البشر بين المشابهة والاختلاف!

من تراب الطريق (1043)

البشر بين المشابهة والاختلاف!

نشر بجريدة المال الخميس 18/2/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لأن البشر من أول الدهر حتى اليوم والغد يعايش بعضهم بعضاً في مكان، ويفارق في مكان آخر.. أزمنة ودهوراً ـ قد يبالغ في المشابهة بين الجماعات وبين أفرادها في كل عصر، برغم التفاته اليقظ الشديد للتمييز الدقيق بين الأفراد قرابات وغير قرابات، وبين الجماعات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، على أجزاء المعمورة مع اختلاف الأنواع والطوائف والفرق والأسر والأفراد ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً حاضرين أو ماضين أو في طريقهم إلى الميلاد المرجو أو المتوقع!

ولا يوجد في الماضي والحاضر والمستقبل آدمي حىّ أو أي حي آخر ضخما كان أو متوسطـا أو صغيـراً أو ضئيلا.. تراه أو لا تراه عيون الآدميين.. إلاّ إذا كان ذا جسد يحتوي داخله الذي لا تراه عيونه وبقية أعضائه الخارجية ـ يحتوي على أجزاء وعناصر وتراكيب وأعضاء وقوى لكل منها لزوم أو أداء أو وظيفة.. قد تحافظ على وجودها ودورها، وقد تنقضي وقد تضوى وقد تشارك في نـهاية الحىّ!

قد يعرف الآدميون اليوم والغد معرفة فيها تفصيل أكثر مما عرفوا من قبل هم ومن سبقوهم، وقد لا يعرفها قط معرفة مفصلة ـ غير الآدميين من الأحياء.. ويشترك الأحياء جميعا من آدميين وغير آدميين في الحس والأنا الخاصة والرغبة الممكنة والطمع والخوف أو الحرص على الحياة القابلة بالقدر المكتوب لكل منها.. ولذلك لم تنقطع ولن تنقطع سحنة وجسم كل آدمي الخاصة به.. إذ لا يطابقها غيره هو دون أن تنفد قرابته بأقاربه التي تتناثر معالم أجزاء منها ـ من هذه القرابة ـ بين الأقارب غالباً، وأجزاء هذه القرابات فلتات معتادة يكررها هذا القريب أو ذاك تقليداً لحركات لقريب آخر لا يعرف هو مصدرها، ولا صلة لها بعقل أو بحكمة أو بذكاء وفطنة.. لا توجد إلاّ نادراً في الجماعات المتقدمة السابقة والحالية إذ ضَخّمها الإعلان ورواجه العالي الهائل الآن.. هذا الإعلان قد ضلل تضليلا شبه تام أفكار المتعلم والجاهل والقادر وغير القادر وأضاع تماما، الثقة والأمانة في حكم الحاكم الفعلي وكذا من يتكالب سعياً أو رغبةً في الوصول لذلك الحكم!

*      *     *

ولم يتغير في دنيا الناس أساس الغذاء والشراب، لم يتغير كثيرا جدا عن الماضي إلا في قرننا الحالي والقرن السابق.. حيث ظهرت وبرزت وانتشرت الخمور والمكيفات وزاد عليها الكوكايين والهيروين ومن بعدهما المخدرات المقطرة الأخرى فاختل نهائيا تقريبا توازن عموم البشر وخصوصهم في كل مكان.. اختلالا عالميا لم تسلم منه أية بقعة في أية منطقة في الكرة الأرضية، ولم يسلم منها المتقدم أو المتأخر، في الغرب أو في الشرق.. ولم يوجد بعد في هذه الساعة أثر جاد في أي مكان ناجح يقوى على مقاومة هذا البلاء العام والإسراع المجدي في مقاومة تفشيه والتغلب عليه.. إن لم يتحقق هذا الأثر الحيوي، فلا قيمة حقيقية حتى اليوم للأثر المجدي المطلوب لليقظة الفعلية.. إذ لا قيمة تذكر لتبديل الحكومات وتغيير الأوضاع وإعلان ونشر الأرباح الفصلية والسنوية ووجاهة المؤتمرات وعظمتها وعالمية الصحف وأمثالها في الأرض والجو والنهار والليل.. وهذا ما انتهى بنا إلى شبه فقدان رجولة الرجال وانعدام أو تقلص جسارة الصادقات وشجاعتهن.. وجدنا حكاماً ومحكومين وقادرين مزعومين وغالبين ومغلوبين تائهين.. لا يحصر لهم عدد وتخبط وطيش.. ولكن معظم الناس غرقى لم ينجحوا كثيراً في انتشال أنفسهم من مثبطات عديدة لا تزال تأخذهم بعيداً عن صدق الرؤية وسلامة النظر.. مازلنا نبحث عـن اليوم فحسب، ولا نأمل في الغد ولا نفكر فيه من طول الإحباط واليأس الذي تراكم واستسلمنا إليه وإلى بقائه، وعجزنا عن مواجهته والتصدي له إلى أن يعلن القدر حكما نهائيا بلا رجعة خلاف ما تكرر في الماضي بعيده وقريبه!

والآن ومع بلاء الأنانية ـ لم يعد عموم الخلق يثق بعضهم في بعض.. قادرهم أو عاجزهم، حاكمهم أو محكوموهم.. الكل بلا تمييز يبدأ وينتهي دائما بالأنا في كل ما يظن أنه مهم له ولمن في بيته.. انتهى اطمئنان الشعوب الماضي للقادة والسادة والكبار والعارفين والحازمين والمجربين انتهى فيما يبدو إلى غير عودة، وباتت كل دولة كائنا ما كان حجمها أو قدرتها أو ثروتها، أو كل أمة أو جماعة أو طائفة أو بلدة ـ باتوا جميعاً مجالا شائعا مختلطا مضطربا عرضة دائمة للنزاع والخصام والصراع.. لا فارق على الإطلاق بين ميزة من قد يحكم أو قد يرؤس أو قد يدير أو قد يقتنى كله صولا واعتراضا ومقاومة وثورة.. شاع ذلك وزاد في هذا العالم الحالي المغرق في أنانيته.. لم نعد قط نثق في غيرنا أو في أنفسنا ثقة الآمن العارف القديم، ولا ثقة الساذج المطمئن لغيره منذ أن يولد إلى أن يموت.. إذ بتنا لا يأمن منا أحد حتى لنفسه أو عليها فيما زاد عن اليوم أو عن القليل من الأيام.. فقد ذهب الأمن من الجميع إن لم يكن قد ضاع نهائيا، ولم نعد نفكر في استرجاعه تفكيرا جادا لازما!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى