الفعل ورد الفعل في صد الإساءة للإسلام

نشر بجريدة الوطن الجمعة 12 / 6 / 2020

بقلم: أ/ رجائي عطية

 

يبدو جليًّا لمن يتابع حملات الإساءة للإسلام ، والتهجم على رسوله الكريم ، أنها

لا تستهدف فقط المساس بمشاعر المسلمين ، وإنما تأتى ضمن خطة مدرسة منظمة لبث الكراهية للإسلام والمسلمين ، والعدوان عليهم في أوطانهـم تحت ذرائع مختلفة ، كما حدث في العراق ومن قبلها في أفغانستان ، ومن قبلهما في البوسنة والهرسك .. غير ما تورى المقدمات بأنه يدبر ضد سوريا وليبيا ، فضلا عن الانتهاكات والمؤامرات الجارية في لبنان ، وحرب الإبادة في غزة وباقي فلسطين .. ويدخل هذا المخطط في اعتباره ـحصار الأقليات الإسلامية وخنقها في أوروبا والأميركتين ، وإحالة حياتها إلى جحيم يلجئها إلى الانكماش أو المغادرة .. هذا الهجوم الجهول على الإسلام ، يجاوز فى ضلاله وتوحشه كل ما سبق أن تعرض له الإسلام والمسلمون في السالف من هجمات ضالة ساهم فيها كتاب وفلاسفة وملوك وأباطرة وجيوش !

خطأ بالغ مواجهة هذا المخطط بردود أفعال هنا وهناك ، متفرقة شاردة موزعة غير مترابطة ، مغموسة بالغضب والانفعال ، تعطى مادة لمزيد من الافتئات على المسلمين ودينهم ، بأكثر مما ترد عنهم إساءات المسيئين وكيد وتدبير الكائدين . الرؤية الشاملة المطلوبة لمواجهة هذه الحملات ـ يجب أن تتسع لنا ، ماذا علينا فى سلوكنا وفى صورتنا أن نصححه ونلتزمه ، وأن تتجه أيضا للأغيار.. من ساءت أو حسنت مقاصدهم ، فالخطاب المتجه إليهـم ، وأساليب التعامل معهـم ، تختلف بلا شك عن وسائل وأساليب التعامل مع أنفسنا وإخواننا فى ديارنا .

مع أن الدنيا من نصف قرن لم تكن كالحال الآن الذى فيه تزايدت الحملات على الإسلام ، إلاّ أننا نرى كاتبا فردا : عباس محمود العقاد ، يضع كتابا ( الهلال ديسمبر 1966 ) ، مادته وعنوانه : « ما يقال عن الإسلام » ، لا يتشنج ولا يهتاج وإنمـا يتأمل ويتقصى كتابات الغربيين فيما يكتبونه عن الإسلام كتابة تتفاوت تبعا للبواعث والنيات أضعاف التفاوت الذى مرجعه لقـدر الدراية والمعرفـة .. منهـم من ينحرفون عن الصواب اضطراراً أو اختياراً بباعث

من التعصب ، ومنهم من يخدمون السياسة الغالبة على دولهم ، فيصطنعون لغة الدعاية ضد الإسلام اصطناعا ، ومنهم طلاب معرفة حسنت نواياهم ولكن لم تسعفهم معرفتهم وأدوات بحثهم ، ومنهم ولو قليلون ينشدون الرأي خالصا لوجه الحقيقة العلمية، ولكنه رأى مشوب بالقصور الذى لا مفر منه لمن يكتب عن الأدب في لغـة غير لغته فضلا عـن أن يكون من غير أهل الأدب في لغته .. لا يضيق العقاد بشيء من ذلك ، وإنما يستعرضه ليقـول لنا إنه من حقنا ــ بل واجبنا ــ أن نعرف ما يقال عنا ، وأن نعرف كل قول من تلك الأقوال بقيمته وقيمة من يصدر عنه ، ليس فقط لنرد عليهـا ونوضح وجه الخطأ أو الصواب أو القصور فيها ، بل لأننا نستطيع أن نعرف أنفسنا من شتى نواحيها كلما عرفناها كما ينظر إليها الغرباء عنها ، وعرفنا مبلغ الصدق والفهـم إن كان ، ومبلغ الخطـأ فيما يعتقدون فينا أو يظنون عـن هوى أو جهالة !

وجوب الالتزام بالفعل لا برد الفعل ، يستوجب أن يتضافر عليه المسلمون والدول العربية والإسلامية بعامة ، لا للغضب من وقت لآخر على رسم أو قصة أو رواية أو فيلم ، ولا لمعاداة الغرب أو غير المسلمين، فالإسلام يمد يده إلى الدنيا بالسلام ، وقرآنه المجيد يحض على السلام ويدعو إليه ، فهو مهجة وروح الإسلام .. تحية الله للمؤمنين هي تحية سلام : «تحيتهم يوم يلقونه سلام» .. ومستقـر الصالحيـن دار أمن وسلام : « والله يدعو إلى دار السلام » .. وأهـل الجنة لا يتحدثون بغير لغـة السلام : « لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما . إلا قيلا سلاما سلاما » .. ورغم ما لاقاه الرسول الكريم يقول له القرآن المجيد « وإن جنحوا للسلم فاجنح لها » .

تضافر المسلمين إزاء هذه المفتريات ليس للبغي والعدوان ، وإنما لتوفير آلية مهيأة بالمال وبالعلم وامتلاك اللغات ، لبث صورة المسلم والإسلام الصحيحة إلى الدنيا بلغاتها .. إلى الغير قبل الذات ، بالبث المرئي والمسموع ، والمقروء ، وبمظهر سلوك المسلم ذاته ، ليروا الإسلام كما هو ، وليعرفوا أن الإسلام دين سماحة وإنسانية وإخاء ، تتسع واحته لغير المسلم كما تتسع للمسلم ، لا عصبية فيه للعرق أو للدين ، يحترم جميع الرسل والأنبياء ، قوامه العقل والحكمة والموعظة الحسنة ، يقدس الروح حتى في الحيوان ، ويوقر العلم والعلماء ، والعمـل والاجتهاد ، ويدعو إلى عمار الحياة ، ويتخذ من المسلم صحيح الإسلام عنوانه ورسالته إلى الدنيا . لا عذر للمسلمين ولديهم المال والإمكانيات ـ لا عذر لهم أفرادًا وجماعات وأمماً ودولاً في التقاعس عن إنشاء هذه الآلية ، مدعومة بالدعم المالي والبشرى ، والاستمرار في بث صورة الإسلام الصحيحة إلى الدنيا .

غاية هذه الآلية أن نبسط للدنيا ، لنا وللآخرين ، أن الإسلام دين عالمي يتجه إلى العالمين ، أمس واليوم وإلى يوم الدين .. وأن هذه الخاصية قد أوجبت أن يكون دينا مفتوحا يتجه بدعوته وهدايته إلى الناس كافة ، بلا تفرقة لعرق أو جنس أو وطن ، وأن هذه الغاية تستوجب بداهة أن يكون دينا جاذبا محببا لا طاردا ولا منفرا ، ومحال وهذه غايته أن يميل إلى العنف أو الإرهاب ، فكلاهما ينفر لا يحبب ولا يجذب ، أو أن يتوسل إلى ما يريده من انتشار وهداية بالسيف أو الإكراه .. فلا إكراه في الدين في الإسلام ، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة هي غايته وسجيته ، والمساواة والإسماح والعدل دستوره .. لا يعطى ظهره للأديان السابقة ، وإنما يجعل قرآنه المجيد من الإيمان بهم جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالإسلام ، لذلك تحدث بأجمل الحديث عن كافة الأنبياء والرسل ، وكرمهـم أجمل تكريم ، ومـن سـوره ما أطلـق عليه أسمـاء الأنبياء بل والأولياء السابقين وعائلاتهم ، كسورة آل عمران ، ويونس ، وهود ، ويوسف ، وإبراهيم ، ومريـم ، والأنبيـاء ، ولقمـان ، ويس ، ونوح .. لا يجد المسلمون بأسا ولا حرجاً من التسمي بهذه الأسماء ، فترى فيهم أسماء نوح ، وهود ، ويوسف ، وإسحق ، ويعقوب ، وعيسى ، وموسى ، ويحيى ، وشعيب ، وأيوب ، وهارون ، وزكريا .. دين يحترم العقل ويجعل التفكير فريضة فيه ، ويحترم العلم والعمل ، ويقدس الروح حتى في الحيوان ، ويقيم سننه على العدل والإسماح والمساواة ، وعلى منظومة متكاملة من السجايا والشمائل التي تتجه في مجملها ومغزاها إلى رعاية الأغيار أمانة وصدقا وعطفا ورحمة وإخلاصا ووفاء بالمواثيق والعهود . هذه هي حقيقة الإسلام الذى سيبقى للآلية المتضافرة أن تتدبر كافة الوسائل لتوصيلها إلى المسلمين حتى لا يتطرف منهم أحد أو يجنح عن صحيح الإسـلام ، وإلـى الأغيار حتى يفهموا هـذا الدين الحنيف حق فهمه ، ولو فهموه لما تطاولوا على رسوله هذا التطاول المؤسف !

لو التزمنا بأسلوب الفعل وأدائه ، لتابعنا بكل السبل حملة مدعومة بالحجة لحض المجتمع الدولي ومنظماته الدولية على تجريم ازدراء الأديان .. التجريم الذى يتفق مع ما يجب للأديان من احترام .

من المهم أن يدرك المجتمع الدولي أن الجميع سوف يدفعون ثمنا فادحا إذا استمرت هذه الحملات المهينة للأديان وجرى التقارع بين أبنائها بأسلوب الفعل ورد الفعل ، فتطول المحاجاة والإساءة كافة الأديان ، بينما هي سقوف البشرية التي تضبط ما لا تستطيع القوانين والنظم ضبطه ، وتقوم من السلـوك ما قد لا تكفى الأساليب الوضعية لتقويمه ، لأن الأديان تخاطب مناطق في الوجدان والضمير لا يستطيع غيرها أن يخاطبها أو أن يكون مؤثرا فيها . ماذا سوف تجنى البشرية يوم يفلت العيار فيرد كل طرف على الآخر بضرب دينه والتغول عليه للانتصار للنفس ورد هجوم المتهجم إلى نحره ؟! .. لن تستطيع أي قوة أن تسيطر على حرب الأديان إذا اشتعلت ، ولن يهدأ للبشرية بال أو يتوفر لها أمان لو صارت الأديان مادة في هذه اللعبة الحمقاء الكفيلة بتدمير كل شيء ما لم يتداركها العقلاء ويجرم المجتمع الدولي وبعقوبات رادعة ازدراء الأديان !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى