«النقض» توضح في مبدأ قانوني.. سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل

كتب: أشرف زهران

في الطعن رقم ١٨٦٤٨ لسنة ٨٧ قضائية – الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٢٠/٠٦/٢٥ تحدثت محكمة النقض عن سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل، مؤكدة أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه.

الحكم

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانونًا :

حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار وإحراز سلاح أبيض “سكين” بغير مسوغ قانوني ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك أنه لم يحط بواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة ولم يبين واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة وظروفها ومؤدى الأدلة التي اتخذها سنداً لقضائه بالإدانة ، واكتفى بياناً للواقعة بما ورد عنها بأمر الإحالة، ولم يدلل على توافر نية القتل في حقه تدليلاً سائغاً، واطرح دفاعه بانتفائها بما لا يصلح رداً ، واستدل على توافر ظرف سبق الإصرار في حقه بما لا يسوغ سنداً لقيامه، وعول على الدليل الفني ولم يورد مؤداه بصورة وافية واعتنق صورة لواقعة الدعوى استقاها من أقوال ضابط الواقعة رغم أنها مكذوبة وملفقة باختلاقه وجود خلافات سابقة بين المجني عليه وشقيق الطاعن على خلاف الحقيقة من حدوث اعتداء من المجني عليه على الأهالي بإطلاقه وابلاً من الأعيرة النارية لفرض إتاوات عليهم وهو ما دعاهم للإمساك به وتوثيقه بأحد أعمدة الإنارة وتناوبوا الاعتداء عليه محدثين إصابته التي أودت بحياته ، وعوّل على أقوال ضابط الواقعة وحده رغم أنها لم تؤيد بشهادة شاهد آخر ممن تواجد من الأهالي أثناء الحادث ، ولم يفطن الحكم لما شاب أقوال المجني عليهم ممن أطلق المجني عليه الأعيرة النارية عليهم من تناقض بتحقيقات النيابة عنها بجلسة المحاكمة ، كما عول الحكم على تحريات الشرطة رغم عدم جديتها ، وخلت الأوراق من وجود شاهد رؤية ومن وجود دليل فجاء قضاء المحكمة مبني على الافتراض والاستنتاج ، ولم تعن المحكمة بتحقيق عناصر الدعوى بما يدل على رغبتها الجامحة في إدانته، ولم تجب دفاعه إلى طلب استدعاء خبير باتحاد الإذاعة والتليفزيون لعرض كارت الميموري والفلاشة وقوفاً على حقيقة الواقعة وشخص من قام بقتل المجني عليه غير أن المحكمة اكتفت بندب قسم المساعدات الفنية بوزارة الداخلية رغم تواضع إمكانياته ودون أن تبدي سبباً لاطراح طلبه وأجبرته على المرافعة في الدعوى على هذا الأساس ، وأشاح الحكم دون رد عن دفاعه بعدم تواجده على مسرح الجريمة وانتفاء صلته بها وشيوع الاتهام واطرح أوجه دفاعه الجوهرية ومستنداته فلم يعرض لها إيراداً ورداً، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له.

لما كان ذلك ، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى ، والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وإذ كان الحكم قد دلل على توافر هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له وجه .

 

ولما كان ذلك ، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما مستفاد من وقائع وظروف خارجية ويستخلصها القاضي منها استخلاصاً مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وإذ كان الحكم المطعون فيه قد كشف عن توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن وقد ساق لإثباته قبله من الأدلة والقرائن ما يكفي لتحققه قانوناً، ومن ثم فإن نعي الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد.

لما كان ذلك ، وكانت العقوبة المقضي بها على الطاعن وهي السجن المشدد لمدة عشر سنين – تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة، فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره من فساد الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار.

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه أن إصابته طعنية بالوجه والبطن ورضية بالرأس وقطعية أحدثت نزيف دموي أدى إلى صدمة أدت للوفاة ، وهي جائزة الحدوث من مثل السلاح الأبيض السكين المضبوط وجائزة الحدوث وفق التصوير الوارد بمذكرة النيابة العامة ، وكان ما أورده الحكم نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية كافياً في بيان مضمونه ولتحقيق المواءمة بينه وبين باقي الأدلة المطروحة في الدعوى، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم عدم إيراده مضمون هذا التقرير كاملاً يكون في غير محله لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص من صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ، وأنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى حصول الواقعة طبقاً للتصوير الذي أورده ، وكانت الأدلة التي استند إليها في ذلك سائغة ومقبولة في العقل والمنطق ولا يماري الطاعن في أن لها معينها من الأوراق، فإن ما يثيره الطاعن من روايته التي أدلى بها وما أورده بعض الشهود بشأنها تخالف ما اعتنقته المحكمة ، لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح ، وهو ما لم يقبل إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بنصاب معين في الشهادة وإنما ترك حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه طالما أنه له مأخذه في الأوراق، فإن تعويل الحكم المطعون فيه على شهادة شاهد واحد ليس فيه ما يخالف القانون ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع بغير معقب ومتى أخذت بشهادة الشاهد، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط شاهد الإثبات وكفايتها كدليل في الدعوى ولصحة تصويره للواقعة، فإن المنازعة في القوة التدليلية لشهادته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يتساند في إدانة الطاعن إلى شهادة المجني عليهم ممن أطلق المجني عليه الأعيرة النارية عليهم ولم يورد لهم ذكراً فيما سطره، فإن منعى الطاعن في خصوص شهادة هؤلاء الشهود لا يكون له محل.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة أساسية مادام أنها اطمأنت لجديتها ، فإن النعي على الحكم بتعويله على تحريات الشرطة رغم عدم جديتها ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض.

لما كان ذلك ، وكان لا يشترط لثبوت جريمة القتل ، ومعاقبة مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها ، ومن ثم يضحى منعى الطاعن في هذا الصدد على غير سند.

لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضائها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما يذهب إليه الطاعن، فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك ، وكانت حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره ، وترك المشرع أمر تقدير الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الطلب الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود ، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أقوال شاهد الإثبات وصحة تصويره للواقعة، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا محل للنعي عليها لعدم إجابتها طلب الدفاع استدعاء خبير بقسم المساعدات الفنية باتحاد الإذاعة والتليفزيون ، هذا فضلاً عن أنه لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن طلب ندب خبيراً آخر في الدعوى ، فليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه بما تنحسر معه عن الحكم في هذا الشأن قالة الإخلال بحق الدفاع ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد.

لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن بعد أن تمسك المدافع عن الطاعن بطلب عرض الكارت الميموري والفلاشة على الخبير المختص بقسم المساعدات الفنية باتحاد الإذاعة والتليفزيون وقد أجابت المحكمة طلبه بعرضها على قسم المساعدات الفنية بوزارة الداخلية وبالجلسات التالية ورد تقرير الجهة الأخيرة واطلع عليه المدافع عن الطاعن وأبدى استعداده للمرافعة وترافع في موضوع الدعوى شارحاً ظروفها وأوجه دفاعه وانتهى إلى طلب البراءة ، وكانت الإجراءات التي صدرت من المحكمة مما يدخل في السلطة المخولة لها بمقتضى القانون وهي إجراءات قانونية لا يتخلف عنها حرج للطاعن والدفاع الحاضر معه أو مصادرة حقهما في الدفاع ولا ينال من ذلك ما ذكره الطاعن بمذكرة أسبابه أن المحكمة أجبرته على التنازل عن ندب أحد الخبراء المختصين بقسم المساعدات الفنية باتحاد الإذاعة والتليفزيون وكان عليه إثبات ذلك قبل غلق باب المرافعة والحكم فيها وأن يسجل عليها هذه المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم وإلا لم تجز محاجاتها من بعد ذلك أمام محكمة النقض على أساس من تقديرها فيما كان عليها تسجيله، ومن ثم يكون منعاه في هذا الخصوص غير مقبول.

 

لما كان ذلك ، وكان الدفع بعدم الوجود على مسرح الحادث وانتفاء صلة الطاعن بالواقعة وشيوع الاتهام مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك ، وكان من حق المحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً وكان الطاعن لم يبين مضمون المستندات التي عاب على الحكم عدم التعرض لها ولم يفصح عن ماهية أوجه الدفاع التي يقول أنه أثارها وذلك حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى