حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٢١ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٢١ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٩ – ٠٣ – ١٩٩٨

منطوق الحكم : عدم قبول دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم قبول دعوى طلب الحكم بعدم دستورية المادة ١٩٥ من قانون التجارة

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٧ مارس سنة ١٩٩٨ الموافق ٨ ذو القعدة سنة ١٤١٨هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد على وعبد الرحمن نصير وعدلى محمود منصور.
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٢١ لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / حشمت وليم رزق الله
ضد
١ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٢ – السيد / رئيس مجلس الشعب
٣ – السيدة / نادية عباس راشد
الإجراءات

بتاريخ ٢٩ أكتوبر سنة ١٩٩٦، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة ١٩٥ من قانون التجارة فيما تضمنه من غل يد محكمة الإفلاس عن تحقيق الطعن بالتزوير.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليها الثالثة – نادية عباس راشد – كانت قد أقامت أمام محكمة إفلاس أسيوط دعواها رقم ١٦٥ لسنة ١٩٩٥ضد المدعى ، طالبة الحكم بصفة مستعجلة بوضع الأختام على محله التجارى وأمواله ومخازنه، ومنعه من مغادرة البلاد مع التحفظ عليه فى مكان أمين · وفى الموضوع الحكم بإشهار إفلاسه، واعتباره متوقفا عن الدفع فى ٨ / ٧ / ١٩٩٥ مع تعيين أحد قضاة المحكمة مأمورا للتفليسة .
وأثناء تداول دعواها هذه، قررت المحكمة أن تضم لها دعاوى أخرى رفعتها المدعية ضد خصمها، هى الدعاوى أرقام ١٦٦ و ١٦٨ و ١٦٩ و ١٧٠ لسنة ١٩٩٥، وكذلك الدعويين رقمى ٧٤ و ٧٥ لسنة ١٩٩٦.
وقد قرر المدعى – فى الدعوى الراهنة – وأثناء نظر الدعوى الموضوعية وغيرها مما ضم إليها وجميعها مرفوعة ضده من السيدة نادية عباس راشد، أن سنداتها المثبتة للديون التى تدعيها مزورة ومدخولة عليه، وأنه أقام ضدها الدعوى رقم ٦٢٦ لسنة ١٩٩٦ مدنى كلى أسيوط بطلب الحكم بردها وبطلانها مع وقف دعاوى المدعية إلى أن تفصل المحكمة فى طلب الرد والبطلان، إلا أنها لم تستجب لطلبه، ورفضت كذلك التصريح له بالتقرير بالطعن بالتزوير أمام محكمة الإفلاس مما حمل المدعى على الطعن بعدم دستورية نص المادة ١٩٥ من قانون التجارة فيما تضمنه من غل يد محكمة الإفلاس عن تحقيق الطعن بالتزوير ·وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بالطعن بعدم الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة ١٩٥ من قانون التجارة تقضى بأن كل تاجر وقف عن دفع ديونه، يعتبر فى حالة إفلاس، ويلزم إشهار إفلاسه بحكم يصدر بذلك.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، مخالفته أحكام المواد ٨ و ٤٠ و ٦٨ و٦٩ من الدستور على أوجه متعددة : أولها : أن الأصل فى كل دين يقتضى شهر الإفلاس، أن يكون تجاريا، حال الأداء، معلوم المقدار، وخاليا من النزاع · وعلى محكمة الموضوع عند فصلها فى طلب شهر الإفلاس، أن تحقق هذه الشروط جميعها، وأن تقدر ما إذا كان النزاع حول تخلفها جديا؛ على أن تقيم قضاءها فى ذلك على أسباب سائغة تكفى لحمله.
ثانيهما: أن الطعن بالتزوير أمام محكمة الإفلاس يمثل نزاعا فى الدين يتصل بصحته واستحقاقه. بيد أن قضاة الإفلاس مختلفون فيما بينهم فى شأن قبول الطعن بالتزوير أمام محكمة الإفلاس، فمنهم من يقدره من ظاهر الأوراق، ومنهم من يرفض قبول هذا الطعن، وإن أجازه آخرون، وتتعلل المحاكم جميعها بغل يدها تشريعيا عن تحقيق الطعن بالتزوير، وهو ما يخل بحق الدفاع كضمانة مبدئية كفلها الدستور لصون الحق والحرية ، ولضمان إجراء محاكمة من صفة تقتضيها موازين العدل بين المواطنين، وتصون تساويهم أمام القانون.
ثالثها : أن الدعوى التى يقيمها المدين برد وبطلان سند الدين، استقلالا عن خصومة الإفلاس ذاتها، لازمها أن تتربص محكمة الإفلاس الحكم الصادر فى دعواه هذه، وأن تتقيد بهذا الحكم بعد صدوره، ولكنها لاتفعل، مما يمثل انحرافا من السلطة التشريعية فى مباشرتها لاختصاصها المنصوص عليه فى المادة ٨٦ من الدستور.
رابعها : أن محكمة الإفلاس – إذا ما طعن أمامها فى سند الدين بالتزوير – يكفيها أن تقول كلمتها من ظاهر الأوراق، ولا يُلزمها النص المطعون فيه بالرجوع إلى أهل الخبرة .
وحيث إن من المقرر أن الإفلاس طريق للتنفيذ الجماعى على أموال المدين التاجر،إذا قضى باعتباره متوقفا عن سداد ديونه التجارية فى مواعيد استحقاقها، بما يزعزع ائتمانه، ويعرض حقوق دائنيه لخطر محقق، أو لنذر تتهددها بالضياع.
وليس الإفلاس المشهر إلا حالة لا تتجزأ تقوم بالتاجر المفلس تبعا للحكم الصادر بها، ليكون ساريا فى شأن الدائنين جميعا، ولو لم يكونوا أطرافا فى خصومة الإفلاس، منصرفا إلى ذمة التاجر بأكملها، ومنشئاً لمركز جديد من أثره غل يد التاجر المفلس، فلا يدير الأموال التى يملكها، أو يباشر تصرفا فى شأنها، توقيا لتهريبها أو إتلافها أو اختلاسها، إضرارا بدائنيه، وصونا لجوهر مصالحهم التى ينافيها تزاحمهم فيما بينهم من خلال التسابق لتحصيل حقوقهم التى لا يكفلها إلا حشدهم فى جماعة واحدة ، توحد جهودهم، وتقيم فيما بينهم – وما لم يكن لأيهم أفضلية على غيره وفقا للقانون – مساواة يتقاسمون على ضوئها أموال المدين غارمين، فلا تكون حقا لبعضهم من دون الآخرين، بل تباع لحسابهم أجمعين، وتوزع عليهم حصيلتها كل بنسبة دينه.
وحيث إن من المقرر أن شهر إفلاس التاجر لايجوز قانونا كلما كان مثابرا على الوفاء بديونه فى مواعيد استحقاقها passif exigible، ولو كان معسرا · فإذا عجز عن إيفائها – كلها أو بعضها – عند حلول أجلها، جاز تفليسه ولو كان موسرا دالا بمطله على انهيار الثقة فيه · بما مؤداه أنه سواء أكان المدين معسرا أو موسرا، فإن واقعة توقفه عن إيفاء ديونه فى مواعيد استحقاقها، هى التى يعتد بها فى شهر إفلاسه، وعلى الأخص كلما كان سببها غير عارض، بل منبئا عن حالة مالية اتصل اضطرابها، وتزعزع معها ائتمان التاجر.
والأصل أن يتعلق شهر الإفلاس بدين يكون تجاريا، حالا، ومحققا، وخاليا من النزاع؛ وأن يدل الحكم الصادر به على أن ديون التاجرغير المتنازع عليها، هى التى نكل عن إيفائها فى مواعيد استحقاقها ليهضمها؛ فلا يحصل دائنوه على مبالغها التى يواجهون بها ما عليهم من الديون لآخرين، مما ينال من استقرار معاملاتهم التجارية ويصيبها بصدع خطير؛ قد تفوق الأضرار التى يحدثها تلك التى تنجم عن ضياع حقوقهم بصفة نهائية .
وحيث إن اختصاص محكمة الإفلاس بالفصل فى شروطه الموضوعية – ويندرج تحتها أن يكون المدين التاجر متوقفا عن إيفاء ديونه التى حل ميعاد استحقاقها – يخولها تقدير كل نزاع يتعلق بثبوتها، سواء بإنكار نشوئها صحيحة من مصادرها المعتبرة قانونا؛ أو بادعاء أن وجودها لا زال متراخيا إلى أجل أو معلقا على وقوع شرط؛ أو بأن مصيرها قد آل إلى زوال تبعا لانقضائها · وإلى عقيدتها يعود أمر اطمئنانها إلى حقيقة النزاع حول الديون المدعى استحقاقها، وما إذا كان جادا قائما على سند أو مفتعلا · وحسبها أن يكون حكمها فى ذلك محمولا على دعائم يستقيم بها؛ وموافقا للقانون فى النتائج التى استخلصها · وعليها أن تفصل كذلك فيما إذا كان تراخى المدين فى إيفاء الديون التى قام الدليل لديها على ثبوتها واستحقاقها، لا زال قائما عند الفصل فى طلب الإفلاس، أم صار منتهيا بعد أن بادر إلى تسويتها.
وحيث إن ذلك مؤداه أن محكمة الإفلاس لا يسعها التخلى عن ولايتها التى تقتضيها التحقق من صحة الديون التى يُدَّعَى بأن المدين التاجر صارمتوقفا عن دفعها بعد حلول أجلها وعليها بالتالى أن تفصل فى كل نزاع يدور حول جديتها، وإلا كان حكمها مشوبا بالقصور.
وحيث إن حق الدفاع المقرر بنص المادة ٦٩ من الدستور، وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها، وتصحيح إجراءاتها ومتابعتها، وعرض المسائل الواقعية والقانونية التى تتصل بموضوعها، ودحض ما يناهضها توكيدا لوجه الحق فيما يكون هاما من نقاطها، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة تعتبر جميعها من وسائل الدفاع، وإن كان بعضها أعمق اتصالا بموضوع الخصومة القضائية ،وأرجحها احتمالا فى مجال كسبها.
وحيث إن خصومة الإفلاس، هى الخصومة الأصلية التى يتحدد موضوعها على ضوء عجز المدين عن إيفاء ديون حل ميعاد استحقاقها، فلا يكون الحكم باعتباره مفلسا من فصلا عن ثبوتها، وبافتراض أن صحتها غير متنازع عليها. فإذا كان المدين التاجر قد جحدها من خلال الطعن على مستنداتها بالتزوير؛ كان هذا الطعن من أوجه الدفاع التى تؤثر فى الخصومة الأصلية ، والتى لا يجوز لمحكمة الإفلاس أن تتجنبها باعتباره متصلا بتوافر الشروط الموضوعية لشهره، وهى شروط يقتضيها قانون التجارة ، وعليها أن تحققها فصلا فى خصومة الإفلاس ذاتها التى يجهضها أن تكون الديون المرفوعة بها، مفتقرة إلى حجيتها؛ بما مؤداه أن إعمالها لرقابتها الموضوعية فى شأن توافر شروط الإفلاس، يلزمها بأن تفصل فى كل نزاع يثير شكوكا جادة حولها، وعلى تقدير أن الطعن بتزوير سند الدين محل التداعى ، فرع من خصومة الإفلاس الأصلية ، فلا ينفصل عنها.
وحيث إن ما ينعاه المدعى كذلك من أن قضاة الإفلاس لا يتربصون الحكم برد وبطلان سند الدين المطعون بتزويره، ولا يتقيدون بهذا الحكم بعد صدوره مما يمثل انحرافا من السلطة التشريعية فى استعمال سلطتها، مردود أولا: بأن الفصل فى دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملا؛ ولا بالصورة التى فهمها بها القائمون على تنفيذها؛ وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه، إلى الضوابط التى فرضها على الأعمال التشريعية جميعها.
ومردود ثانيا : بأن سوء استعمال السلطة التشريعية لوظائفها، ليس بمبدأ يفترض فى عملها، بل يعتبر مثلبا احتياطيا، وعيبا قصديا يتعين أن يكون الدليل عليه واشيا بتنكبها الأغراض المقصودة من تأسيسها؛ واستتارها بالتالى وراء سلطتها فى مجال تنظيم الحقوق، لتصرفها إلى غير وجهتها، فلايكون عملها إلا انحرافا عنها.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة نص المادة ١٩٥ من قانون التجارة لمبدأ تكافؤ المواطنين فى فرصهم وتساويهم أمام القانون، مردود أولا : بأن الفرص التى يعنيها نص المادة ٨ من الدستور، هى تلك التى تتعهد الدولة بتقديمها؛ متوخية – من خلال الشروط الموضوعية التى تنظمها – فض التزاحم عليها بين من يطلبونها؛ وترتيبهم فيما بينهم على ضوء شروط استحقاقها التى تحدد أجدرهم بالحصول عليها · ويفترض ذلك أن تكون هذه الفرص محدود عددها، وأن من تسابقوا لنيلها يربونها. ولا كذلك نص المادة ١٩٥ المطعون عليها التى لا شأن لها بمثل هذه الفرص، وإنما يقتصر مضمونها على بيان الشروط الموضوعية التى يكون بها المدين التاجر مفلسا.
ومردود ثانيا : بأن مساواة المواطنين أمام القانون وفقا لنص المادة ٤٠ من الدستور تفترض وحدة القاعدة القانونية التى ضبط بها المشرع المراكز القانونية التى تتماثل فى العناصر التى تكونها · ولا يقيم النص المطعون فيه بين المدينين فى خصومة الإفلاس تمييزا غير مبرر، سواء فى نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تنظمها؛ أو على ضوء ضمانة الدفاع التى يكفلها الدستور للحقوق التى يدعونها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان نص المادة ١٩٥ من قانون التجارة ؛ لا يحول دون مباشرة محكمة الإفلاس لرقابتها التى تستظهر بها ما إذا كان النزاع حول تزوير سند الدين جديا ومنتجا فى الخصومة الأصلية ، أو مقحما عليها متوخيا تعطيلها؛ فإن ما ينعاه المدعى من انطواء نص المادة ١٩٥ المشار إليها على غل يد محكمة الإفلاس عن تحقيق الطعن بالتزوير، يكون لغوا تنتفى به مصلحته الشخصية المباشرة فى الخصومة الدستورية التى أقامها، فلا يجوز قبولها.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى