أزمة الزعامة السياسية (4)

من تراب الطريق ( 1274 )

ــــ

نشر بجريدة المال الأحد 6/3/2022

ـــــــــــــــــ

بقلم نقيب المحامين الأستاذ: رجائى عطية

نعم ، لم تصمد القيادة الرباعية المكونة من النحاس ، ومكرم عبيد ، وأحمد ماهر ، والنقراشى ـ لم تصمد طويلاً ، وسرعان ما تفتت ولحق بها الابتعاد أو الإبعاد ، فكان من ليس منه بد ، وخرج ماهر والنقراشى ومجموعة غير قليلة من أعضاء الوفد ، إلى حيث كوّنوا « الهيئة السعدية » نسبة إلى سعد زغلول . جرى ذلك عام 1937 ، والوفد متربع فى دست الحكم ، ومهيأ لأن يلعب دورًا كبيرًا فى الحياة السياسية بعد وفاة الملك فؤاد فى 28أبريل 1936، وبدا للوفد أنه بوفاته قد خلا المسرح من أكبر خصومه وأشدهم عنادًا ورغبة فى شغل دور البطولة .

كما وقع هذا التصدع أو الانشقاق فى وقت تهيأ فيه الوفد لعلاقة طيبة مع بريطانيا بعد أن أبرم معها ــ عام 1936 ــ معاهدة صداقة وتحالف ـ أيًّا كانت كفة الموازين ، ولتدخل بعدها العلاقات المصرية البريطانية فى مرحلة جديدة قوامها أحكام وشروط المعاهدة .

وعلى ذلك فإن التصدع والانشقاق عام 1937 ، إنما كان فى جوهره صراعًا على السلطة داخل الوفد بعد المعاهدة ، ومدى الالتزام بالمبادئ الديمقراطية والعمل بها ، وبمبادئ الحرية والرأى داخل الوفد ، فضلاً عن طروء أسباب ترجع إلى نزاهة الحكم والفساد السياسى والإدارى .

على أن الجانب الأهم ، أن القائمين بالانشقاق هم هذه المرة من المجاهدين القدامى ؛ أصحاب التاريخ العريض الذين مثلوا فى داخل الوفد التيار المتشدد ، يساندهم أنهم من أقطاب الحركة الوطنية المعروفين ، ولدى القواعد الشعبية ، ومن ثم كان لانشقاقهم دوى كبير داخل وخارج صفوف الوفد .

بداهةً يرجع تصدع القيادة الرباعية ، وانشقاق ماهر والنقراشى ــ إلى خلافات تجذرت بينهما من ناحية ، وبين النحاس ومكرم من الناحية الأخرى ، هذا ولم يكن الخلاف فقط حول مشروع توليد الكهرباء من خزان أسوان ، وإنما ترجع جذوره إلى عامى 1935 و 1936 ، باختلاف وجهات النظر حول معاهدة 1936 ، وتجاه وزارة « توفيق نسيم » المتربعة على دست الحكم منذ عام 1935 ، فبينما كان النحاس ومكرم يؤيدان هذه الوزارة ، بل وكانا وراء توليها الحكم كما أظهرت الوثائق البريطانية التى أُفرج عنها بعد مضى مدة الحظر عليها ، كان لماهر والنقراشى رأى مضاد ، فتناولا ـ وكذلك عباس العقاد ـ تصرفات هذه الوزارة بالنقد ، لميلها الشديد للإنجليز ، وقيامها بتجديد التعاقد مع الموظفين الإنجليز ، وتعيين عدد كبير منهم فى وظائف الحكومة ، فضلاً عن تسويفها فى إعادة العمل بدستور 1923 ، وشنّ ماهر والنقراشى والعقاد حملة كبيرة على تلك الوزارة فى جريدة روز اليوسف اليومية آنذاك .

ويرى الدكتور عبد العليم خلاف فى كتابه عام 1999 ـ عن الهيئة السعدية ، أن موقف ماهر والنقراشى تجاه وزارة « نسيم » ، يتفق مع طبيعة تكوينهما الوطنى ، وما عرف عنهما من الميول المتشددة داخل الوفد ، التى تتسق مع تاريخهما الثورى ونضالهما ضد الإنجليز منذ اشتعال الحركة الوطنية سنة 1919 .

وتبقى ظاهرة الإقصاء أو الانشقاق الجبرى ، نتيجة غياب القدرة على التعامل بين الآراء المختلفة وهى سُنّة الحياة ، التى تحدث عنها القرآن حين قال عن الناس أنهم سيبقون مختلفين ، إذ قال تعالى : « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ » (هود 118 ) .

وذات هذه الظاهرة هى التى أدت بعد ذلك بسنوات قليلة إلى انفراط عقد القيادة الثنائية والتآلف الذى كان بين النحاس ومكرم عبيد ، على ما سوف نرى !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى