردود بأن مبدأ المساواة فى الحقوق بين المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة (٤٠) المشار إليها، بما مؤداه: أن التمييز المن هى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكمياً، لما كان ذلك، وكان المشرع تقديراً منه لطبيعة عمل القاضى وطبيعة تكوينه القانونى قد ارتأى أنه لا ضرورة لإنذاره كتابة إذا انقطع عن العمل مدة ثلاثين يوماً متصلة قبل اعتباره مستقيلاً من عمله، بينما اشترط ذلك بالنسبة لمن سواه من الخاضعين لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ، تبصيراً لهم بأحكامه حتى يكونوا على بينه من أمرهم، فإن هذه المغايرة قد تقررت بالنظر إلى اختلاف المركز القانونى للقاضى عن غيره من العاملين المدنيين، وتوكيداًٍ لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة ، ومن ثم فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون تكون فاقدة لأساسها حرية بالرفض .
وحيث أن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أى حكم آخر من أحكام الدستور .
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى