بالتفاصيل.. مدى خطورة توكيلات البيع للنفس والغير.. ودور محكمة النقض في حل الأزمة

كتب: عبدالعال فتحي

في كثير من الأحيان نجد البعض يحرر توكيل رسمي عام يسمح للوكيل بموجبه البيع للغير نيابة عنه، ولكن يفاجأ الموكل بأن قد يسئ الوكيل استخدام هذا التوكيل، ويقوم بالبيع دون علم أو إرادة الموكل أو يقوم الوكيل بتحرير عقد بيع صوري للغير، ويوضح الدكتور أحمد مهران، الخبير القانوني، كل ما يتعلق بالتوكيل وفقا للقانون.

فيقول أن الأصل وفقاً لنص المادتين 713 ، 105 من القانون المدني، أن ما يبرمه الوكيل في حدود وكالته ينصرف إلي الأصيل هذا ما لم يثبت وجود غش وتواطؤ عند إبرام هذا التصرف، حيث قضت محكمة النقض في العديد من أحكامها أن هناك حالة يحق فيها للموكل طلب عدم نفاذ التصرف الذي يقوم به وكيله دون إرادته أو علمه وهي حالة إذا ما أثبت الموكل أن وكيله أبرم التصرف بطريق الغش والتواطؤ فإن التصرف هنا لا يسري أثره في حق الموكل.

التوكيل هو الشائع في سوق البيع والشراء

والشائع في العمل بين الأفراد عند إتمام أي صفقة بيع “عقارات – سيارات – أراضي.. “ أن يكتفي المشتري بالحصول من البائع له علي توكيل يبيح له البيع لنفسه أو للغير غير قابل للإلغاء إلا بوجود الطرفين بجانب عقد البيع الابتدائي، إلا أن المشتري غالباً ما يتباطئ في إنهاء الإجراءات اللازمة لنقل ملكية المبيع لنفسه أمام مصلحة الشهر العقاري بل يصل في بعض الأحيان إلي قيام المشتري بالبيع مرة أخري بموجب ذلك التوكيل اعتمادا منه علي أن التوكيل غير قابل للإلغاء إلا بوجود الطرفين .

خطورة توكيلات البيع للنفس والغير

مسألة اكتفاء المشتري بالحصول من البائع له علي توكيل يبيح له البيع لنفسه أو للغير غير قابل للإلغاء إلا بوجود الطرفين بجانب عقد البيع الابتدائي، يعتبر أمراَ في غاية الخطورة ومثل تلك التوكيلات معيبة بعدة عيوب خطيرة سواء للبائع أو للمشتري:

1- فالمشتري قد يفاجأ عند نقل ملكية المبيع لنفسه أن التوكيل الذي تحت يده لم يعد صالحا لنقل الملكية لكون الموكل قد توفاه الله تعالي – ووفقاً للمادة 174 من القانون المدني التي تنص علي تنتهي الوكالة بموت الموكل أو الوكيل، فإذا توفي الموكل كان التوكيل منتهيا وفي هذه الحالة يتعين علي المشتري أن يحضر جميع ورثة البائع له أمام الشهر العقاري لإنهاء إجراءات نقل الملكية وأن يكونوا مجتمعين ولديهم إعلام وراثة، وهو أمر قد يعاني منه المشتري لا سيما تبين سفر أحدهم للخارج أو كان أحد الورثة قاصراً .

في حالة وفاة المشتري نفسه

2- كذلك الحال لو توفي المشتري نفسه “الوكيل”، ففي هذه الحالة يتعين علي ورثته إحضار البائع لنقل الملكية لانتهاء سند الوكالة بوفاة الوكيل .

3- كذلك هناك فرض آخر يستوي مع فرض وفاة الموكل ” البائع” وهو حالة فقده لأهليته وفقاً للمادة 45 و 46 من القانون المدني لجنون أو سفه أو ثبت بقرار قضائي غل يد الموكل البائع عن التصرف في أمواله بالحجر عليه أو تعيين قيم عليه، فلا يجوز استخدام التوكيلات، حيث إن الأصيل نفسه ممنوع من التصرف وقت نقل الملكية وإن كان أهلا لذلك وقت تحرير التوكيل ويعد التصرف في هذه الحالة باطلاً، وليس أمام الوكيل سوي التعامل مع من يمثل موكله سواء ورثة أو قيم أو وصي.. أو نقل الملكية بطريق غير مباشر “دعوي صحة ونفاذ”، وهي أمور تحتاج إلي كثير من الوقت والجهد والمال .

مدي خطورة لفظ “الغير”؟

4- كذلك تكمن خطورة مثل تلك التوكيلات في جملة “البيع للنفس أو للغير “، فكلمة الغير تتيح للوكيل أن يبيع باسم الأصيل أكثر من مرة فإذا أساء استخدام التوكيل وقام ببيع المبيع أكثر من مرة لأكثر من شخص بتلك الصفة مما يعرض الأصيل لما لا يحمد عقباه

وعلي ذلك يتعين ألا تتضمن صياغة التوكيل عند تحريره جملة “البيع للغير” حماية للبائع من سوء استخدام المشتري ذلك التوكيل هذا من جانب، ومن جانب آخر أن عدم ذكر جملة البيع للغير ستجعل المشتري يهم بالإسراع في إنهاء إجراءات الملكية تحسباً لوفاة الموكل أو فقده أهليته

5- كذلك فإن الوكالة عقد بين الموكل والوكيل ومن ثم يحق للموكل محاسبة الوكيل فيما قام به من تصرفات بموجب هذه الوكالة.

دور محكمة النقض في حل الأزمة

محكمة النقض المصرية تمكنت من التصدي لهذا الأمر الخاص بتوكيلات البيع للنفس والغير الذي كان بدوره أن يؤثر علي عملية البيع والشراء من خلال الحكم المُقيد برقم الطعن رقم 4999 لسنة 71 ق جلسة 9 يونيو 2014 بشأن التوكيل بالبيع للنفس أو للغير، قالت فيه: “جواز إلغاء التوكيل بالبيع للنفس أو للغير حتي ولو تضمن شرطاَ بعدم جواز إلغاؤه إلا بحضور الطرفين، كما أن التوكيل الخاص بالبيع للنفس أو للغير يدور وجودا وعدما مع عقد البيع ويجوز إلغاؤه إذا لم يكتمل البيع”.

جواز إلغاء التوكيل حتي ولو تضمن شرطاَ بعدم جواز إلغاؤه إلا بحضور الطرفين

وبهذا الحكم الذي يُعد من أهم الأحكام التي أصدرتها محكمة النقض المصرية خلال الفترة الماضية قد وضع حلا وتخريجا قانونيا جديدا لإلغاء التوكيل الصادر بالبيع للنفس أو الغير قالت فيه: “أن عقد الوكالة بالبيع للنفس أو للغير لا يعد عقداً مستقلا عن عقد البيع بل تابعاً له ويدور في فلكه وجوداً وعدماً فسخ تلك الوكالة لعدم إبرام البيع لعدم سداد باقي الثمن مما يجيز له طلب إنهاء تلك الوكالة بطلب فسخها لإخلال أحد المتعاقدين بالتزامه”.

الحكم رسّخ لمبدأ قضائياَ بأنه: يجوز إلغاء التوكيل الصادر بالبيع للنفس أو الغير”، وبذلك علي كل من يقوم بعملية الشراء سواء أرض أو عقار أو شقة أن يقوم بنقل “الملكية” للخروج من أي أزمة قد يتطرق لها، والخطورة كل الخطورة في من يقوم بنقل “الملكية” حيث أن الطرف الذي قام بعمل التوكيل “نيته غير سليمة” يستطيع أن يقوم منفرداَ بإلغاء التوكيل، فلابد من الإسراع بنقل الملكية.

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى