النقيب مرقص باشا حنا أنشودة الوطنية (4)

نشر بجريدة الأهرام الاثنين 22/11/2021
ـــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ: رجائى عطية
لم تنقطع الاعتداءات الإنجليزية بتعيين اللورد اللنبى مندوبًا ساميًا لبريطانيا فى مصر .
وقد اعترف المندوب السامى نفسه ، بفظاعة هذه الحوادث ، وأصدر بلاغًا كان مما ورد فيه :
« ومن سوء الحظ أن الجنود (الإنجليز) لم يفهموا هذا على ما يظهر , ولذلك حدث مرة أو مرتين أن نفرًا من الجنود قاموا بمظاهرات ضد المصريين الذين كانوا قد أقاموا غير موجه ضد سلطتنا بالمرة . وقد أدى عمل هؤلاء الجنود إلى اضطرابات خطيرة وإلى خسارة فى الأنفس من الجانبين , على أن المأمول الآن أن يلوذ الجنود (الإنجليز) بالهدوء ويلزموا السكينة ويتركوا القانون والنظام للقائد العام , ومما يجب أن يفهم أن كل عمل مستقل يقوم به الجنود (الإنجليز) يضاعف صعوبة مركزنا عشر مرات » .
وتكررت بلاغات دار الحماية عن الحوادث يومى 8 ، 9 أبريل 1919 ، وقد كان أن اجتمع مجلس مديرية الجيزة وأصدر احتجاجًا على الفظائع الإنجليزية التى ارتكبت بالجيزة ، وفى تلك الجلسة الطارئة ، ورد فيما ورد بمذكرة الاحتجاج :
« تتلخص تلك الشكايات فى أن بعض الجنود البريطانية أحدثت من الاعتداءات ضروبًا شتى كإحراق القرى . البلاد فى غسق الليل وفى جوف النهار ، وقتل الأبرياء رميًا بالرصاص وسلب الأهالى أموالهم وحليهم وقتل مواشيهم ، وأخذ الطيور عنوة ، والاعتداء ، يا للأسف على الأعراض ، اعتداءً يندى له وجه الفضيلة وتنتحر أمامه المروءة والشهامة ، كأمثال ما وقع فى بلاد إمبابة والعزيزية والبدرشين ، ونزلة الشوبك من بلاد مديريتنا ، وكما ثبت كل ذلك فى محاضر التحقيق الرسمية التى أرسلت إلى جهة الاختصاص ، ولكن مما يسوءنا جميعًا أن البلاغات الرسمية التى تصدر عن مثل هذه الوقائع تدل على أن مبلغيها لم يتورعوا فى قلب حقائقها » .
على أن اعتداءات الجنود الإنجليز لم تقف عند هذا الحد ، فقد أصابت فظائعهم الناس فى بيوتهم ولم يتورعوا عن الإساءة إلى إحدى أميرات البيت السلطانى وإلى بعض الوزراء وكبار قواد الجيش المصرى والعظماء والأعيان ، أما اعتداءاتهم على صغار الناس وعامتهم ، فهى أكثر من أن تذكر مثال ذلك ما أصاب بلا سبب عزبة بلال المشهورة بعزبة العبيد من إطلاق الرصاص عليها يومين متتاليين .
وفى يوم 9 أبريل سنة 1919 احتفل بتشييع جنازة الأربعة الذين ذهبوا ضحية طيش الجنود الإنجليز باحتفال مهيب منظم » .
ومع توالى هذه الاعتداءات الإنجليزية ، وسفر الوفد المصرى إلى باريس ، وقد كان متوقعًا أن تهدأ الحالة بعد الإفراج عن أعضاء الوفد المصرى وسفرهم ، والتصريح لكل من يريد السفر من المصريين إلى أوروبا ، ولكن الاضطرابات استمرات فى القاهرة والأقاليم ، ومن ثم اجتمع كبار الباقين من أعضاء الوفد بالقاهرة فى منزل على شعراوى باشا ، لتعيين « لجنة الوفد المركزية » طبقًا للمادة (26) من قانون الوفد ، وتشكلت برئاسة محمود سليمان باشا ، ( والد محمد محمود باشا ) وفى مقدمة أعضائها : إبراهيم بك الهلباوى ، ومرقص بك حنا ، وتوفيق بك دوس ، ومحمد محمود خليل ، وعبد الرحمن بك الرافعى ، وبوفاة محمود سليمان باشا ، تولى مرقص حنا رئاسة لجنة الوفد المركزية.
وقد تقدم أن مرقص باشا حنا ، ظل نقيبًا للمحامين خمس دورات متصلة ، بدأت منذ ثورة 1919 ، وامتدت رئاسته للنقابة طوال الثورة وفى أعقابها حتى 29 ديسمبر عام 1924 ، حيث عين وزيرًا للأشغال فى أول وزارة دستورية انتخبت من النواب ، برئاسة سعد زغلول .
ووجود مرقص حنا على رأس نقابة المحامين ، ورئاسته لجنة الوفد المركزية بوفاة محمود سليمان باشا ، جعله فى بؤرة أحداث ثورة 1919 ، وأحد أركان الوفد المهمة .
ومما يذكر أنه إبان رئاسته لنقابة المحامين ، اجتمع مجلسها يوم 15 أبريل 1919 بالنقابة ، حيث ناب عنه محمد بك أبو شادى ، وأصدرت النقابة بيانًا لدعم الوفد المصرية ، وأنه صاحب الصفة الوحيد فى تمثيل المحامين ، وجاء بهذا البيان :
« حيث أن الوفد الذى تألف منذ أشهر تحت رئاسة حضرة صاحب المعالى سعد زغلول باشا الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية للعمل على اعتراف الدول باستقلال مصر ( الوجه البحرى والقبلى والسودان وشبه جزيرة سيناء ) استقلالاً تامًّا قد أجمعت الأمة على توكيله وفى مقدمتها أعضاء الهيئات النيابية المختلفة من جمعية تشريعية ومجالس ومديريات ومجالس بلدية ومحلية وعلماء الدين ورؤساء الديانات ووجوه البلاد وأصحاب المصالح فيها والأطباء والمحامون والموظفون والطلبة وجميع طبقات الأمة على اختلاف أحزابها السياسية .
« وحيث أن هذا الوفد سافر فعلاً إلى أوروبا ليؤدى المهمة المبينة فى توكيله بعد أن نال ثقة الأمة التامة .
« وحيث أنه بعد ذلك لا يجوز لأى شخص أو أشخاص أن ينشقوا على مجموع الأمة بتأليف وفد آخر بجانب الوفد الأول لما فى ذلك من الأضرار بمصلحة الوطن والتشويش على أعمال الوفد المصرى والتأثير السئ على القضية المصرية أمام الرأى العام فى أوروبا . لـــذلك « نقرر بالإجماع نحن المحامين :
أولاً : بأن الوفد المؤلف تحت رياسة صاحب المعالى سعد زغلول باشا هو الذى الذى يمثل الأمة تمثيلاً صحيحًا وهو وحده الوكيل عنها فيما عهدت به إليه .
ثانيًا : إبلاغ هذا القرار إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء وإلى اللجنة الممثلة للوفد المصرى بالقاهرة وإلى معتمدى الدول الأجنبية فيها » .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى