«النقض»: الجاني يسأل بصفته فاعلًا في جريمة القتل العمد

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 3127 لسنة 90 قضائية، أن الجاني يسأل بصفته فاعلًا في جريمة القتل العمد إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة، أو ساهمت في ذلك أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على قتل المجني عليه ثم باشر معه الاعتداء تنفيذًا للغرض الإجرامي الذي اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة.

المحكمـــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر وبعد المداولة قانونًا :-

من حيث إنه بعد التقرير بالطعن بطريق النقض وايداع أسبابه في الميعاد قد توفى الطاعن ( المحكوم عليه ) …………… بتاريخ 25 من يونيه سنة 2022 – كالثابت من شهادة الوفاة المرفقة – لما كان ذلك ، وكانت المادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه : تنقضي الدعوى الجنائية بوفاة المتهم . فإنه يتعين الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بوفاة الطاعن .

من حيث إن الطعن المقدم من الطاعنين / ……………………………….. استوفى الشكل المقرر في القانون .

وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانهم بجريمتي القتل العمد وحيازة وإحراز أسلحة بيضاء وأداه سكين وشوم وحجارة بغير مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة الحرفية أو المهنية قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك أنه لم يدلل تدليلًا سائغًا على توافر نية القتل لديهم وأن ما أورده لا يعدو أن يكون ترديدًا للأفعال المادية التي قارفوها ولا ترشح للقول بتوافرها في حقهم وأنهم كانوا في حالة هياج وعدم إدراك لا سيما وأن أقوال شاهدة الإثبات الأولى لا يستفاد منها توافر تلك النية، إذ إن الطاعن الثاني تعدى على المجني عليه بضربة واحدة من الخلف ولم يقصد من ذلك قتله ، وأن الواقعة في حقيقتها مجرد مشاجرة نشبت بينهم والقدر المتيقن في الأوراق أنها تشكل جناية ضرب أفضى إلى موت ، وتساند الحكم إلى ما ورد بتقرير الصفة التشريحية مع أنه خلا من فحص كامل جثمان المجني عليه ولم يبين عما إذا كان الأخير يعاني من حالة مرضية من الممكن أن تؤدي إلى الغرق.

ولم يستظهر علاقة السببية بين الأفعال التي قارفها الطاعنون ووفاة المجني عليه، ويضيف الطاعن الرابع بأن الحكم لم يعن برفع التناقض بين الدليلين القولي والفني في شأن موضوع حدوث إصابة المجني عليه ، وخلط بين أركان الجريمة والباعث على ارتكابها ، ولم يدلل على مدى توافر الاتفاق بين الطاعنين على ارتكاب الجريمة ودور كل منهم فيها وما ساقه من أدلة لا يوفر تضامنًا بينهم في المسئولية الجنائية ولا يعدو سوى مجرد توافق على الاعتداء ، ويزيد بأن الأوراق قد خلت من أي اتفاق بينه وبين باقي الطاعنين على ارتكاب الجريمة وأنه لم يتدخل في الاعتداء وأن الأمر مجرد حادث فردى يسأل عنه الطاعن الثاني وحده.

كما ينعى على الحكم بالتناقض حينما أثبت توافر نية مسبقة بين الطاعنين وانعقاد الاتفاق بينهم على الاعتداء على المجني عليه وتصميمهم على ذلك ثم انتهى إلى معاقبتهم بالقتل العمد المجرد عقب نفي ظرف سبق الإصرار ، هذا ويذهب الطاعنون إلى أن الحكم اعتنق رواية شهود الإثبات للواقعة رغم تعددها وعدم معقوليتها وتناقض أقوالهم فضلًا عن كونها سماعية ولم يعاصر أي منهم وقوع الحادث وتوجد خلافات فيما بين الشاهد الثاني والطاعن الثاني ، وأخيرًا اعتد الحكم بما جاء بتحريات الشرطة رغم قصورها والدفع بعدم جديتها ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين التي دان الطاعنين بها ، وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ورد بتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة من شأنها إلى ما رتبه الحكم عليها

. لما كان ذلك ، وكان قصد القتل أمرًا خفيًا لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وإذا ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية بسياقه المتقدم تدليلًا سائغًا وواضحًا في إثبات توافرها وكافيًا في رده على دفاع الطاعنين بانتفائها في حقهم ، كما أنه لا مانع قانونًا من اعتبار نية القتل إنما نشأت لدى الجاني إثر مشادة وقتية وأن حالات الإثارة والاستفزاز أو الغضب لا تنفي نية القتل ، أما القول بأن أقوال شاهدة الإثبات الأولي لا يستفاد منها توافر هذه النية فمردود بأن هذا القول – بفرض صحته – لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد القتل من كافة ظروف الدعوى وملابساتها ، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن النعي بأن الواقعة مجرد مشاجرة وتشكل جناية ضرب أفضى إلى موت لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة وجدلًا موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها ، مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، هذا إلى أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ، إذ قضاؤها بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمنًا أنها أطرحتها ولم تعول عليها ، ومع هذا فقد عرضت المحكمة لهذا الدفاع وأطرحته بأسباب سائغة .

لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم لها وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مصادرتها في ذلك ، ومن ثم فإن ما يسوقه الطاعنون من مطاعن على تقرير الصفة التشريحية ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير قيمة هذا الدليل، مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمدًا ، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتًا أو نفيًا فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.

وإذ كان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر علاقة السببية بين إصابات المجني عليها التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وفعل الضرب بعصا ثم إلقاء الحجارة الذي قارفه الطاعنون وبين وفاة المجنى عليه ، فأورد من واقع ذلك التقرير إن إصابة المجنى عليه عبارة عن جرح رضى متهتك الحواف رأسي الوضع بيسار الجبهة وجرح رضى بأعلى مقدم الأنف يقابله كسر بعظام الأنف وكدمة بوسط وحشية بمقدم الفخذ الأيسر وأن تلك الإصابات تحدث من جسم صلب راضي مثل شوم أو طوبة وتعزى الوفاة إلى اسفكسيا الغرق ، فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعنون من قصور في هذا الصدد .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضًا يستعصى على الملاءمة والتوفيق ، ولما كانت أقوال شهود الإثبات كما أوردها الحكم والتي لا ينازع الطاعنون في أن لها سندها من الأوراق لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن الدليل الفني ، وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني ، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع من وجود تناقض بين الدليلين ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع ، فإن ما يثيره الطاعن الرابع في هذا الشأن يكون في غير محله.

لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يخلط بين أركان الجريمة والباعث على ارتكابها – خلافًا لما يزعمه الطاعنون – فإن نعيهم في هذا الشأن يكون غير صحيح ، كما لا يعيب الحكم أن يكون قد استطرد فأسهب في تناول الظروف التي سبقت الحادث وما بين الطاعنين والمجني عليه من خلافات سابقة لأن هذه الأمور في جملتها تتصل بالباعث على الجريمة والدافع على ارتكابها وهما ليس من عناصرها القانونية ، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن لا يكون مقبولًا .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادة المساهمين ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين ومن الجائز عقلًا وقانونًا أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقًا لقصد مشترك بين المساهمين هو الغاية النهائية من الجريمة ، أي أن يكون كل منهم قصد قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة وأسهم فعلًا بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضُعت أو تكونت لديهم فجأة ، وكان من المقرر أن الجاني يسأل بصفته فاعلًا في جريمة القتل العمد إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في ذلك أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على قتل المجني عليه ثم باشر معه الاعتداء تنفيذًا للغرض الإجرامي الذي اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة ، بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها.

وكان ما أورده الحكم بمدوناته لدى بيانه لواقعة الدعوى وفي مقام التدليل على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين كافٍ بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهه واحدة في تنفيذها وأن كلًا منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها وقارف أفعالًا من الأفعال المكونة لها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه.

وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، ما دامت تلك التحريات قد عُرضت على بساط البحث ، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص لا يكون قويمًا . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا .

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة :

أولًا : بقبول الطعن شكلًا ، وانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمحكوم عليه …………… لوفاته .

ثانيًا : بقبول الطعن المقدم ……………………. شكلًا وفي الموضوع برفضه.

أمين السر نائب رئيس المحكمة

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى